بينما تعتبر الولايات المتحدة حزب PKK تنظيماً إرهابياً، فإن القيادة المركزية الوسطى (Centcom) وهي الجناح العسكري المسؤول عن إدارة العمليات الأمريكية في الشرق الأوسط، قد شقت طريقاً لها مغايراً عندما تعلق الأمر بالتعامل مع حزب PKK الإرهابي، على الرغم من أن ذلك يعني مخالفة سياسة واشنطن الرسمية تجاه التنظيم الإرهابي.

في الأسبوع الماضي عبّرَت القيادة المركزية الأمريكية عن تعازيها لمقتل عدد من أعضاء تنظيم PYD الإرهابي، الجناح السوري لحزب PKK الإرهابي، الذي تعتبره واشنطن حليفاً لها في حربها ضد تنظيم داعش الإرهابي. وتزعم الولايات المتحدة أن PYD وPKK كيانان منفصلان، على الرغم من وجود أدلّة قوية تثبت أنهما يخضعان لنفس القيادة.

وعلى عكس تعهدات واشنطن العالمية باستئصال الإرهاب، فإن نهج القيادة المركزية الأمريكية الوسطى في عدم المواجهة مع PKK الإرهابي يتجاوز مجرد تعاملها مع مليشيا PYD، التي ظهرت إلى الوجود في عام 2011 مع بداية الحرب الأهلية في سوريا. ففي أثناء الاحتلال الأمريكي للعراق، لم تنظر القيادة المركزية الأمريكية الوسطى إلى PKK الإرهابي على أنه تهديد، بل قاومت عدة مرات قرارات صادرة من البيت الأبيض "للقضاء" على التنظيم، وفقاً لماثيو بريزا، المسؤول السابق في إدارة بوش.

يقول بريزا: "في حين أنه من الشائع أن يكون للدبلوماسيين الأمريكيين والقيادة المركزية خلافات في وجهات النظر حول قضايا معينة من وقت إلى آخر، فإن سياسة القيادة المركزية مع PKK الإرهابي في أثناء غزو واشنطن للعراق كانت أكثر من مجرد خلاف داخلي".

خلال حرب العراق، كان بريزا هو الشخص الرئيسي في طاقم مجلس الأمن القومي تحت إدارة بوش، وكانت علاقته متوترة مع القيادة المركزية الوسطى بشأن وجود PKK الإرهابي في شمال العراق. وفي تصريحه لموقع TRT World قال بريزا: "المشكلة الكبيرة كانت رفض القيادة المركزية القاطع لتنفيذ قرار الرئيس بوش بأن PKK تنظيم إرهابي، وعدوّ للولايات المتحدة، وأنه كان ينبغي القضاء على ملاذاتها الآمنة في منطقة شمال العراق التي كانت آنذاك تحت السيطرة الأمريكية".

وقد اتخذ تنظيم PKK الإرهابي، الذي أدّت عملياته إلى مقتل عشرات الآلاف في جميع أنحاء تركيا خلال حملته الإرهابية التي استمرّت عقوداً، من جبال قنديل في شمال العراق مقرّاً له منذ أواخر التسعينيات. ويمتلك التنظيم الإرهابي أيضاً مخابئ ومعسكرات عسكرية أخرى شمالي العراق قرب الحدود مع تركيا.

ضد عقيدة بوش

ووفقاً لبريزا، فإن رفض القيادة المركزية الوسطى قرار البيت الأبيض في ما يتعلق بتنظيم PKK الإرهابي يتعارض مع عقيدة بوش، التي خرجت للعلن بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول وتدعو إلى اعتبار أي شخص أو منظمة توفّر ملاذاً آمناً للإرهابيين متهَماً أيضاً بارتكاب أعمال إرهابية.

يقول بريزا: "بمجرد أن سيطرت الولايات المتحدة على شمال العراق، حيث مقر PKK الرئيسي ومنطقة عملياته، كانت الولايات المتحدة في انتهاك لعقيدة الرئيس بوش إذ لم تتخذ إجراءات للقضاء على التهديد الإرهابي لتنظيم PKK ضدّ تركيا. لقد كان جزءاً من عملي تنفيذ قرار الرئيس بوش كاملاً من خلال القيادة المركزية الوسطى".

غير أن القيادة المركزية الوسطى "قاومت واختلقت الأعذار تجاه عدم التحرك ضد PKK في شمال العراق"، الأمر الذي أغضب الدبلوماسي الأمريكي السابق.

يضيف بريزا: "وفي الوقت الذي كانت فيه القيادة المركزية الوسطى تدّعي أنها لم تكن تملك من القوات ما يكفي لقتال جيش صدام حسين ومقاتلي تنظيم PKK الإرهابي في شمال العراق في نفس الوقت، كان وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد يخبر الأمريكيين بشيء مختلف، هو أن الولايات المتحدة تمتلك كثيراً من القوات ولا حاجة إلى مزيد منها لتنفيذ مهامّها العسكرية".

ويلاحظ الدبلوماسي الأمريكي المتمرس أن "هذين الأمرين لا يمكن أن يكونا صحيحين في ذات الوقت"، ويضيف أنه حتى "بعد غزو الولايات المتحدة للعراق بالكامل وهزيمة جيش صدام حسين، لم يحدث أي تقدُّم على الإطلاق ضد تنظيم PKK، إذ اختلقت القيادة المركزية الوسطى أسباباً مختلفة من قبيل أنها بحاجة إلى التركيز على الانتفاضة السُّنِّيَّة المناهضة للولايات المتحدة في جميع مناطق غرب العراق، فضلاً عن زعمها أن المواجهة مع PKK قد تتسبب في حدوث عدم استقرار شماليّ العراق".

من جانبه، يعتقد محمد أمين كوتش، وهو ضابط القوات الخاصة التركية السابق الذي شارك في عمليات تركيا عبر الحدود في شمال العراق في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أن "القيادة المركزية الوسطى للولايات المتحدة عارضت عمليات أنقرة عبر الحدود ضد PKK في شمال العراق، مدعية أنها ستزعزع استقرار المنطقة". ويعتقد كوتش أنه في أثناء الغزو الأمريكي للعراق، "سمحت القيادة الأمريكية الوسطى لتنظيم PKK الإرهابي باتخاذ منطقة شمال العراق ملاذاً آمناً". وأضاف في حديثه مع TRT World: "بينما شن PKK الإرهابي جميع أنواع الأعمال الإرهابية على طول الحدود التركية-العراقية وحتى داخل الأراضي التركية، فقد أوجدوا (أي القيادة المركزية) مكاناً آمناً لتنظيم PKK في المناطق الجبلية في شمال العراق".

المعارضة التركية للغزو الأمريكي

يعتقد بريزا، الذي أُسندَت إليه مهمَّة تطوير علاقات إيجابية مع تركيا وبعض الدول الأخرى خلال الغزو الأمريكي للعراق، أن "سياسة القيادة المركزية الوسطى تجاه PKK استندت جزئيّاً أيضاً إلى أسباب تعلقت برفض أنقرة الحاسم للسماح للقوات الأمريكية بغزو العراق عبر أراضيها".

يشير بريزا إلى الرفض التركي لاستخدام الولايات المتحدة أراضيه لغزو العراق بأنه "أثار غضب كثيرين في القيادة المركزية الوسطى بشأن تركيا، ولم يعودوا ينظرون إلى تركيا كشريك يديرون الحرب معه، بل كعقبة ومشكلة يجب إدارتها". ويضيف: "بعد ذلك لم ترغب القيادة المركزية الوسطى في أي فعل من شأنه أن يُسعِد تركيا".

يعتقد عديد من المسؤولين والخبراء الأمريكيين بقوةٍ أن احتلال العراق عام 2003 كان خطأً فادحاً، هذا فيما لا تزال القيادة المركزية الوسطى ربما غاضبة من رفض أنقرة السماح للقوات الأمريكية باستخدام أراضيها. عديد من المحللين الأتراك يرى أن أنقرة لم تندم بخصوص عدم مشاركة تركيا في الحرب الأمريكية سيئة الذكر التي لم تتعافَ الولايات المتحدة من تداعياتها بعد حتى الآن.

يقول كوتش إن "لدى تركيا فهماً سياسياً عميقاً لدرجة أن أي تدهور في حالة الاستقرار والسلام في جارتها العراق قد يؤثّر على المدى الطويل. لهذا تبنّت تركيا موقفاً ضدّ حرب العراق، واعتبرت أن البقاء بعيداً عن الحرب سيكون مناسباً في نطاق مصالحها القومية".

من جانبه يعتدّ بريزا بأن "معارضة تركيا للغزو الأمريكي للعراق ما زالت تُلقي بظلالها على العلاقات ما أنقرة وواشنطن".

في ذات السياق يرى إدوارد إريكسون، وهو ضابط سابق بالجيش الأمريكي وخبير بارز في التاريخ العسكري شارك في حرب العراق وعمل في وقت سابق تحت مظلة القيادة المركزية الوسطى في منطقة الحكم الذاتي التي يسيطر عليها الأكراد في شمال العراق، أن تعامل واشنطن مع تنظيم PKK "كان إشكاليّاً في أثناء غزو العراق". ويضيف: "يظهر تساؤل وجيه: لماذا لم تلاحق الولايات المتحدة تنظيماً مدرجاً على قوائم الإرهاب في الوقت الذي كان فيه في متناول يدها؟".

وأضاف إريكسون: "لم ننشر قوات أمريكية قط شمال الموصل، ولم ننشر مطلقاً القوات الأمريكية داخل حكومة إقليم كردستان العراق نفسها. أعتقد أن سبب اختيارنا عدم ملاحقة تنظيم PKK أنه يؤدّي إلى مواجهة مع قوات البيشمركة الكردية الحليفة للولايات المتحدة. لم يكُن تنظيم PKK يشكّل تهديداً للقوات الأمريكية أو مهمة الولايات المتحدة في العراق".

معادلة شمال العراق

ما يحاول إريكسون قوله هو أن الولايات المتحدة لم تعتبر PKK الإرهابي عقبة أمام احتلالها العسكري للعراق، فهي دائماً ما أخذت في الحسبان التعقيدات الإقليمية مثل وجود قوات البيشمركة، الحليف الرئيسي لواشنطن. لم تكن القيادة المركزية الأمريكية الوسطى، وفقاً لإريكسون، متأكدة من رد فعل البيشمركة على أي عمل عسكري محتمل ضد PKK، على الرغم من أن الجانبين كانا عدوّين لعقود.

يضيف المحلل العسكري: "نعم، البيشمركة وPKK متنافسان إلى حد ما. لا أعرف حقّاً ما تعرفه الولايات المتحدة عن العلاقة بينهما، لكن من السهل ارتكاب أخطاء في القتال"، ويعتقد أن "المواجهة مع الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني أو حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الراحل جلال طالباني سيكون مزعزعاً لاستقرار حكومة بغداد الهشة في المرحلة الأولى من الغزو الأمريكي".

وفي حديثه مع TRT World يعتقد محمد بولوفالي، المحلل السياسي الكردي العراقي والمستشار السابق للرئاسة العراقية، على غرار إريكسون أن "الولايات المتحدة على الرغم من تحالفها مع PYD في سوريا، لا تملك تفاهماً حقيقيّاً مع قيادة PKK في العراق".

ويضيف بولوفالي أنه "بينما تَمكَّن PKK من الإفلات من ملاحقة الولايات المتحدة الخاصة بمكافحة الإرهاب فإن التنظيم الإرهابي يدين بوجوده في شمال العراق للدعم الإيراني أكثر من الأمريكي. فقد نسقت واشنطن مع طهران خلال غزو العراق، ولا تزال القوتان تحافظان على علاقة تعاون عندما يتعلق الأمر بالسياسة العراقية المضطربة. أعتقد أن PKK ينشط في شمال العراق، ليس بسبب الدعم الأمريكي ولكن بسبب الدعم الإيراني".

وحسب بريزا فإنه على الرغم من تمنُّع القيادة المركزية الوسطى في القضاء على تنظيم PKK شمال العراق، فإن الولايات المتحدة أبدت تفهماً لعمليات تركيا عبر الحدود، على أثر اللقاء الذي جمع الرئيس رجب طيب أردوغان (الذي كان رئيساً للوزراء حينها) مع الرئيس بوش في واشنطن عام 2007.

في ذلك الاجتماع الهامّ حصل بريزا أخيراً على فرصته للتغلب على ممانعة القيادة المركزية الوسطى في ما يتعلق بتنظيم PKK. وأوضح للقيادة الأمريكية أن تركيا لديها مطالب "معقولة"، مثل تبادل المعلومات الاستخباراتية من حليفها في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، ولم تطلب عملية كبيرة من الولايات المتحدة ضد PKK في شمال العراق.

يضيف المسؤول الأمريكي السابق: "لقد أصبح ذلك اختراقاً حقيقيّاً وبدأت العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا في ما يتعلق بتنظيم PKK تتضافر بعد ذلك".

على الرغم من هذا "الاختراق"، يعتقد عديد من المحللين الأتراك أن عدم رغبة القيادة المركزية في القضاء على قيادة PKK في شمال العراق مهّدَت الطريق لفصل واشنطن التالي من العلاقة مع PYD في شمال سوريا. تسمح الولايات المتحدة الآن للفرع السوري لتنظيم PKK باستخدام شمال سوريا ملاذاً آمناً، مثلما فعلت مع قيادة PKK في شمال العراق في أثناء غزو العراق.

يختم بريزا بالقول: "بالطبع لن تلاحق القيادة المركزية الوسطى تنظيم PKK الآن في شمال العراق؛ ليس لديها القدرة على ذلك، حتى في عامَي 2003 و2007، لم تكن القيادة راغبة في ملاحقة PKK".

ولم تقدّم القيادة المركزية الأمريكية الوسطى أي ردود على أسئلة TRT World لهذا التقرير.

هذا المقال مترجم عن موقع TRTWorld.

TRT عربي