الحاجة إلى النوم عملية فسيولوجية كالحاجة إلى الطعام والشراب، لما له من دور هامّ في الحفاظ على صحة الإنسان النفسية والجسدية وإغناء مجموعة كبيرة من الوظائف داخل الدماغ، والظاهر أنه ما من عضو رئيسي في الجسم، ولا عملية رئيسية من عمليات الدماغ، لا تتعزز على النحو الأمثل بفعل النوم؛ يمكن القول إن النوم عملية صيانة كاملة للإنسان نفسياً وجسدياً.

وفي الوقت الذي يكتسب فيه النوم أهمية صحية للشرائح العمرية كافة، فإنه مع الأطفال يزداد أهمية لارتباطه باحتياجات النموّ. وهنا يجب الابتعاد عن استثمار الآباءِ النومَ في عمليات الترهيب والترغيب حتى لا يتحول النوم إلى اضطراب من شأنه أن يؤدي إلى مشكلات صحية لدى الطفل. يرى عديد من الاختصاصيين أن مشكلات النوم عند الطفل تبدأ من خلال جعل النوم عقاباً على تصرُّف ما، أو مكافأة، فضلاً عن أن إسماع الطفل قصص الرعب والتخويف، ومشاهدة الأفلام والمسلسلات المخيفة، يجعلان النوم حالة اضطراب تؤثّر حتماً في صحة ونموّ الطفل.

توفير الظروف التربوية لنوم هانئ للطفل يساعد على نموّه السلم. ليس هذا وحسب، فيجب النظر أيضاً إلى توفير ظروف البيئة المحيطة مثل درجة الحرارة والضوضاء واستخدام الأجهزة الكهربائية. فالضوء المنبعث من الأجهزة اللوحية يعمل على تنبيه المخّ ويُبقيه مستيقظاً، إذ يعوق إفراز هرمون الميلاتونين، وهو الهرمون الذي يفرزه الدماغ ليلاً للحَثّ على النعاس.

كما تتمثل مشكلة الأجهزة الإلكترونية في أنه عند تلقّي أخبار أو معلومات جديدة تُحفَّز مناطق المكافأة في الدماغ عن طريق إفراز هرمون الدوبامين المسؤول عن تحفيز اليقظة، وعادة ما يرتبط عمل هذا الهرمون بالتحفيز والمكافأة، إذن يظلّ الحلّ الأفضل على الإطلاق هو الامتناع عن استخدام الهاتف وجهاز الكمبيوتر والتلفاز وكلّ ما يُصدِر أشعَّة تؤثر في الخلايا العصبية للمخّ قبل عدة ساعات من الذهاب للنوم.

في السياق ذاته، ولضمان نوم هانئ ليلاً، يجب أن تكون وجبة العشاء قليلة السعرات الحرارية، مع أهمية تناول وجبة الطعام قبل موعد النوم بفترة كافية.

النوم وكفاءة الأداء المعرفي

يُعتبر الأداء المعرفي تعبيراً عن إنجازات الفرد وأنشطته الناتجة عن العمليات العقلية المعرفية كالانتباه، والذاكرة، والإدراك، والتفكير، وحلّ المشكلات، واسترجاع المعلومات، والتي يمارسها الطلاب كثيراً في أنشطتهم الأكاديمية والعلمية. وهذه العمليات المعرفية تتأثر سلباً وإيجاباً بعديد من العادات والممارسات اليومية، ومنها عادات النوم.

يذهب كثير من الطلاب إلى مدارسهم دون أن يحصلوا على ساعات نوم كافية، وهذا بلا شكّ ينعكس على أدائهم الدراسي وتحصيلهم العلمي، وقدرتهم على الانتباه والتركيز، وقد ربط عديد من الأبحاث بين نقص ساعات النوم وضعف الأداء الأكاديمي لدى الطلبة، ويدعم عديد من الدراسات هذا الاعتقاد.

فقد أظهرت دراسة وجود علاقة بين الأداء المدرسي والدافعية والنوم المتأخر، فكلما تَأخَّر وقت النوم ضعُفَ الأداء الدراسي والدافعية، كما يزيد تأخُّر وقت النوم احتمالية ظهور أعراض الاكتئاب بالإضافة إلى النزعة إلى افتعال المشكلات.

وقد أثبتت دراسات أخرى أهمية النوم للذاكرة. ترى دراسة من هذه الدراسات أن "الحرمان من النوم يبطئ الاتصالات بين خلايا الدماغ، ويؤدي ذلك إلى مشكلات ذهنية تؤثّر في الذاكرة". كما حذّرَت دراسة أخرى من أن الدماغ البشري يتعرض للتآكل عندما لا يحصل الإنسان على ساعات كافية من النوم ليلاً.

يؤثّر اضطراب النوم أو قلّته أيضاً في الإدراك، أي في قدرة الفرد على التعرُّف على محيطه الخارجي، فقلّة النوم حسب هذه الدراسات تؤدِّي إلى إضعاف نشاط خلايا الدماغ، مما يجعل التواصل العصبي بين هذه الخلايا ضعيفاً، فتكون استجابتها للمحفزات ابطأ من المعتاد.

بناءً على ذلك فالنوم يمنح الدماغ الفرصة لاستعادة قدرته على التعلُّم، ويفسح متسَعاً لذكريات جديدة، فمن المعروف أن الجسم يرتاح خلال النوم، لكن الدماغ خلال هذا الوقت ينشغل بمعالجة المعلومات التي حصل عليها خلال النهار. فإذا كان الشخص محروماً من النوم أو لا ينام ساعات كافية، فقد تضعف قدرته على التعلم والاحتفاظ بالمعلومات الجديدة. بعبارة أخرى، النوم يحمي المعلومات المكتسَبة مؤخراً ويوفّر لها حصانة من النسيان.

لقد أشار عديد من الأبحاث إلى أن الأطفال الذين ينامون بمقدار تسع ساعات ليلاً، زادت عندهم الرغبة في التعلم وزاد اهتمامهم بالتحصيل وأداء الواجبات المدرسية. من هنا وجّهَت الأكاديمية الأمريكية لطبّ النوم نصائحها للأطفال الذين تتراوح سنهم بين 6 و12 عاماً بالنوم 9-12 ساعة كل ليلة بانتظام لتجنُّب مشكلات كالحزن والقلق والسلوك الاندفاعي، وغيرها من المشكلات السلوكية المرتبطة باتخاذ القرارات وحلّ المشكلات.

ففي دراسة بعنوان "فاعلية برنامج معرفي سلوكي لتحسين جودة النوم لدى عينة من الطلاب ذوي المشكلات السلوكية" تكونت فيها عيّنة الدراسة من 24 طالباً من طلاب الصف الخامس ذوي المشكلات السلوكية (السلوك العدواني والحركة الزائدة)، لوحظ أن كثيراً من الطلبة الذين يعانون مشكلات سلوكية ينتمون إلى طلبة الدوام الصباحي، مقارنة بطلبة الدوام المسائي، لأنهم يعانون مشكلة في النوم. وبعد تطبيق برنامج تدريبي بدأت آثار التحسُّن تظهر على سلوكياتهم في المدرسة. يثبت هذا أهمية النوم، وما يمكن أن يمثله من علاج لبعض المشكلات السلوكية وفقاً لمجلة "لانسيت - Lancet" لصحة الأطفال والمراهقين.



TRT عربي