تتويجاً للجهود القصوى التي بذلَتها تركيا لإبعاد شبح المجاعة عن كثير من بلدان العالم بسبب أزمة الحبوب التي تزامنت مع استمرار الحرب الروسية-الأوكرانية المندلعة منذ 24 فبراير/شباط الماضي، جرت في إسطنبول يوم 22 يوليو/تموز 2022 مراسم توقيع "وثيقة مبادرة الشحن الآمن للحبوب والمواد الغذائية من المواني الأوكرانية"، برعاية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

وبينما تُعتبر أوكرانيا وروسيا من أكبر منتجي القمح والحبوب على مستوى العالم، وغالباً ما يشار إليهما باسم "سلة الخبز" في العالم، أدّى احتدام الصراع المسلح بينهما لأشهر وما رافقه من حظر فرضته موسكو على صادرات الحبوب من المواني الأوكرانية إلى زيادة حادة في أسعار الغذاء العالمية.

وفي كلمة له خلال حفل التوقيع، قال أردوغان إن خطة نقل الحبوب ذات أهمية كبيرة وسينفّذها ويراقبها مركز تنسيق مشترك مُزمَع إنشاؤه في إسطنبول. وتابع: "مع بدء حركة السفن الأيام المقبلة نكون فتحنا أنبوب تنفُّس من البحر الأسود إلى عديد من دول العالم".

تركيا تنقذ العالم

منذ أن بدأت أزمة الحبوب تُلقِي بظلالها على العالم مهدّدةً بمجاعة عالمية، بذلت تركيا أقصى جهودها لإيجاد الحلول العملية والخروج بنتائج إيجابية بخصوص ممر الحبوب المخطَّط إنشاؤه لنقل ملايين أطنان الحبوب من المواني الأوكرانية عبر البحر الأسود.

وفي إطار الاتفاق الذي رعته تركيا ويهدف إلى فك الحصار عن صادرات الحبوب الأوكرانية، أعلنت وزارة الدفاع التركية الجمعة عن مغادرة ثلاث سفن محمَّلة بما يصل مجموعه إلى نحو 58 ألف طن ذرة، ميناءَي تشورنومورسك وأوديسا المطلَّين على البحر الأسود، متجهةً إلى تركيا وأيرلندا وبريطانيا.

والخميس اجتازت السفينة "رازوني" المحمَّلة بأول شحنة حبوب (26 ألف طن من الذرة) مضيق جناق قلعة التركي، لتواصل طريقها إلى ميناء طرابلس اللبناني، بعد مغادرتها ميناءَي أوكرانيا الاثنين، وتوقفها للفحص والتفتيش في إسطنبول.

مركز التنسيق المشترك

مركز التنسيق المشترك (JCC) الذي افتُتح حديثاً في إسطنبول، والذي أنشأته مبادرة حبوب البحر الأسود ويضمّ مسؤولين روساً وأوكرانيين وأتراكاً وأمميين، يراقب الرحلات الآمنة للشحنات من أوكرانيا إلى تركيا، التي ستنطلق منها الصادرات إلى وجهاتها التالية.

ومنذ إبحار "رازوني" من أوكرانيا مطلع الأسبوع الماضي، غادرت تسع سفن أخرى المواني الأوكرانية إلى إسطنبول لإجراء عمليات الفحص والتفتيش، وفقاً لوزارة الدفاع التركية.

وبموجب الاتفاق المتوصَّل إليه في 22 يوليو/تموز الماضي، يُجرِي عمليات التفتيش على سفن الحبوب موظفون أتراك، بدعم من لجنة التنسيق المشتركة، فيما يوفّر الأوكرانيون ممرّاً مائيّاً آمناً عبر البحر الأسود. وتجري عمليات تفتيش السفن في رحلتها من وإلى مواني أوكرانيا عبر البحر الأسود للتأكد من عدم وجود أسلحة على متنها.

آلية عمل مركز التنسيق المشترك

في ما يلي دليل موجز لعملية ومسار شحن الحبوب من أوكرانيا إلى العالم عبر إسطنبول:

أولاً: تغادر السفن حاملة الحبوب المعتمَدة من لجنة التنسيق المشتركة، مثل سفينة "رازوني" التي ترفع علم سيراليون وغادرت ميناء أوديسا مطلع الشهر الجاري، من المواني المحددة في أوكرانيا، وفقاً للاتفاق. لشحنات الحبوب ثلاثة موانٍ أوكرانية مخصصة: أوديسا، وبيفديني، بالإضافة إلى تشورنومورسك.

يُذكر أنه بموجب الاتفاق، لا يُسمح للسفن الفارغة بمغادرة المواني الأوكرانية. في الوقت الحالي يمكن أن تغادر ثلاث أو أربع سفن حبوب فقط من مواني البحر الأسود يوميّاً، كما يمكن لأوكرانيا تصدير ثلاثة ملايين طن فقط من الحبوب كل شهر، علماً أنه علق أكثر من 25 مليون طن من الحبوب في المواني الأوكرانية قبل توقيع صفقة الحبوب، وفقاً لما قاله وزير الدفاع التركي خلوصي أقار.

ثانياً: تبحر سفن الحبوب عبر ممر إنساني بحري يؤمّنه مركز التنسيق المشترك (JCC) في البحر الأسود حتى تصل إلى المياه التركية. الممر المتفَق عليه من الجانبين الأوكراني والروسي، إلى جانب تركيا والأمم المتحدة، يعمل على توفير رحلة آمنة للسفن، وحمايتها من حقول الألغام وغيرها من الأخطار المحتمَلة.

خلال رحلتها تُتعقَّب سفن الحبوب بالأقمار الصناعية والطائرات المسيَّرة. وفقاً للاتفاقية لن يُسمَح للسفن التي تطفئ إشاراتها ولا تقدّم معلومات شفافة حول نقاط الاتصال بالميناء بدخول المياه الإقليمية التركية.

تجدر الإشارة إلى أن روسيا أيضاً ستتمكّن من تصدير الحبوب والأسمدة عبر الممر ذاته.

ثالثاً: بعد وصولها إلى المياه التركية، تتوقف السفن في إسطنبول ليفحصها ويفتّشها مركز التنسيق المشترك. سيواصل فريق تفتيش مدني مشترك يضمّ مسؤولين من روسيا وتركيا وأوكرانيا والأمم المتحدة عمليات التفتيش عند مراحل الدخول والمغادرة من مواني إسطنبول.

رابعاً: بعد فحص سفن الحبوب المغادرة من أوكرانيا في إسطنبول، ستبحر إلى وجهتها النهائية في الأسواق الدولية، فبعد وصول "رازوني" إلى لبنان، في الوقت الحالي، تتجه سفينة "نافيستار" التي ترفع علم بنما إلى أيرلندا، وتتجه "روجين" التي ترفع علم مالطا إلى المملكة المتحدة، فيما وصلت "بولارنيت" التي ترفع العلم التركي بالفعل إلى وجهتها النهائية في مدينة إزميت التركية المطلة على البحر الأسود.

TRT عربي