ونتيجة للجهود الحثيثة التي بذلها الاتحاد الأوروبي، بدأ البلدان محادثات رفيعة المستوى في عام 2011، وتم التوقيع على اتفاقيات لحل بعض الخلافات، خصوصاً في ما يتعلق بالقضايا التقنية. وحسب الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين الطرفين تحت اسم "التنقل الحر" عام 2011، حيث لم يتم تنفيذه بالكامل، وبمقتضاه يمكن للصرب الذين يعيشون في شمال كوسوفو التنقل داخل كوسوفو بسيارات تحمل لوحات ترخيص صادرة عن دولة صربيا ومع لوحات ترخيص مكتوبة "KS أو RKS" (جمهورية كوسوفو) صادرة عن دولة كوسوفو.

ويرجع التوتر المشهود على الحدود الكوسوفية-الصربية يوم الأحد 31 يوليو/تموز الماضي، إلى هذا القرار الصادر في 2011.

من جانبها، أعلنت حكومة كوسوفو أن مدة سريان الاتفاقية الموقعة في عام 2011 قد انتهت، وأنه سيتم تطبيق نظام "اللوحة الواحدة" من الآن فصاعداً داخل البلاد. وبعبارة أخرى، فإن صرب كوسوفو سيتعيَّن عليهم من الآن فصاعداً استخدام لوحات ترخيص صادرة عن دولة كوسوفو فقط.

ووفقاً للقرار الخاص بلوحات ترخيص المركبات الذي تم اتخاذه مؤخراً، سيتعيّن على صرب كوسوفو استخدام بطاقات إثبات هوية ولوحات ترخيص صادرة عن حكومة كوسوفو، بدلاً من بطاقات إثبات الهوية ولوحات الترخيص الصادرة عن السلطات الصربية.

كما أعلنت حكومة كوسوفو أن الصرب في بلادها سيُمنَحون 60 يوماً (شهرين) لتجديد لوحات الترخيص الصادرة عن صربيا بأخرى صادرة عن كوسوفو.

وعلاوة على ذلك، شددت حكومة كوسوفو على أن بلادها دولة مساوية تماماً لدولة صربيا، وبناءً عليه، فإنهم سيطبّقون على صربيا كل قرار تطبقه على كوسوفو، انطلاقاً من مبدأ المعاملة بالمثل.

وعليه، سيتم تغيير كل من وثائق الخروج والدخول (للبلاد) عند المعابر الحدودية مع صربيا ولوحات ترخيص سيارات الصرب الذين يعيشون في شمال كوسوفو، وفقاً لقوانين دولة كوسوفو، وكان من المتوقع أن يبدأ تنفيذ هذه القرار اعتباراً من 1 أغسطس/آب.

وتتطابق هذه السياسة مع سياسة طويلة الأمد تفرضها بلغراد على مواطني كوسوفو الذين يزورون صربيا.

وقُبَيل تنفيذ القرار، الذي قيل إنه سيدخل حيز التنفيذ في 1 أغسطس/آب، أقام الصرب حواجز باستخدام معدات البناء الثقيلة والشاحنات على الطرق المؤدية إلى معبرَي جارينجي وبرينجاك الحدوديين، محتجين على القرار. وتسبب هذا التوتر في تأجيل تطبيق القرار لمدة شهر آخر. لكن التوترات المشهودة أثارت التساؤل حول هل ستندلع الحرب مجدداً في منطقة البلقان.

موقف الدول الفاعلة والغرض منه

على الرغم من أن تصريحات زعماء صربيا وكوسوفو تسببت في تصعيد الأزمة، فإن التصريحات الصادرة عن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية وتركيا قد ساعدت على تهدئتها وخفض حدة التوتر.

فقد وصفت رئيسة كوسوفو فيوسا عثماني، الأحداث بأنها نتيجة لـ"جهود الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش لزعزعة استقرار كوسوفو"، فيما حمَّل رئيس وزراء البلاد ألبين كورتي، الشخص نفسه مسؤولية الأزمة القائمة بين البلدين.

وتؤكّد الحكومة الجديدة في كوسوفو أن بلادها دولة مساوية تماماً لصربيا، وأنه يتعيَّن على صربيا أن تعترف بدولة كوسوفو. ومن هذا المنطلق، فإنها ستنفذ أي قرار تطبقه صربيا على بلادها، وفقاً لمبدأ المعاملة بالمثل.

وتبذل حكومة كوسوفو جهوداً ملحوظة لإدماج الصرب، الذين يعيشون في شمال كوسوفو، بشكل كامل مع دولة كوسوفو، بما في ذلك لوحات ترخيص سياراتهم. والهدف الحقيقي من القرارات المتخَذة هو توفير الظروف اللازمة التي من شأنها أن تجعل صربيا تعترف بكوسوفو.

من جانبها أوضحت صربيا أن الموقف الحازم الذي تتخذه كوسوفو، هو السبب وراء رد فعل صربيا القاسي على قرارات كوسوفو وممارساتها التقنية، بل وتصعيدها الأزمة من خلال تصريحاتها. وقد أدلى الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش، بتصريحات من قبيل "لن نتنازل عن كوسوفو"، الأمر الذي أدَّى إلى تصعيد التوتر بين البلدين خصوصاً بعد قرار استبدال لوحات ترخيص المركبات الذي اتخذته حكومة كوسوفو. وبعد هذا التصريح، بدأ الصرب إقامة حواجز على الحدود بين البلدين.

وبعد أن أجلت حكومة كوسوفو قرارها لمدة شهر بسبب التوترات الحدودية، تصرفت الإدارة الصربية بمزيد من ضبط النفس، وقالت إن الفائز سيكون صربيا، كما أعربت عن شكرها للصرب الذين منعوا تصاعد الأزمة وتَحلَّوا بالصبر وضبط النفس.

تدرك صربيا جيداً أن كل تطبيق تقنيّ يتم سَنُّه من قبل كوسوفو قد يؤدي إلى فقدانها لنفوذها على الصرب الذين يعيشون في كوسوفو، ويقرّبها أكثر من الاعتراف بكوسوفو، وسيزيد الضغط الدولي عليها من أجل الاعتراف بها.

أما الاتحاد الأوروبي فقد سعى منذ عام 2011 لإدماج الصرب في كوسوفو في آليات الدولة في إطار "عملية الحوار بين كوسوفو وصربيا". ومع الأسف، لا يبدو أن الصرب الذين يعيشون في شمال كوسوفو حريصون على هذا الاندماج.

ولهذا السبب رحب قادة الاتحاد الأوروبي، بقرار التأجيل الذي اتخذته حكومة كوسوفو، وأشاروا إلى أنه يمكن حلّ المشكلات القائمة عن طريق الحوار. ويريد الاتحاد الأوروبي استئناف عملية الحوار التي تمت تحت قيادته في عام 2011 لكنها توقفت منذ عام 2018.

في سياق متصل رحبت الولايات المتحدة الأمريكية وفقاً لتقارير وسائل الإعلام المحلية، بتأجيل القرار تماشياً مع الاتحاد الأوروبي، وأيدت حل المشكلات عن طريق الحوار. وتتابع الولايات المتحدة الأمريكية القضايا في البلقان من كثب من خلال إدارة بايدن، وتتعامل مع القضايا الإقليمية بالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي.

من ناحية أخرى، أعلنت تركيا من خلال البيان الذي أدلى به وزير خارجيتها مولود جاوش أوغلو، أنها تتابع من كثبٍ الأحداثَ، وأعربت عن استعدادها لتحمُّل ما يقع على عاتقها من واجبات ومسؤوليات من أجل خفض التوتر، كما هو الحال في كل أزمة تمرّ بها دول البلقان، التي تهتمّ بها بشدة لاعتبارات جيوستراتيجية واقتصادية واجتماعية وثقافية، مؤكّدة ضرورة تخفيف حدة التوتر بين البلدين.

هل سيؤدي هذا التوتر إلى نشوب حرب؟

خلق هذا التوتر الحدودي تصوُّراً لدى الجمهور بأن احتمالية نشوب الحرب كبيرة، وتَسبَّب في حالة من القلق. مع ذلك يمكن القول إن احتمالية اندلاع أي حرب في المنطقة ضئيلة.

وجدير بالذكر أن الخسائر السكانية في المنطقة، ونقص التجهيزات اللازمة لتحمل تبعات الحرب، والمشكلات الاقتصادية، والظروف الدولية، لا توفّر بيئة مواتية لنشوب حرب في وسط أوروبا.

وبالإضافة إلى ذلك فإن قوات حفظ السلام الدولية التابعة لحلف شمال الأطلسي (ناتو) والمعروفة باسم "كفور" موجودة في كوسوفو ويبلغ قوامها 3775 جندياً من 28 دولة.

وجاء في البيان الذي أدلى به الناتو بعد التوتر الحدودي، أن القوة الأمنية الدولية لحفظ السلام في كوسوفو مستعدة للتدخل في حالة تَعرَّض الاستقرار في كوسوفو للخطر.

وتجدر الإشارة إلى أن نفوذ روسيا في البلقان محدود. وعلاوة على ذلك فإن وجود روسيا في حالة حرب مع أوكرانيا، ووقوعها على مسافة بعيدة تقدر بآلاف الكيلومترات من المنطقة سيمنعها من دعم صربيا استراتيجياً في أي حرب.

وجدير بالذكر أن هذا التوتر يضر بثقة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في صربيا أكثر من الحرب. وتشهد صربيا تراجعاً في تقارير التقدم الصادرة عن الاتحاد الأوروبي في السنوات الأخيرة. وهناك انتقادات بأن الرئيس الصربي فوتشيتش أصبح استبدادياً في العديد من القضايا القائمة على الحرية.

وعلى الرغم من كل هذا فإن فوتشيتش من القادة الذين يوليهم الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية أهمية قصوى في المنطقة، والسبب في ذلك فكرة أن السياسة القومية المتطرفة في صربيا يمكن أن يسيطر عليها فوتشيتش، وبالتالي يتحقّق السلام والاستقرار في المنطقة.

ومع ذلك، مع تَغيُّر السلطة في كوسوفو، يُلاحَظ أن خطابات فوتشيتش على مدى العامين الماضيين كانت قاسية وباعثة على الاستفزاز. وقد يتسبب هذا في تغيير الاتحاد الأوروبي لوجهة نظره تجاه فوتشيتش في المستقبل.

وبالإضافة إلى ذلك، لم يكن الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى إنتاج سياسة بديلة في صربيا لسنوات. وقد تؤدي هذه التطورات الأخيرة والانطباع بأن صربيا تتقرب من روسيا والصين، إلى تقليل الثقة بفوتشيتش، وبالتالي يمكن أن تفيد هذه التطورات في دعم الاتحاد الأوروبي لسياسات بديلة وسياسيين مختلفين في صربيا.



TRT عربي