موسيقية الألحان القبطية (٣٥)


عزيزي القارئ، تحدثت معك في المقال السابق عن موضوع تعريب الألحان، وكان حديثي مدعماً بأمثلة توضيحية تؤكد خطر تعريب الألحان القبطية على هذا التراث العظيم النادر الوجود.

اليوم أريد أن أتحدث معك عن الأساليب الأربعة التي تستخدم في أداء الألحان القبطية.

أساليب أداء الألحان القبطية في اللتورجيا المقدسة

يتم أداء الألحان القبطية من خلال اربعة أساليب مختلفة أوجدتها الكنيسة المصرية القديمة بما يتماشي مع النصوص الكتابية وتعاليم الرسل من جهة ولخلق نوع من الحوار التسبيحى بين الشعب والأكليروس وخورس الشمامسة من جهة أخرى، ولتركيز أذهان المؤمنين المستمعين لهذه الألحان حتى لا يتسرب إليهم روح الملل بسبب الأداء ذى الوتيرة الواحدةMonotony فى حال التسبيح بأسلوب واحد طوال الطقوس التى زمنها يمتد لساعات طوال. في كلٍ من هذه الأساليب يكون هناك دور المـُعلم في القيادة مختلف، ومن هذه الأساليب:

– التسبيح فى خورسين Antiphonal:
ويعرف بالـ “أنتيفونا” Antiphonal Singing “، وهى طريقة التسبيح بين خورسين إحداهما قبلى والآخر بحرى وكل واحد يرد على الآخر. وقد احتار العلماء فى أصل دخول الأنتيفونا فى الكنيسة، فبعضهم قال إن بطرس الرسول رآها فى رؤيا، وآخرون قالوا إن هذا الأسلوب أُدخل إلى كنيسة أنطاكية عن طريق القديس “أغناطيوس الثيؤفورس” فى القرن الأول للميـــلاد، نقلاً عن نظام العبادة فى مجامع اليهود. وأنه انتقل من أنطاكية (أى من سوريا) إلى فلسطين ثم إلى مصر.

وتُروى قصة عند القديس “أغناطيوس” أنه رأى فى رؤياه الملائكة ينشدون بالتبادل ترانيم للثالوث الأقدس، وهذا يتوافق تماماً مع ما جاء بأشعياء النبى: “السيرافيم واقفون فوقه لكل واحد ستة أجنحة، بإثنين يغطى وجهه وبإثنين يغطى رجليه وبإثنين يطير. وهذا نادى ذاك وقال قدوس[1]” .

والحقيقة أن أسلوب التسبيح فى خورسين هو طقس قديم جداً فى الهيكل ومعمول به منذ أيام “عزرا” و”نحميا” .. إذ يقول الكتاب :

image002.jpg

شكل رقم (7)

(صورة ارشيفية توضح أسلوب الأنتيفونا لخورس بحري وخورس قبلي)

“وعند تدشين سور أورشليم طلبوا اللاويين من جميع أماكنهم ليأتوا بهم إلى أورشليم لكى يدشنوا بفرح وبحمد وغناء بالصنوج والرباب والعيدان. وأقمت فرقتين عظيمتين من الحمَّادين ووَكَبَت الواحدة يميناً والفرقة الثانية من الحمادين وَكَبَت مقابلهم فوقف الفرقتان من الحمادين فى بيت الله وغنى المغنون.”[2] (نحميا 12: 27-42).

ويعتقد أن الترجمة القبطية للمزامير مأخوذة عن النسخة العبرية المسماة بالماسورية Massoretic” ، التى كان يستخدمها يهود الإسكندرية النسّاك قبل تحوّلهم إلى المسيحية، وأنه عنهم إستلم الأقباط طريقة الترنيم بالأنتيفونا “Antiphona ” أى المجاوبة الصوتية.

وفى الكتاب الذى وضعه العلامة “فيلو” اليهودى يصف فيه حياة الكنيسة الأولى فى الإسكندرية وكل مصر، وهى لا تزال فى صبغتها اليهودية الأولى (45-55م)، يذكر أن هؤلاء النساك كانوا يستخدمون طريقة الأنتيفونا فى تسبيحهم الليلى[3]، وهكذا انتقلت الأنتيفونا كطقس خدمة إلهية من هؤلاء النساك إلى الكنيسة، وقد أخذت الكنائس اللاتينية هذه الطريقة فى التسبيح عن كنيستنا.

وقد رتبت الكنيسة القبطية أنتيفونا وتسبيحاً مشابهاً يتمثل فى خورس داخل الهيكل، وخورس خارج الهيكل فى عيد القيامة مرتباً على المزمور 24 “إفتحوا أيها الملوك أبوابكم”، إستمراراً للتقليد.

وكذلك فى صلاة الساعة الثانية عشر من يوم الجمعة العظيمة، بعد أن يُفتح باب الهيكل علامة المصالحة بين السمائيين والأرضيين، يبدأ الحوار بين مجموعة الشمامسة الذين فى الهيكل من داخل والذين هم خارج الهيكل فيجاوبون بعضهم البعض قائلين “ثوك تيه تيجوم” فهى صورة للأنتيفونا يجسدها طقس الكنيسة.

ويذكر كل من إنجيل “مرقس” و “متى” أن الجماعة التى خرجت لاستقبال السيد المسيح عند دخوله مدينة أورشاليم، قسّمت نفسها إلى خورس يمشى أمام المسيح وخورس يمشى وراءه :- “والجموع الذين تقدموا والذين تبعوا كانوا يصرخون (الواحد قبالة الآخر) أوصنا لإبن داود مبارك الآتى باسم الرب “. (مت 21: 9)

والقديس “باسيليوس” أيضا فى الخطاب رقم 207 إلى كهنة قيصرية يؤكد أهمية الأنتيفونا قائلاً:

“يذهب الشعب إلى بيت الصلاة فى الليل فى دموع متواصلة يعترفون أمام الله وأخيراً ينتقلون من الصلاة ليبدأوا بتسبيح المزامير وذلك بأن ينقسموا أولاً إلى فريقين ليرددوا التسابيح مقابل بعضهما وبعد ذلك يسلمون مطلع اللحن إلى واحد وبقية الجماعة ترد”.

ويقف المعلم عادة على رأس الخورس البحرى، لكي يتمكن من القيادة فيعطى إشارات بيده اليمنى وبتعبيرات وجهه حيث يبدأ الخورس البحرى بالتسبيح بقيادته ثم يرابعه (أي يرنم الربع أو الاستيخون الذى يليه) الخورس القبلى الذى يقف أيضا على رأسه رئيس شمامسة او شماس يُعتمد عليه في توحيد الخورس القبلي إلا أن المعلم لا يزال هو القائد الأوحد لكلا الخورسين. والألحان التى تُنشد فى خورسين لها طبيعة خاصة:

· فهى تحتوى على إنتقالات مقامية أحيانا ما تكون شديدة التعقيد، وتحتاج الى قدرة عالية فى ضبط النغمات.

· تحتوى على تغيرات ايقاعية وتغيرات فى السرعة تحتاج الى تحكم فى ميزان وضرب وسرعة اللحن.

· لها قوالب موسيقية مركبة.

· تتميز بأسلوب الميليسما الذى أحيانا ما تكون كثافتة عالية جداً.

لذا فدور المـُعلم هنا يكون حيوى ورئيسى وفعال.

عزيزي القاريء أرجو أن أكون نجحت في أن أوضح كتابيا وروحيا وفنيا لماذا إستخدمت الكنيسة “التسبيح في خورسين” قبلي وبحري كأحد أساليب الأداء الأربعة المميزة للألحان في الكنيسة القبطية، وإلى أن نلتقي في مقال آخر عن باقي أنواع أساليب التسبيح لك مني كل محبة وسلام من ملك السلام.

[1] الكتاب المقدس – العهد القديم – سفر أشعياء الأصحاح السادس آية 1

[2] الكتاب المقدس – سفر نحميا الأصحاح 12 آيات من 27 الي 42

[3] الأب متى المسكين – مرجع سابق – ص 87 و88

تاريخ الخبر: 2022-07-26 12:22:04
المصدر: وطنى - مصر
التصنيف: غير مصنف
مستوى الصحة: 53%
الأهمية: 64%

آخر الأخبار حول العالم

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية