زاد عدد نزلاء السجون في فرنسا بشكل مطّرد على مدار العشرين عاماً الماضية، فمنذ عام 2004 زاد عدد المعتقَلين بنسبة 45.4 في المئة، إذ تشير الإحصائيات إلى أن 70651 سجيناً على الأقل مسجونون في السجون الفرنسية اعتباراً من 1 يناير/كانون الثاني 2020. ومع ذلك لم يتمّ التعامل مع هذه الزيادة بشكل لائق. فلا تزال مشاريع توسيع السجون متوقفة، مما يترك النزلاء عالقين في زنازين مكتظّة. ومع وجود 49 سجناً فقط في جميع أنحاء البلاد تتعامل مع نسبة إشغال تزيد على 150 في المئة، وهي أرقام تتطابق مع نسبة الاعتقال في البلاد خلال الحرب العالمية الثانية، ساءت ظروف أولئك المحتجَزين.

ولفتت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان الانتباه إلى قضية الاكتظاظ في السجون الفرنسية، قائلة إن "نسب الإشغال في السجون المعنية تكشف عن مشكلة هيكلية". ووجّهَت المحكمة إلى فرنسا نصيحة تقتضي ضرورة "تبنّي إجراءات عامَّة تهدف إلى القضاء على الاكتظاظ وتحسين ظروف الاحتجاز المادية".

ومع ذلك، فإن توسيع السجون مأزق سياسي حقيقي، لأنه ينطوي على إجراءات بيروقراطية معقَّدة، ومقاومة من لجان الضواحي، فلا أحد يريد سجناً بجوار منزله. واحد من أحدث السجون في البلاد، من المقرَّر افتتاحه في مدينة كاين التابعة لإقليم نورماندي شمالي فرنسا في نهاية هذا العام، استغرق بناؤه سبع سنوات بسبب العقبات البيروقراطية والاجتماعية.

بالإضافة إلى التحديات التي يتم مواجهتها في بناء مراكز اعتقال جديدة، فإن زيادة عدد أسرّة السجون وحدها أمر مكلّف، ويؤدي إلى نتائج عكسية في ذات الوقت. فقد تم إضافة أكثر من 36000 سرير خلال ثلاثين عاماً، لكن الجهود باءت بالفشل في حل مشكلة الاكتظاظ. نتيجة لذلك فإن القول المأثور "كلما بنيت أكثر، ملأت أكثر" يبدو مألوفاً جدّاً في السجون الفرنسية.

بالإضافة إلى مشكلة الاكتظاظ، لا تزال الظروف المعيشية داخل السجون الفرنسية مزرية، وتزداد سوءاً خصوصاً خلال موجة الحرّ التي لا تُطاق بالفعل.

في يناير/كانون الثاني من عام 2020، سلّطَت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان الضوء على الظروف المعيشية لـ32 سجيناً محتجَزاً في ستة مراكز احتجاز، ووصفت المعاملة التي تَعرَّضوا لها بأنها قاسية ومهينة. ومؤخراً أصدرت منظمة "Controleur General Des Lieux de Privation de Liberte CGLPL"، وهي منظمة إدارية مستقلة تأسست عام 2008 للإشراف على المواقع التي يُحرَم فيها النزلاء ممارسة حريتهم، تقريراً حاسماً يسلّط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان في عديد من السجون الفرنسية. ذكر أحد الانتهاكات المذكورة في التقرير بالتفصيل كيف أُجبِرَ السجناء في إصلاحية سيسيس Seysses من ضواحي تولوز Toulouse على تغطية آذانهم لإبعاد الصراصير.

وبالنظر إلى هذه الظروف السيئة، فلا عجب أن تحتلّ فرنسا المرتبة الثانية من بين 47 دولة تتمتع بمعدلات انتحار عالية في السجون، إذ حدث آخر انتحار في 19 يوليو/تموز عندما أنهى محتجز يبلغ من العمر 18 عاماً حياته في سجن ليون كورباس.

وعلى غرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، أدان المرصد الدولي للسجون (OIP) وعديد من المنظمات غير الربحية فرنسا لسنوات، ولكن بصرف النظر عن بعض التغييرات الطفيفة في ما يتعلق بالوصول إلى السجون، لم يتغير شيء يُذكَر.

وفشلت الإصلاحات القضائية، وكان آخرها عام 2019، في معالجة الآليات الموجودة في صميم التضخم المستمر في السجون خلال الخمسة عشر عاماً الماضية جنباً إلى جنب مع مسألة الاكتظاظ. ومنذ أن أصبح بناء سجون جديدة أمراً سياسياً، تخلّت الحكومات المتعاقبة تماماً عن التدابير الرامية إلى تطوير بدائل للسجن كالعمل المجتمعي أو وضع أجهزة الإشارة الإلكترونية، وهذه الأخيرة تُستخدم بالفعل في بعض أنحاء العالم لمراقبة المدانين الذين يواجهون أوامر من المحكمة.

وفي الواقع، وبدلاً من إيجاد بدائل للسجن، قام نظام العدالة الفرنسي بسجن مزيد من الأشخاص بسبب جرائم بسيطة. ومع ميل رئاسة الوزراء إلى تعزيز نظام السجون بعد إبداء رغبتها في بناء 40 ألف وحدة اعتقال جديدة، فإن الأشخاص الذين لم يخضعوا بعد للمحاكمة، بمن فيهم متظاهرو السترات الصفراء، سيجدون أنفسهم الآن في السجن لمدة شهرين إلى أربعة أشهر لمجرد ارتداء قناع الغاز.

أخيراً، ولفشل الدولة في بناء منشآت جديدة واستمرارها في عمليات الحبس بمعدل متزايد باستمرار دون تحسين الظروف المعيشية داخل سجونها الحالية وفي ظل موجة الحر الشديدة، وتنامي التوترات الاجتماعية والسياسية، فإن فرنسا تسير في طريق مظلم ستتفاقم فيه أحوال معتقلاتها الداخلية ما لم يُنفَّذ بعض الإصلاحات القضائية القابلة للتنفيذ.

جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي