الدار- تحليل
من جديد أبان المغرب عن كفاءة عالية في التعاطي مع الكوارث الطبيعية بفضل تضافر جهود مختلف الفاعلين، من حكومة، وسلطات محلية وعسكرية، تحت القيادة الحكيمة لجلالة الملك محمد السادس، حيث أظهرت الحرائق التي عرفتها جهة طنجة-تطوان- الحسيمة وجهة فاس مكناس، أن التعبئة الجماعية والعمل الجماعي المشترك مكونات “وصفة” مغربية خالصة تمكن المملكة من ربح رهان مختلف التحديات.
في وقت كانت فيه بعض الأوساط تنتقد تدبير الحكومة للحرائق الأخيرة، متهمة إياها بـ”التملص” من مسؤوليتها بعدم تقديم الدعم للساكنة المحلية، قام وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، محمد صديقي، الإثنين 18 يوليوز الجاري، بزيارة الى إقليم العرائش للوقوف على وضعية حرائق الغابات التي اندلعت في الجهة.
وقد مكنت الجهود الدؤوبة التي بذلتها فرق التدخل، إضافة إلى مصالح المياه والغابات، والوقاية المدنية، والقوات المسلحة الملكية، والدرك الملكي والقوات المساعدة، من السيطرة على جميع البؤر في الأقاليم الأربعة )لعرائش وتطوان ووزان وشفشاون(، كما تدخلت الساكنة إلى جانب فرق التدخل وتم وضع العديد من الموارد البرية والجوية للسيطرة على ألسنة اللهب التي أججتها درجات الحرارة المرتفعة وهبوب الرياح العاتية.
وعملت الحكومة من خلال وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، على احداث خلية على المستوى المركزي وخلايا على المستوى المحلي بتنسيق مع السلطات الجهوية والإقليمية والمحلية، لرصد الوضعية وتقييم مدى التأثير، من أجل وضع تدابير مناسبة عاجلة لمواكبة الساكنة وإحداث مشاريع للتنمية وإعادة تأهيل النظم الإيكولوجية المتأثرة، في إطار برنامج حكومي شامل.
من جانبه، قام نزار بركة، وزير التجهيز والماء نزار بركة، الأحد 17 يوليوز الجاري، بزيارة ميدانية تفقدية إلى مجموعة من المناطق والجماعات بإقليم العرائش المتضررة من الحرائق التي اجتاحتها، تم خلالها الاطلاع على المجهودات الجبارة، التي تم القيام بها من طرف عناصر القوات المسلحة الملكية والدرك الملكي والقوات المساعدة والوقاية المدنية ومصالح المياه والغابات والسلطات الأمنية والمحلية من أجل إخماد هذه الحرائق.
وبتعليمات ملكية من جلالة الملك محمد السادس، وضعت الحكومة برنامج استعجاليا تمثل في توقيع اتفاقية إطار لدعم ضحايا حرائق الغابات التي عرفها شمال المغرب خلال الأيام الماضية، تم من خلالها رصد 290 مليون درهم (29 مليار سنتيم) لتنزيل مختلف مقتضياتها، رغم الظرفية الاقتصادية الصعبة.
وتهدف هذه الاتفاقية الى دعم المتضررين لإعادة تأهيل وترميم منازلهم، والتخفيف من الآثار عن مربي الماشية ومربي النحل بالمناطق المعنية، والقيام بعمليات تشجير الغابات وتأهيل الأشجار المثمرة المتضررة، وتنفيذ مشاريع التنمية الاقتصادية المتكاملة في المناطق المتضررة؛ ثم خلق ألف فرصة عمل إضافية لجهة تطوان الحسيمة في إطار برنامج “أوراش”.
وتشمل الاتفاقية تدابير، على المديين القصير والمتوسط، من أجل دعم الساكنة في تأهيل وترميم المنازل المتضررة، التي تم إحصاؤها من طرف السلطات العمومية، والقيام بعمليات التشجير في الغابات التي دمرتها الحرائق، مع إعادة تأهيل الأشجار المثمرة المتضررة من خلال إعادة تشجير حوالي 9330 هكتارا.
كما تروم، تعزيز وسائل الوقاية من الحرائق الجديدة ومكافحتها، والتخفيف من الآثار الضارة للحرائق على مربي الماشية ومربي النحل بالمناطق المتضررة، مع تنفيذ مشاريع التنمية الاقتصادية المتكاملة في المناطق المتضررة؛ بالإضافة إلى خلق 1.000 فرصة عمل إضافية لجهة طنجة تطوان الحسيمة، موجهة لفائدة المتضررين وأفراد أسرهم للعمل في إطار برنامج “أوراش”.
اخماد هذه الحرائق، التي أتت على آلاف الهكتارات من الغابات في أقاليم الشمال وجنوب شرق المملكة، لم يكن ليتأتى لولا توفر المغرب على أسطول الطائرات المتخصصة في إخماد الحرائق “كنادير”، التي تتوفر المملكة منها حاليا على 11 طائرة، علما أن جلالة الملك محمد السادس، سبق أن أعطى تعليماته السامية لإبرام صفقة جديدة لشراء ثلاث طائرات أخرى، تم دفع ثمنها.
وقد عززت القوات الملكية الجوية خلال سنة 2022، أسطولها بثلاث طائرات جديدة دخلت مرحلة الخدمة بعد إجراء تمارين طيران مختلفة، وقد شاركت في إخماد الحرائق التي شهدتها مناطق الشمال خلال الآونة الأخيرة.
وتمتاز هذه الطائرات بقدرتها على حمل 6 أطنان من المياه الممزوجة ببعض المواد لتشكيل رغوة كيمياوية تطفئ النيران، كما بإمكانها الهبوط خارج المدرجات وعلى الطرق غير المعبدة، وأيضا على أسطح الأنهار والبحار، وأن تحمل كميات كبيرة من مياه الوديان وتحلق على ارتفاع منخفض.
وفي هذا الصدد، يعتبر المغرب البلد الإفريقي الوحيد الذي يتوفر على مثل طائرات “كنادير”، مما سيعزز من ريادته القارية، ووضعها رهن إشارة جيراننا عند الحاجة، علما أن تكلفتها تصل الى 25 مليون أورو)265 مليون درهم مغربي(، ويوجد المغرب ضمن قائمة 20 دولة عبر العالم فقط التي تملك طراز “CL415” من طائرات “كنادير”.
العمل الميداني في إخماد الحرائق بأقاليم شمال المملكة، أكد من جديد أن المغرب راكم تجربة فضلى في تدبير الكوارث الطبيعية، حيث نجحت قوات التدخل والوقاية المدنية بتضافر جهود القوات الجوية والسلطات المحلية في إخماد الحرائق العرائش بعد ستة أيام من اندلاعها، و كشفت من جديد أن المؤسسات المغربية الأمنية والوقائية والعسكرية تمتلك من التأهيل والكفاءة ما يجعل بلادنا تتمتع بسيادة كاملة لتدبير أزماتها والكوارث التي تصيبها بشكل مستقل وذاتي دونما حاجة للاستعانة بالخارج أو التوسل للحصول على إمدادات دولية أو إقليمية، مثلما يفعل الجيران.
ان الحرائق الأخيرة التي اجتاحت أقاليم شمال وجنوب شرق المملكة، أظهرت من جديد كيف أن الإرادة الجماعية والعمل المشترك يشكلان مرتكزات تدبير المغرب لمختلف التحديات التي تواجهه، تحت القيادة النيرة لجلالة الملك محمد السادس، وأن هذه التحديات والصعوبات كيفما كان حجمها، وثقلها تضمحل أمام إرادة قوية من مختلف القوى الحية للدولة المغربية، التي لا تزيدها الأزمات والمحن الا صلابة وقوة، ولنا في تدبير المملكة لجائحة “كوفييد19” مثال حي على ذلك.
