الحب لاتغمره الأنهار
الحب لاتغمره الأنهار
يصف سفر نشيد الأناشيد قوة الحب الحقيقي هكذا:اجعلني كخاتم علي قلبك, كخاتم علي ذراعك, فإن الحب قوي كالموت…المياه الغزيرة لا تستطيع أن تطفئ الحب والأنهار لاتغمره (8:6-7). يحكي عن جزيرة بعيدة تعيش عليها كل الصفات والمشاعر الإنسانية:(الحب, الغني, الفقر, السعادة, الحزن, المعرفة, الغرور, الزمن, التعاسة, الألم, البؤس, الرقة). وفي أحد الأيام تم تحذير تلك المشاعر بأن الجزيرة ستغرق, إذا مطلوب من الجميع أن يقوموا بتجهيز قواربهم للرحيل. فأراد الحب أن يتابر لآخر بينما كانت الجزيرة تغرق, إلا أنه سقط في المياه, فقرر أن يرحل هو أيضا, ولكن لم يكن لديه قارب, فبدأ في طلب مساعدة الآخرين له, وعندما كان الغني مارا بجانب الحب في قارب كبير,ناداه قائلا:أيها الغني, هل من الممكن أن تأخذني معك؟ أجاب الغني:لا, لن أستطيع, فهناك ذهب وفضة كثيرة معي في القارب, ولا يوجد مكان لك فقرر الحب أن يسأل الغرور الذي كان مارا بجانبه في مركب رائع, قائلا له:أيها الغرور أرجوك ساعدني.فأجابه:لا أستطيع مساعدتك يا صديقي, فأنت مبتل بالمياه, وقد تدمر قاربي. ثم مر الحزن بالقرب من الحب, فطلب منه أن يساعده قائلا:أيها الحزن, دعني أذهب معك فأجابه:آه يا عزيزي, أنني حزين جدا وأحتاج أن أكون بمفردي ثم مرت السعادة بجانب الحب, ولكنها لم تسمع نداء واستغاثة الحب نتيجة فرحتها وابتهاجها. وهكذا استمر الحب في طلب المساعدة من كل الذين مروا بجانبه دون جدوي, ولكن فجأة سمع الحب صوتا يقول له:تعال أيها الحب, سأخذك معي. لقد كان هذا الشخص كبيرا ومتقدما في السن, وفي هذه اللحظة شعر الحب بأنه مبارك وسعيد جدا , حتي لم يخطر بباله أن يسأله عن اسمه. وعندما وصلوا إلي أرض جافة, ذهب هذا الشخص في طريقه ومضي, وأدرك الحب أنه مدين له بالكثير, ثم نظر إلي المعرفة التي كانت تتحلي بالحكمة, وسألها قائلا:من هذا الذي قام بمساعدتي؟ فأجابت:إنه الزمن. ثم سأل الحب متعجبا:الزمن؟لكن لماذا قام بمساعدتي؟ ابتسمت المعرفة بحكمتها العميقة وأجابت:لأن الزمن هو الوحيد الذي يستطيع فهم مدي عظمة الحب. ما أجمل الحب الذي يدوم دائما أبدا, مهما كانت الظروف والعوامل الخارجية! والحب الحقيقي لايعرف حدودا, بل يفوق ويتخطي كل حد, والإنسان الذي يحب, لايشعر أبدا بثقل التضحية أو التعب أو فقدان أي شيء مما يملك, كما أنه مستعد في كل لحظة للتعاون مع الآخرين وخدمتهم والوقوف بجانبهم. وكما يعلمنا السيد المسيح قائلا:ليس لأحد حب أعظم من أن يبذل نفسه في سبيل أحبائه(يوحنا15:12-13) بينما الإنسان الذي لايحب, يصبح أنانيا ومغرورا, ويفعل مثل المشاعر التي لم تقف بجانب الحب, عندما كانت الجزيرة علي وشك الغرق لأن كل واحدة منها كانت تفكر في ذاتها فقط, ولم تعرف قيمة الحب الذي كان يضحي من أجل الجميع دون كلل أو ملل.فالسعادة الحقيقية التي لاتزل أبدا تنبع من العطاء والتضحية من أجل الغير لا بما نقتنيه, فالإنسان الذي يدرب نفسه علي هذه الروح في سبيل الآخرين, سيشعر بالسعادة والنعم والبركات التي تغمره مدي حياته علي هذه الأرض, فضلا عن الثواب الإلهي. مما لاشك فيه أننا بحاجة لبعضنا البعض مهما اختلفنا في الثقافة والدين واللون والجنس والوظيفة, لأننا نكمل بعضنا البعض كل حسب إمكانياته ومواهبه وموارده, فالحب هو نعمة إلهية سكبها الله في قلوبنا, لأنه بدون الحب يصبح كل شيء جافا وقاسيا, وعندما نقوم بأي عمل نشعر ونمل منه, حتي لو استغرق دقيقة واحدة, وبدون الحب يتحول الواجب الأسري أو الوظيفي إلي عبء شاق وفرض قاس حتي في الممارسات الدينية, ولكن بالحب يتبدل كل شيء إلي الأفضل وتمر ساعات العمل كأنها ثوان معدودة. من لا يحب, لا يفكر في غيره ولا يتعاون معه, حتي وإن كان قاربه كبيرا يسع الجميع. لذلك يجب أن نعلم جيدا بأن الشخص الذي يحذف كلمة الحب من قاموسه الشخصي الذي يحتوي علي كلمات لاحصر لها, فإنه يفقد كل المعاني الأخري لجميع الكلمات, حتي نصبح بلا قيمة, ويصير إنسانا عديم المشاعر والأحاسيس ونختم بالقول المأثور:قد يعطي الإنسان بدون محبة, ولكنه لايستطيع أن يحب بدون عطاء.