رواية ساحر الغراب

يقال إنه فى شهر واحد فقط قضى على مليون من الشيوعيين الأبوريريين، الأمر الذى جعل الحاكم الزعيم الإفريقى الأكثر تقديرًا فى الغرب وجلب إليه عددًا وافرًا من الزيارات الرسمية مع الملوك والملكات والرؤساء الذين استقبلوه فى قصورهم فى حفلات العشاء الفخمة. أفرط الإعلام الغربى فى مدحه: حصن ضد الشيوعية العالمية، كما أطلق عليه بعضهم.. زعيم لا يخشى القيادة، قال آخرون.. وفى النهاية، رجل دولة إفريقى ذو مكانة عالية، صرخت عناوين الأخبار.. ولا يحصى عدد صوره وهو يصافح أقوى رجال الدولة الأوروبيين والأمريكان.

كسر الحاكم ظهر المقاومة المنظمة، واستغرق الأمر بضع سنوات كى تعيد المعارضة تجميع نفسها وتستعيد أجزاء من الذاكرة وتضمها معًا فى مجموعة كاملة، حتى فى ذلك الوقت وجدت المعارضة تحت الأرض بشكل كبير أو فى المنفى، كما هى حالة لومينوس كارامو- مبو- يا- إتويكا، ويونيتى إماكيوليت مغويز- بيلا- شاكا فى الأيام التى اعتادا أن يلهوا خلالها بالأفكار الثورية. فوق الأرض، أثبت الحاكم براعته فى خنق كل أشكال المعارضة الوليدة الأخرى بالعصا والجزرة. أعطى الجزرة إلى النخبة من مختلف الجماعات العرقية، والعصا لكل بوادر التحدى. لكن الحلاوة خصصت للقوات المسلحة، التى لم تنس استقالته الدراماتيكية كضابط إعلام عسكرى من الجيش الذى خدموا تحت مظلته خلال حقبة الاستعمار. رجلنا فى القصر الرئاسى، سوف يدعوه بعض الجنرالات، ورد الحاكم الجميل بتكرار تذكير الأمة بأن الأصوات الوحيدة التى أحدثت تأثيرًا هى تلك التى أعطتها القوات المسلحة له.

ظل يحيره أى شخص لا يدفعه الجشع، لم يستطع أن يستوعب النوع الذى يتحدث عن الخلاص الجماعى بدلًا من النجاة الشخصية قطّ.. كيف يمكن للمرء أن يتعامل مع هؤلاء المتمردين؟ إن أى صياد يضع الدودة فى نهاية الخيط، لكن إذا تجاهلتها السمكة، كيف يمكن للصياد أن يصطاد السمكة؟

لذلك لم يستطع أن يفهم ما الذى قاد النساء لكى يفعلن ما فعلن، لو أنهن أتين إليه لأجل المال، لأسعده أن يمنحهن آلافًا من البوريات، لو أنهن أتين إليه لأجل قطعة من الأرض، لسمع توسلاتهن، لو أنهن أتين إليه للشكوى من أن أزواجهن ينفقون المال والوقت فى البارات، لمنحهن أذنًا متعاطفة وخاطب الأمة فى الأمر؛ لكنهن لم يطلبن أى خدمة، لم يحرمهن من أى شىء.. لماذا إذن حاجتهن لإخزاء الأمة؟

قبل الحدث، سيقسم الحاكم إنه يفهم النساء تمامًا عن ظهر قلب.. كم عدد الرجال، وبخاصة وزراؤه، الذين أذلهم وهو يأمرهم بأن يرسلوا زوجاتهم أو بناتهم أو صديقاتهم إليه؟ فى البداية افترض أن النساء سوف يبدين بعض المقاومة الرمزية لاندفاعاته، وفاجأته دائمًا سرعة استسلامهن لملامساته الغرامية بوصفها عملًا من أعمال الشرف والتقدير الشخصى! بعضهن سيبدونَّ ساخطات لاضطرارهن إلى ترتيب سرير الحاكم، لكن بمجرد أن يدير أزواجهن ظهورهم، سيصرن غنجات وراضيات حقًّا بأن يكنّ فى خدمة السلطة!

لماذا تصرفت هؤلاء النساء بشكل غير متوقع؟ كيف غفلن جدًا عن قوته؟ أليست راشيل مثالًا ساطعًا على ما يمكن أن يفعله بهن؟

لى النقمة، يقول الرب، أليس هو رب كل النساء الأبوريريات؟ ومع ذلك بغض النظر عن مدى جهده فى النظر فى الأمر، ظل غير واثق مما يجب فعله ولا أين ولا مع من ليبدأ انتقامًا مثل الذى جعل راشيل تراه، غير قادر على التصرف، عادت أفكاره المعذبة دائمًا إلى الدراما الغادرة فى إلدارِس التى ألحقت النساء فيها العار بالأمة أمام أعين كبار الشخصيات الأجنبية، بل والأسوأ، أمام مبعوثى البنك الدولى.

لأيام متتالية، بعد الدراما فى إلدارِس، انطوى الحاكم على نفسه، حبيسًا فى سرية، مرتعبًا مما قد يعنيه صمته بالنسبة إلى مستقبله، شغل كل وزير نفسه بوضع استراتيجيات للخلاص، حاول بعضهم الاتصال بالقصر الرئاسى بحجة أو بأخرى، لكن الحاكم رفض تلقى اتصالاتهم، كان سيكيوكو وماتشوكالى أكثر المتضررين، وانعكست روحاهما المضطربتان فى أذنى سيكيوكو المتدليتين وعينى ماتشوكالى الخاليتين من الحياة.

تفاقمت مصائب ماتشوكالى عندما أعلنت بعثة البنك الدولى فى أحد الأيام عن أنهم سيعودون إلى نيويورك، مدركًا أن سمعته قد تضررت بشدة كنتيجة للدراما الأخيرة فى إلدارِس، وأن أمله فى الخلاص يكمن فى حضورهم المستمر، توسل ماتشوكالى إلى البعثة ألا تذهب حتى يأخذوا الإجازة الرسمية من الحاكم، وافقوا على تأجيل مغادرتهم لعدة أيام، لكن ماتشوكالى ما زال غير قادر على ترتيب لقاء فى القصر الرئاسى وأحرج للغاية من مطالبتهم بتأجيل آخر. 

ألقى باللوم على توعك صحة الحاكم بشكل عام فى كونه غير متاح. فهموا مأزق الوزير، ولكى يريحوا باله، قالوا إنه لا ينبغى أن يقلق، وإنه لو حدث أن كان هو أو الحاكم فى نيويورك فإنهما موضع ترحيب كبير للتوجه إلى البنك لأجل المزيد من المحادثات. بقدر ما تصوروا أنفسهم سياسيين، فقد فوجئوا عندما توسل ماتشوكالى إليهم أن يقدموا الدعوة مكتوبة، الأمر الذى فعلوه، وأكدوا أيضًا رحلتهم إلى نيويورك بعد عدة أيام.

تشبث ماتشوكالى بالخطاب كأنه تعويذة وتطلع إلى اليوم الذى سيقدمه فيه إلى الحاكم، بخلاف منافسه اللدود، فعلى الأقل لديه شىء ما فى يده، عزى نفسه.

لكنه أخطأ بشأن خصمه اللدود، على إثر تبادل معلومات كانيورو الجيدة، بدأ سيكيوكو يستشعر الثقة فى أنه استطاع الصمود أمام العاصفة. ربَّما ما زالت نياويرا طليقة، لكن سيكيوكو لم يعد فى عماء كامل تجاه حركة صوت الشعب.. ارتفعت معنوياته. ﭬـينجينيا هى زوجة تاجيريكا.. ونياويرا موظفة عند تاجيريكا.. وتاجيريكا حصل على منصب رئيس مسيرة النعيم من خلال ماتشوكالى.. من شأن ذنب ﭬـينجينيا أن يربط بين ماتشوكالى وحركة صوت الشعب وربما النساء اللائى جلبن العار للأمة.

عملت قلة كلام الحاكم المستمرة لصالح سيكيوكو، لأنها منحته وقتًا للتدرب على حركته القادمة فى اللعبة التى يلعبها هو وماتشوكالى لرؤية من الأقوى، أذنى الدولة أم عينيها.

قيل إن الحاكم ظل منعزلًا فى القصر الرئاسى لسبعة أيام، وسبع ساعات، وسبع دقائق، وسبع ثوان قبل أن يدعو إلى جلسة عاجلة لمجلس الوزراء. ما زال ينبغى له أن يتوصل إلى مسار عمل مرضٍ للتعامل مع النسوة، أيًا كن؛ وفى الوقت نفسه، أراد مجرد فرصة للتنفيس عن غضبه فى هدف أقل مراوغة: وزرائه.

من رواية «ساحر الغراب» 

تاريخ الخبر: 2022-07-30 21:21:38
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 52%
الأهمية: 60%

آخر الأخبار حول العالم

الركراكي يحظى باستقبال خاص في مقر نادي إشبيلية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-07 15:25:43
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 54%

الركراكي يحظى باستقبال خاص في مقر نادي إشبيلية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-07 15:25:52
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 50%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية