ارتفاع التضخم وأمامه الاستثمار .. كيف يستفيد الثاني من الأوقات الحرجة للأول؟

ارتفعت أسعار معظم السلع تقريبا بوتيرة متسارعة منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية مما دفع معدلات التضخم لتسجيل زيادات حادة في أنحاء العالم.

 

على جانبي الأطلسي تزداد الأمور تعقيدا، ففي الولايات المتحدة، أكبر اقتصاد في العالم، زادت أسعار المستهلكين 9.1 بالمئة في يونيو لأعلى مستوياتها تقريبا في نحو 41 عاما بسبب صعود قياسي في أسعار البنزين وتكاليف الطعام بينما تسارع في منطقة اليورو التي تضم تسعة عشر دولة إلى 8.6 بالمئة  ما يزيد أربعة أمثال تقريبا عن المستوى الذي يستهدفه البنك المركزي الأوروبي عند قرابة اثنين بالمئة.

 

 

وفي ظل أن جعبة البنوك المركزية في أنحاء العالم تعتمد بشكل تقليدي على سلاح أساسي يتمثل في رفع أسعار الفائدة مما ينذر بركود اقتصادي في ظل تباطؤ نمو الإقراض وعزوف الشركات عن التوسع وتراجع أسواق الأسهم بسبب سعي المستثمرين لاستثمار أموالهم في البنوك، تبرز معضلة رئيسية ألا وهي: هل يمكن للمستثمرين في الأسواق المالية التعايش مع بيئة تتسم بارتفاع أسعار الفائدة وهو ما يبدو أمرا سيستمر لفترة طويلة من الزمن؟

 

وفقا لطبائع الأمور يشكل صعود التضخم خطرا على الاقتصاد والثروات بأشكالها المختلفة. فقيمة مدخراتك تقل مع تدهور قيمتها الشرائية وكذلك قد يواجه المستثمرين في الأسهم خسائر في ظل انسحاب السيولة لأدوات مالية أخرى وتدهور الوضع الاقتصادي بصفة عامة، لكن الخبراء يرون أن ثمة وجه آخر للعملة بحسب التجارب التاريخية.

 

يرى الخبراء أن ارتفاع التضخم ظاهرة دورية متكررة لها حتما بداية ونهاية، لكن في الوقت ذاته فإن مسار التضخم يميل إلى ارتفاع متصاعد بمرور الوقت، مما يعني أنه علينا التأهب لفترة ممتدة من التضخم المرتفع.

 

فمنذ أواخر الستينيات حتى الآن، كانت هناك ثلاث فترات من ارتفاع أسعار المستهلكين في الولايات المتحدة مثلا، من عام 1968 إلى 1970، ومن عام 1973 إلى 1975 ومن 1978 إلى 1980، كل دورة بدأت بتضخم مفاجئ دفع البنوك المركزية لتشديد السياسة النقدية، لتدفع بعد ذلك أسعار الفائدة المرتفعة الاقتصاد صوب الركود. وبعد صعود التضخم صوب الذروة وبدء تراجعه، يخفف صانعو السياسات قبضتهم قليلا على السياسة النقدية، لتبدأ الأسعار في الارتفاع مجددا. وفي كل دورة، ارتفع معدل التضخم لذروة عند مستويات أعلى على التوالي.

 

ومنذ بداية هذا العام، يرى محللون أن الأسواق العالمية تقتفي أثر الأزمة التي حدثت في سبعينات القرن الماضي. فمحافظي البنوك المركزية استجابوا ببطء لارتفاع التضخم، كما تحول ارتفاع الأسعار لظاهرة عالمية فيما يظهر أداء سوق الأسهم أن التقييمات تتراجع.

 

لكن أسهم القيمة، وهي الأسهم التي تتسم بانخفاض أسعارها مقارنة بالعوامل الأساسية للشركة، مثلا تفوقت في الأداء على بقية السوق حتى الآن. كما ان ارتفاع أسعار النفط والسلع الأولية يظهر بجلاء أنها قادرة على مكافحة التضخم، بل إن المستثمرين في عملات آمنة مثل الفرنك السويسري باتوا في وضع رابح.

 

 

بحسب تحليلات بنك الاستثمار "ويلز فارجو" فإن بعض فئات الأصول تميل إلى أن تتحرك بشكل أفضل خلال فترات ارتفاع التضخم، فمن بين 15 فئة أصول رئيسية خلال الفترات التي شهدت ارتفاعا للتضخم منذ عام 2000، كان من بين أفضل الفئات أداء النفط (بعائد 41 بالمئة)، وتلته أسهم الأسواق الناشئة (18 بالمئة)، والذهب (16 بالمئة) والأسهم المرتبطة بالدورة الاقتصادية (16 بالمئة).

 

يقول "سكوت رين" الخبير الاستراتيجي لدى معهد "ويلز فارجو للاستثمار": "في البيئات التي تتسم بارتفاع التضخم، فإن أشياء مثل السلع الأولية تبلي بلاء حسنا.. وكذلك الأمور بالنسبة لأسهم الشركات الصغيرة والمتوسطة". كما ان قطاع الطاقة عادة ما يقدم عوائد جيدة وصناديق الاستثمار العقاري وكذلك الأمر بالنسبة لقطاعات الخدمات المالية والصناعة والمواد الأولية.

 

الأسهم هل تكون الحصان الرابح؟

 

بنظرة على التاريخ، نجد أنه في سبعينيات القرن الماضي، وحين خسر المؤشر "اس اند بي 1500 المجمع" للأسهم الأمريكية 44 بالمئة بالقيمة الحقيقية، حققت أسهم القيمة التي كانت أسعارها منخفضة مقارنة بالعوامل الأساسية لها عوائد حقيقية إيجابية.

 

وثمة أسباب تكمن وراء تحقيق تلك الأسهم التي يطلق عليها أسهم القيمة لمكاسب فعلية في ذلك الوقت. أولا أنها في البدايات كانت تتسم بانخفاض أسعارها مقارنة مع بقية السوق، ثانيا أنها تمتعت بتقييمات معقولة وهو ما كان مؤشرا على أن المستثمرين لديهم توقعات مخفضة بشأنها، مما منحها هامش أمان ضمنيا خلال هذا العقد المضطرب. ثالثا أن ارتفاع عوائد الأرباح في ذلك الوقت جعلها أقل تأثرا بصعود أسعار الفائدة.

 

 

بنك الاستثمار الأمريكي "جولدمان ساكس" أيضا يرى أن الأسهم ربما توفر أفضل فرصة بين أدوات الاستثمار للتغلب على التضخم من حيث الأداء. ويسلط البنك الضوء بوجه خاص على الأسهم المرتبطة بالدورة الاقتصادية، أي تتحرك بالتزامن مع الأداء الكلي للاقتصاد، مثل أسهم الشركات العاملة في القطاعات المالية والطاقة والموارد والتي بمقدورها الاستفادة من ارتفاع الأسعار. تحقق تلك الشركات أداء متفوقا في المعتاد عندما يكون الاقتصاد في حالة طيبة أو عندما يتعافى من أزمة.

 

أسهم الشركات المرتبطة بالدورة الاقتصادية والتي تتمتع بمقومات كبيرة للنمو قد تكون فرصة جيدة، لأسباب منها أن إمكانية تحقيق عوائد كبيرة نسبيا وحيازة مثل تلك الشركات لقوة تسعير يمكن أن يعزز من القيمة الفعلية لمحافظ المستثمرين في الأمد الطويل، لكن بالطبع مع استعداد المستثمرين لتحمل التقلبات قصيرة الأجل التي قد تنتاب تلك الأسهم.

 

السلع الأولية

 

تشير التجارب إلى أن الاستثمار في السلع الأولية مثل النفط والمعادن النفيسة وعلى رأسها الذهب والفضة والبلاتين، يمثل حماية من التضخم.

 

فتاريخيا، أظهرت تلك الأصول درجة عالية من المتانة خلال صعود التضخم لفترات طويلة، إذ أن السلع الأولية مكون رئيسي في مؤشر أسعار المستهلكين. كما أن الاستثمار فيها قد يساعد في تنويع محفظة الاستثمار إذا كانت مكونة في الأساس من الأسهم.

 

 

فخلال عقد السبعينيات، صعدت أسعار النفط والذهب بأكثر من خمسة أمثال. ووفرت بالتبيعة أسهم شركات التعدين والطاقة وحتى منتجي الفحم عوائد ضخمة بمرور الوقت.

 

الانتقاد الذي يطال هذه الاستراتيجية ربما هو أن تلك الأصول لا تدر ربحا، وحين ترتفع أسعار الفائدة، وهي خطوة تلقائية لمكافحة آثار ارتفاع التضخم، فإن تلك الأصول تقدم عوائد تقل بدرجة كبيرة عن بقية الأدوات المالية.

 

لكن في الوقت ذاته من الممكن أن تركز استراتيجيتك على تخصيص قدر محدد من محفظتك للاستثمار في السلع الأولية في الأجل الطويل، يساعد التخصيص المتوسط على توفير مصدر للقوة خلال أوقات صعود الضغوط التضخمية.

 

كما أن الاستثمار في السلع الأولية يمكن أن يتم عبر عدة طرق منها الشراء المباشر أو الانكشاف غير المباشر عبر الاستثمار في صناديق الاستثمار التي تركز على المعادن والنفط أو الطاقة.

 

العقارات

 

يرى بعض الخبراء أيضا أن العقارات أحد فئات الأصول التقليدية التي تبلي بشكل جيد وقت ارتفاع التضخم.

 

يعتبر الكثيرون العقارات التجارية على وجه التحديد وسيلة ناجعة للتحوط من التضخم وهي تشمل أي عقار مملوك ويُدار بهدف جني قيمة اقتصادية. ويختلف ذلك عن العقارات السكنية التي تستخدم في الأساس للمعيشة.

 

والعقارات التجارية، التي تشمل الشقق السكنية والمنازل والمتاجر والمباني الإدارية ومراكز التسوق والمنشآت الصناعية، ترتبط عادة باتفاقيات تأجير مع العملاء وبالتالي فإنه مع صعود التضخم، تزيد قيمة العقار وكذلك الإيجارات الشهرية لها.

 

 

تسمح تلك الارتفاعات لمالكي العقارات بالحفاظ على القيمة الفعلية للعقار بينما يحصلون على دخل أعلى بمرور الوقت. بالطبع فإن ذلك يتوقف على عوامل منها التوازن بين العرض والطلب في السوق.

 

الاستثمار في العقارات يمكن أيضا أن يكون بشكل غير مباشر من خلال شراء أسهم في صناديق الاستثمار العقاري المدرجة في البورصات وصناديق أخرى متخصصة في القطاع.

 

بالطبع فإن الاستثمار في العقارات على نحو مباشر له إغراؤه لكن العملية تتطلب قدرا كبيرا من الاستثمار مقدما وتنطوي على نفقات تخص رسوم المعاملات والصيانة وغيرها. لذا فتملك الأسهم المستندة إلى العقارات يتجنب هذه النقائص مما يوفر للمستثمرين طريقة أكثر فعالية لتكوين محفظة استثمار عقاري أكثر تنوعا.

 

العملات

 

يرى محللون أن الدولار الأمريكي يظل يمثل ملاذا آمنا للاستثمار وكذلك العملات المرتبطة بموارد والتي تمثل وسيلة لانكشاف إيجابي على التضخم العالمي، من بين ذلك على سبيل المثال الدولاران الأسترالي والكندي وكذلك الكرونة النرويجية.

 

فتلك الدول تعتمد اقتصاداتها على إنتاج السلع الأولية وبالتالي فهي تستفيد من ارتفاع أسعار تلك السلع في الأسواق.

 

أيضا يشير البعض إلى الفرنك السويسري، فالترجيح بأن البنك الوطني السويسري (البنك المركزي) يميل إلى عدم التدخل لكبح قيمة الفرنك، كما أن العملة ربما تكون ملاذا مفضلا في حال ارتفاع التضخم في أوروبا وتأثيره على النمو.

 

نصف كوب ممتلئ

 

حتى في حال استمرار ارتفاع التضخم، يطرح الباحثون زاوية أخرى ترتكز على أن التضخم له صور متعددة، فهناك تضخم جيد يعكس طلبا متينا، وهو ما يكفي الشركات لكي تنال قوة تسعير ودرجة من الثقة للتوسع في الاستثمار، وهناك أيضا تضخم سييء وهو بمثابة صدمة تعرقل النمو.

 

وعلى الرغم من أن التضخم الذي نشهده الآن يميل إلى كونه تضخما سيئا، فإن الخبراء يرون أن صدمة التكلفة ستنتهي في غضون عام، وأن التضخم سيستقر على الأرجح عند مستوى مرتفع، ولكن باعتدال إلى حد ما في صورة تضخم جيد، إذ أن صدمة التكاليف ستعمل بمثابة محفز لطلب أقوى ونمو أكثر متانة في المستقبل لأنها تشجع الأسر والحكومات والشركات على الاستثمار في العمالة وترشيد استهلاك الطاقة وكذلك استغلال التقنيات الحديثة.

 

 

المصادر: أرقام- رويترز- بلومبرج- أنيويتي دوت أورج- سي إن بي سي

تاريخ الخبر: 2022-07-29 09:23:27
المصدر: أرقام - الإمارات
التصنيف: إقتصاد
مستوى الصحة: 41%
الأهمية: 39%

آخر الأخبار حول العالم

في مواجهة الحتمية الجيوسياسية.. الاتحاد الأوروبي يختار التوسع

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-01 15:26:22
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 63%

حماس تطلب توضيحا بشأن "شرط غير مفهوم" في اقتراح الهدنة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-01 15:26:12
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 55%

الوكالة العالمية للمنشطات تفرض عقوبات على تونس

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-01 15:26:19
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 53%

الأمم المتحدة: حجم الدمار في غزة أكبر من أوكرانيا

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-01 15:25:51
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 70%

لوكا مودريتش يحطم رقما قياسيا في أبطال أوروبا

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-01 15:26:02
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 68%

لوكا مودريتش يحطم رقما قياسيا في أبطال أوروبا

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-01 15:25:54
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 64%

حماس تطلب توضيحا بشأن "شرط غير مفهوم" في اقتراح الهدنة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-01 15:26:06
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 63%

في مواجهة الحتمية الجيوسياسية.. الاتحاد الأوروبي يختار التوسع

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-01 15:26:27
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 61%

الوكالة العالمية للمنشطات تفرض عقوبات على تونس

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-01 15:26:14
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 70%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية