الأمير محمد بن سلمان في باريس: محركات الدبلوماسية السعودية في كل اتجاه


لم يكد الرئيس الأميركي جو بايدن يغادر المملكة العربية السعودية بعدما عقد قمة مع قيادتها، أولاً مع الملك سلمان بن عبد العزيز، ثم مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان يرافقه عدد من أعضاء الحكومة، أعقبتها قمة عربية – أميركية جمعت بايدن مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي الست إضافة الى مصر، والأردن والعراق، حتى أعاد ولي العهد إشعال محركات الدبلوماسية السعودية على مستوى القيادة.

فتوجّه أمس الى اليونان، وليكمل الليلة الى باريس حيث سيكون جدول أعمال الزيارة حافلاً بملفات ثنائية، إقليمية ودولية، بين ما هو سياسي وما هو اقتصادي بامتياز. ولعل المحطة الأولى في الجولة الأوروبية التي بدأت في أثينا تعكس علاقات باتت أوثق في السنوات الأخيرة، لا سيما في مرحلة الخلاف مع أنقره، وتمسك أثينا بعلاقات ممتازة مع كل من السعودية والإمارت العربية المتحدة. والعلاقات بين السعودية واليونان قديمة وتعود إلى عقود من الزمن، إذ لم تشهد يوماً اضطراباً، لا بل إن العلاقات اتسمت على الدوام بمستوى عالٍ من التفاهم على قضايا المنطقة، وفي مقدمها تأييد اليونان على مر السنين لحقّ الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة في إطار عملية السلام التي تلحظ حل الدولتين.

هذا الأمر يهم السعوديين كثيراً، وهم متعلقون بمبدأ تحقيق السلام ضمن إطار الحل الذي يجمع عليه المجتمع الدولي برمته، سبيلاً لإنهاء الصراع الذي دام عقوداً طويلة، ونتجت منه آلام كبيرة، وجراح عميقة، فضلاً عن أن قوى إقليمية أخرى في المنطقة استغلته الى أبعد الحدود، وجعلت من القضية الفلسطينية منصة لاختراق العالم العربي ومجتمعاته، ومحاولة تخريب الدول والكيانات العربية.

طبعاً هناك ملفات عديدة على جدول أعمال الأمير محمد بن سلمان الذي يزور اليونان كأول محطة أوروبية، حيث تعتبر الأخيرة دولة متوسطية، شبه شرق أوسطية، تجمعها بالسعودية مصالح سياسية، واقتصادية، وتجارية تجعل من زيارة ولي العهد السعودي محطة يهتم بها المسؤولون اليونانيون.

في المحطة الباريسية ملفات أخرى، وأكثر تشعباً تربط بين باريس والرياض، بدءاً بالعلاقة التي توطدت في الأعوام الأخيرة بين الرئيس إيمانويل ماكرون والأمير محمد بن سلمان. ويمكن القول إن العلاقة الشخصية بين الرجلين لعبت دوراً كبيراً في تعبيد طريق العلاقات الرسمية بين البلدين. ويسجل للرئيس الفرنسي أنه رفض الانسياق خلف الحملات المنظمة التي استهدفت ولي العهد السعودي، والقيادة بشكل عام من خلال استغلال قضية مقتل الصحافي جمال خاشقجي.

لم يسمح الرئيس ماكرون شخصياً بأن تصبح باريس منصة لاستهداف السعودية بذرائع كانت تبدو جذابة للرأي العام، ولكنها استخدمت في إطار حملات منظمة، وممولة في الكثير من الأحيان. وراهن ماكرون على تعميق العلاقة مع القيادة السعودية الجديدة التي أتت تحمل أفكاراً عصرية، وأساليب جديدة في الشأن العام في الداخل، بدءاً ببرامج إصلاحية طموحة وحاسمة، أعادت بناء منظومة الدولة بشكل مختلف عما سبق.

واظب الرئيس الفرنسي في الأعوام الأخيرة على تطوير العلاقة مع القيادة السعودية، وحافظ على مستوى رفيع من العلاقات الثنائية التي أفادت منها كل من باريس والرياض.

وكان رهان الرئيس الفرنسي على القيادة الجديدة في السعودية يستند الى فكرة أن المملكة هي الدولة المركزية الأهم في الشرق الأوسط العربي. وهي الأكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية. هي بوابة الشرق الأوسط العربي، ولا يمكن التفكير - كما حاولت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن - بمحاصرتها، من دون أن ينتج من ذلك خلل كبير في موازين المنطقة. وفرنسا التي تلعب دائماً على خط التماس، استفادت في مكان ما من التراجع الأميركي، حيث أبقت على قنوات التواصل مع طهران، من دون أن تجازف بإضعاف علاقاتها الاستراتيجية مع السعودية.

قد يلحظ المراقب بعض الشبه بين المقاربات الفرنسية للعلاقات الدبلوماسية، وتلك السعودية. فالعلاقات بحسب المقاربة التي نتحدث عنها يجب أن تكون مفتوحة في كل اتجاه. وقنوات التواصل لا تنقطع مع أي طرف، حتى الطرف الأكثر تهديداً لأمن المملكة (إيران). ودبلوماسية الشراكات الاستراتيجية المتعددة تبقي خيارات السعودية ومصالحها متحررة من أي ارتهان لقوى دولية. من هنا خيار دبلوماسية الشراكات الاستراتيجية التي لا تغلق باباً.

في ما يتعلق بزيارة الأمير محمد بن سلمان لباريس، هناك ملفات ثنائية تتصل بالشراكة بين البلدين على المستويات السياسية والاقتصادية والتجارية بكل وجوهها، وخصوصاً التكنولوجيا العالية والتنمية البيئية. ومشاريع الرياض الكبرى في منطقة "نيوم" والعلا تجتذب الشركات الفرنسية الى حد بعيد. كما أن الاستثمار في تطوير قطاع الطاقة بند رئيسي، لا سيما في أعقاب الحرب في أوكرانيا. أما الملفات الإقليمية المهمة التي تجمع البلدين فمتعلقة بالنزاعات في المنطقة، بدءاً باليمن وليبيا وصولاً الى لبنان الذي يشكل طبقاً رئيسياً على مائدة القمة الثنائية السعودية – الفرنسية.

في مطلق الأحوال، يمكن القول إن محركات الدبلوماسية السعودية على مستوى القيادة شغالة بقوة، وإنها تعكس حيوية المشروع الوطني السعودي، والدور الذي تلعبه المملكة في المنطقة والعالم، ما حوّلها الى نقطة جذب رئيسية في غرب آسيا، ونقطة تقاطع بين محاور دولية محتربة في ما بينها.

نقلاً عن "النهار"

تاريخ الخبر: 2022-07-27 06:17:10
المصدر: العربية - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 87%
الأهمية: 97%

آخر الأخبار حول العالم

الشعباني يتحدث بخصوص غيابات نهضة بركان في مواجهة الزمالك المصري

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-11 18:25:58
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 68%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية