خمسون عاماً على أنتقال أسقف شجاع ملتحف بالبساطة


فى 4 أغسطس 2022 تحل ذكرى مرور خمسون عاماً على انتقال الأسقف الرائع الأنبا أندراوس، أسقف دمياط، الذى رحل عن عالمنا فى عام 1972، والذي كان رائعاً عندما كان طالباً بهندسة الإسكندرية، رائعاً عندما كان مهندساً ببلدية الإسكندرية (محافظة الإسكندرية)، رائعاً عندما كان راهباً بالبرية المصرية، ورائعاً عندما كان أسقفاً بدمياط. هذا الأسقف الرائع حفر اسمه على صخر بينما آخرون نقشوا اسمائهم الوهمية على سطح الماء!! واتصافه بالشجاعة والبساطة يعودان إلى نقاوة قلبه، فنقى القلب يسلك ببساطة ولا يخشى كلمة الحق بمجاهرة.

وُلد الطفل نبيه لطفى عزيزموسى فى 10 أبريل 1930 بحى جزيرة بدران بمنطقة شبرا بالقاهرة. وكان والده عزيز موسى يعمل بتفتيش المساحة بالقاهرة. فى عام 1946 حصل الشاب نبيه لطفى على شهادة إتمام الدراسة الثانوية، حيث التحق بكلية الهندسة جامعة فاروق الأول (الإسكندرية حالياً)، وفى يونيو 1952 حصل على بكالوريوس الهندسة المدنية. فور تخرجه عمل مهندساً ببلدية الإسكندرية (حالياً محافظة الإسكندرية).

فى تلك الأثناء طلب منه رؤسائه تصميم نافورة مياه لتجميل ميدان حى باب شرقى بالإسكندرية، وكان يستلزم أخذ موافقة الجهات الأثرية المسئولة بالإسكندرية، وهنا تعرف على والدى طيب الذكر الأستاذ بديع عبدالملك (1908 – 1979) – خبير رسم الآثار المصرية بالمتحف اليونانى الرومانى بالإسكندرية – والذى ساعده فى الحصول على التصاريح المناسبة. وفى زمن قياسى أمكنه تصميم النافورة وحصل على مكافأة خاصة مقدارها 300 جنيه، ووفاءً منه ظل يتذكر صداقته مع والدى، ولو أن الوفاء فى أيامنا هذه أصبح عملة نادرة ولا يوجد أحد يتذكر من وقفوا بجانبه فى أيام الشدة!! حدث بعد ذلك – فى فترة التسعينيات – تم نقل النافورة إلى ميدان “وابور المياه” بسبب إقامة نفق بمنطقة باب شرقى فى فترة تولى السيد المستشار إسماعيل الجوسقي منصب محافظ الإسكندرية.

فى عام 1954 التحق المهندس نبيه لطفي بالكلية الإكليريكية بالإسكندرية التى افتتحها الأب متى المسكين – عندما كان وكيلاً لبطريركية الإسكندرية وكان نموذجاً رائعاً للراهب الملتزم فى إدارة شئون بطريركية الإسكندرية، وليس من السهل لأى أحد يدير شئون بطريركية الإسكندرية – ومن ثم توطدت العلاقة بين المهندس نبيه لطفى وبين الأب متى المسكين، كما توطدت الصداقة بينه وبين الأستاذ سامى كامل الذى سيم بعد ذلك كاهناً باسم القس بيشوى كامل فى 2 ديسمبر 1959 وكان أشهر كاهن فى الإسكندرية. وكان يقوم بالتدريس لهما بالكلية الأكليريكية د. منير شكرى – الطبيب السكندرى وأحد مؤسسي جمعية مارمينا للدراسات القبطية عام 1945 – وكان الأب متى المسكين طلب من د. منير شكرى أن يقوم بتدريس مادة “تاريخ الكنيسة” لطلاب الكلية الأكليريكية بالأسكندرية.

فى 10 مارس 1955 استقال من وظيفته وهو فى الخامسة والعشرين من عمره والتحق بدير السريان بوادى النطرون. وأمام إصراره على استكمال الطريق الرهباني رضخ والده لرغبة ابنه وسجل في سجل الزيارات بوادى النطرون الكلمات الآتية: (تعظم نفسى الرب وتبتهج روحى بالله مخلصى لأنه صنع بى عظائم .. سلمت ابنى المهندس نبيه لطفى إلى إدارة الدير لخدمة الرب وتكريس حياته، وأتمنى له حياة طاهرة نقية ونجاحاً عظيماً وتوفيقاً من الله ..). وترهبن فى نفس العام باسم الراهب “موسى السريانى” الذى اُطلق عليه اسم “موسى البسيط” لبساطته وتقواه الحقيقية. فى فترة رهبنته قام بتصميم استراحة جديدة بالدير تضم صالة كبيرة لخدمة زوار الدير كما أنشأ صهريجاً كبيراً لتخزين المياه.

فى عام 1960 عمل في سكرتارية البابا كيرلس السادس، فكان مثالاً طيباً للسكرتير الهادئ صاحب الفكر المستنير والمشورة الحسنة. أنتقل بعد ذلك مع مجموعة من الرهبان – بقيادة الأب متى المسكين – إلى مغاير وادى الريان وظلوا بها تسعة أعوام حتى 9 مايو 1969 عندما استدعاهم البطريرك الحكيم البابا كيرلس السادس (1959 – 1971) البطريرك 116 وأسند إليهم الإقامة بدير أنبا مقار بوادى النطرون لتعميره معمارياً وروحياً واستعادة مجده القديم. كان الأب موسى المقارى فى الدير شعلة من النشاط الرهباني والفكر الهندسى الأصيل والبساطة المتناهية والطاعة للجميع.

فى ديسمبر 1969 بعد أنتقال مطران الدقهلية ودمياط الأنبا تيموثاؤس فكّر البابا كيرلس السادس فى رسامة الراهب متياس السريانى على كرسى دمياط، ولكنه هرب من سكرتارية البابا وتوجه إلى دير السريان. ثم فكّر البابا كيرلس السادس فى رسامة الأب متى المسكين على دمياط – بعد تقسيم الايبارشية إلى إيبارشية دمياط و إيبارشية المنصورة – وتوسط الأب بولس بولس الكاهن النشط بإيبارشية البحيرة ووكيل المطرانية فى ذلك الوقت بسبب الصداقة القديمة له مع الأب متى المسكين، لكن الأب متى المسكين أعتذر عن الرسامة وأبلغ البابا كيرلس السادس أنه يمكنه رسامة أحد من تلاميذه الرهبان. فما كان من البابا كيرلس السادس إلا أن استدعى الأب موسى المقارى وأقامه أسقفاً على دمياط وتوابعها ودير القديسة دميانة بالبرارى باسم الأنبا أندراوس.

فى فترة أسقفيته زار جميع كنائس الإيبارشية (27 كنيسة فى ذلك الوقت) مرتين كل عام، وزار غالبية الأسر القبطية (حوالى 3000 أسرة فى ذلك الوقت) وأعاد بناء وترميم خمسة كنائس. كان فى كل مرة ينزل فيها مدينة الإسكندرية للصلاة بكنيسة السيدة العذراء بمحرم بك، يحرص فيها على مقابلة صديقه القديم الأستاذ بديع عبد الملك متذكراً الصداقة التى نشأت بينهما عندما بدأ يعمل فى تصميم نافورة مياه الإسكندرية.

فى الإنتخابات البطريركية عام 1971 كان هو الصوت الوحيد المجاهر بالحق فى ضرورة المحافظة على تقاليد الكنيسة وقوانينها، إذ أن قوانين الكنيسة تحتم على ضرورة إقامة أسقف الإسكندرية من بين الآباء الرهبان ومن ثم يأخذ لقب “بابا وبطريرك الإسكندرية” ولا يجوز إقامته من بين المطارنة أو الأساقفة، ولم يخش التيارات المقاومة وظل متمسكاً بأمانته الكنسية حتى النفس الأخير. وكان فى هذا الموقف الشجاع صديقه الأب بيشوى كامل بالإسكندرية الذى أصدر نبذة من 4 صفحات بعنوان “شعب الإسكندرية اليتيم” وكذلك مجلس ملى الإسكندرية الشجعان ومعهم د. منير شكرى الذى عقد الكثير من الندوات وأصدر العديد من النبذات فى هذا الأمر الكنسى الخطير.

وبعد 10 أشهر من الانتخابات البابوية أصيب بحمى شوكية انتقل بعدها من هذا العالم فى الساعة الثانية من بعد ظهر الجمعة 4 أغسطس 1972، وهو يبلغ من العمر 42 عاماً!!، حيث استراح من أتعابه، فكان أنتقاله سبباً لحزن عارفي فضله وأمانته الكنسية، ودُفن بدير القديسة دميانة بمنطقة البرارى. وكان من بين الذين حضروا الصلوات الجنائزية فى دير القديسة دميانة بمنطقة البرارى صديقه الحميم الأب بيشوى كامل والذى سجل فى نبذة عن القديسة دميانة قوله: (.. وبعد أن انتهينا من الصلاة ودعنا الأسقف العفيف الأنبا أندراوس). وفى نوفمبر 1981 حضر عندنا فى مدينة ديترويت بولاية ميتشجان الأمريكية – حيث كنت طالب دراسة لدرجة الدكتوراة فى الرياضيات – الأنبا غريغوريوس أسقف الدراسات القبطية والذى حدثنا كثيراً عن شجاعة الأنبا أندراوس. الشجعان لا يموتون، وستظل ذكراهم العطرة فى أفواه الأتقياء على مدى الدهور.

تاريخ الخبر: 2022-08-04 12:21:37
المصدر: وطنى - مصر
التصنيف: غير مصنف
مستوى الصحة: 60%
الأهمية: 53%

آخر الأخبار حول العالم

الجيش البولندي: أطلقنا طائراتنا بسبب "نشاط روسي"

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-08 09:07:14
مستوى الصحة: 75% الأهمية: 98%

مصر.. جمع 300 ألف توقيع لاسترداد حجر رشيد من بريطانيا

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-08 09:07:17
مستوى الصحة: 86% الأهمية: 91%

ملك تايلاند يهنئ بوتين بولايته الجديدة

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-08 09:07:15
مستوى الصحة: 95% الأهمية: 89%

تعرف على الفرق المتأهلة إلى دوري أبطال أوروبا 2024-2025

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-08 09:07:20
مستوى الصحة: 76% الأهمية: 85%

انخفاض أسعار النفط بعد بيانات مخزونات الخام الأمريكية

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-08 09:07:13
مستوى الصحة: 86% الأهمية: 95%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية