عودة فرقة ساورا الغنائية
محمد كبسور
احتفت الأوساط الفنية والثقافية بالعودة المطلوبة والمهمة لمجموعة ساورا بعد غياب دام طويلاً.
ساورا مجموعة موسيقية غنائية، اطلّت كفكرة في اكتوبر 1990م بجهد مجموعة من طلاب المعهد العالي للموسيقي والمسرح، وكان أوّل عرض لها من خلال الدورة الثالثة لمهرجان الخرطوم الدولي للموسيقى في الليلة الافتتاحية من 30 أكتوبر 1991م. ثم انطلقت الفرقة إلى الظهور في منابر العاصمة وأنديتها وجامعاتها ومدن السودان المختلفة.
تمرّدت ساورا على النص الشعري التقليدي لأغنية وسط السودان والمرتبط بالحبيبة وبالهجر وبأمنيات اللقاء وبالأطلال وباجترار الذكريات وغيرها من الموضوعات، لصالح نصوص أرحب وجدانياً وفكرياً، وتحمل مدلولات جديدة مواكبة لحساسية الواقع، وتعبّر عن رؤى مغايرة للمطروح من قضايا إجتماعية ووجودية، فأحدثت نقلة في موضوعات الأغنية السودانية، مُقتدية بتجارب المجدّدين التي سبقتها من أمثال مصطفى سيد أحمد ومحمد وردي وأبو عركي وعقد الجلاد وخليل فرح وغيرهم من المبدعين الذين وضعوا بصمة حداثوية على نص وموسيقى الأغنية السودانية.
وتغنّت ساورا لعدد من شعراء المفردة الجديدة من أمثال محجوب شريف، عاطف خيري، أزهري محمد علي، مجدي النور، أمين صديق، خطّاب حسن أحمد، عثمان البشرى، محمد عبد الخالق، خالد عبد الله، ميرغني الماحي، جمال حسن سعيد، عماد عثمان، وغيرهم.
وتمدّدت ساورا إلى المحيط العربي فتغنّت لشعراء عرب من أمثال محمود درويش، سميح القاسم، محمد مهاب، وكمال عمار.
ونحتت ساورا ألحاناً جديدة مميّزة ومتمرِّدة، وذات طابع خاص مكمّل لتمرّد النصوص التي اختارتها، وأفردت للآلة الموسيقية مكاناً بارزاً في مؤلفاتها، فتبارى الراحل ربيع عبد الماجد والهادي جمعة وهشام كمال وياسر مساعد وعبد الوهاب وردي وعبد اللطيف حامد وغيرهم من ملحني وأعضاء فرقة ساورا في تأليف الألحان ومزج المقطوعات في نسج علمي وجمالي يدعو للتأمل.
وكانت محصّلة جهود ساورا أعمال مهمة سكنت الوجدان مثل أغنيات (وطني ما أجملك.. متمني أسوقك مشوار.. من أجل صباح.. مساحة فل.. وردة ومنديل.. يا مافي.. من الشارع بنتعلّم.. يا نيل.. الشجر قرّبني منك.. توما.. آتٍ إليك.. سلامات يا زول يا رائع.. يوماً ما) وغيرها من الأعمال التي شكّلت علامة بارقة في تاريخ الغناء الجماعي في السودان.
ولم تُهمل ساورا تناول أغنيات المناطق المهمّشة، فأنتجت عدداً من الأعمال الجديدة المنتمية لثقافات الأطراف مثل أغنيات (يا سلام.. انداكو..) وغيرها. فشكّلت تلك الأعمال فتحاً مهماً في اتجاه إبراز التنوّع.
ووفق إفادة أحد مؤسسي المجموعة، حول اختيار اسم (ساورا):
“قصدنا بهذا الاسم شلال في جبل مرة تسقط مياهه إلى المصب عن طريق ثلاثة ألسنة ولكل منها صوت موسيقي يختلف عن الآخر”..
ولعل فرقة ساورا تحاول ما يفعله هذا الشلال من إبراز للجمال والتعدّد السودانيين.
أحدث غياب ساورا عن الساحة الفنية فراغاً لم تستطع ملأه محاولات استنهاضها، كما لم تتقدّم مشروعات بديلة أخرى لسد الفراغ.
ويبدو أن ساورا قد تغلّبت علي الظروف القاسية التي واجهتها والمتمثلة في صعوبات العمل الجماعي، والاختلافات والاختناقات، ومحاولات إبعادها عن جمهورها، وهجرة عدد من أعضائها ومؤسسيها.
وها هي ساورا تعود من جديد، محمّلة بعبق البدايات وبالأفق الكبير الذي تستشرفه، لتواصل ذات الطريق الصعب الذي ابتدرته، عبر سلسلة من العروض وفريق متفانٍ في الإعداد والبروفات.
وتظل ساورا بتعاقب أجيالها وثبات مواقفها تجاه كل القضايا الإنسانية التي تعبّر عنها بخطابها الفني، تساهم كثيراً في تشكيل وجدان معافى عالي الذائقة، وفي تشكيل مواقف وطنية واضحة وصلبة.
عادت ساورا.. وعاد البنفسج.
