هي رواية تؤرخ للمجتمع أكثر مما تؤرخ للشخصية، رواية تسبق هموم المجتمع فيها هموم البطل، تقيم حياة موازية لأناس هم يعيشون حياة موازية وليست حياة طبيعية، أسر مفككة متباعدة، كل فرد فيها يعيش في واديه، "في المساء يجلس كل فرد في العائلة منشغلًا بهمه الشخصي".

 الأسرة هي مرآة المجتمع، انعكاسه، الأسرة هي مجتمع صغير، تعكس وضع مجتمع أكبر. المجتمع هو بطل الحكاية الكبيرة.

في روايته "أنثى موازية" الصادرة عن دار العين للنشر، للكاتب علي قطب، يتأمل الكاتب الواقع العربي ويسرد أهم الأحداث التي مرت به مازجًا بينها وبين قصة وحكاية بطلة الرواية عبير.

عبير المرتبكة "كوطنها كانت، في هذه اللحظات وصل تخبطها ذروته". التي ترفض القيم المقدسة في مجتمعها بصفتها أنثى أي مجرد بضاعة يتم عرضها لعريس "يعاينها وينظر لها على أنها بضاعة معروضة يختارها إذا شاء"، عبير التي تحاول رفض ذلك فتغرق في دوائر اليأس.

عبير من داخلها ترفض الواقع، لا تريد أن تصبح كما يريدونها أن تكون، تريد الحرية والاستقلال، فنغوص معها في رحلة، هي رحلة البحث عن الذات، البحث عن ملجأ آمن وسط هذا العالم الذي يموج بصراعات وأحداث عجيبة، ولكن هل هذه المشاعر تنتقل للخارج؟
بكل تأكيد لا لأن الجمود مطبق ومسيطر، حتى عبير نفسها نراها في مشاهد تقف أمام جسدها وتتأمله كأنها حبيسة هذا الجسد، أي أنها محاصرة ليس فقط بالعادات والتقاليد التي ستفشل في التمرد عليها، بل هي محاصرة بجسدها نفسه.

قصة عبير باختصار، هي قصة بطل فشل في التغيير فتقبل التأقلم، هذه ربما أزمتنا الحقيقية، إننا نخشى التغيير.

فنرى عبير داخل الرواية حين تقرأ وتشعر بأنها بدأت تتغير تلقي بالكتاب بعيدًا عنها حين "شعرت أنها تتغير ألقت بالكتاب بعيدًا"، فما فائدة تغيير فردي في واقع القاعدة فيه الجمود وليس الحركة؟

لغة علي قطب داخل الرواية سريعة متدفقة للغاية، لغة ثورية، تعبر عن هذا النهم المتسارع المناقض للجمود، كأن الثورة على الجمود داخل الرواية هي ثورة عن طريق اللغة، اللغة متحركة بينما كل أشخاص الرواية ومجتمع الرواية غارقون في التجمد.

ليخلق قطب عالمين متوازيين، الأول هو عالم الأنثى عبير، والثاني هو العالم العربي وكل ما يحدث في واقعه، العالم الثاني يعكس الأول والعكس صحيح.

في المجمل هذه رواية لطيفة استطاع كاتبها، وبأقل عدد من الكلمات والصفحات التعبير عن حياة مجتمع يعيش حيوات متوازية، يعبر عن مأساة أنثى وجيل وأفراد هائمين مشتتين لا يعلمون أي حياة هي الحقيقية وأي حياة يجب أن تكون الحياة الموازية.