محمد فوزى.. عاشق السيد البدوى الذى صار رمزًا للبهجة

الإذاعة رفضته مغنيًا وقبلته ملحنًا.. ويوسف وهبى فتح له أبواب المجد

أسس شركة «مصرفون».. وحارب سيطرة الأجانب على أسطوانات الغناء

قدّم ٤٠٠ أغنية و٣٦ فيلمًا فى ١٧ عامًا.. وسبق عصره بألحان عابرة للزمن

خاض بطولة أول فيلم ملون عام 51.. وأول مَن قدّم أغانى الأطفال

أغنيته «يا مصطفى يا مصطفى» انتشرت فى أغلب الدول حتى اليوم

 

إن القيمة الحقيقية للمبدع لا تكمن فى جوائز تحصّل عليها فى حياته، أو مال تركه بعد مماته، بل فيما خلّفه للإنسانية من إبداع يرتقى بالعقول ويهذّب النفوس دون تمييز عرقى أو دينى أو طبقى.
هذا ما حدث بالفعل مع الفنان الكبير محمد فوزى، الذى تحل غدًا ذكرى ميلاده الرابعة بعد المائة، فى ١٥ أغسطس ١٩١٨.
فقد كان «فوزى» فنانًا شاملًا ومتجددًا فى ألحانه وموسيقاه التصويرية وأغانيه وأدائه التمثيلى المصحوب بخفة ظله المعهودة، ومما لا يعرفه الكثيرون أن الفنان الكبير الراحل كان مؤلفًا بديعًا، فضلًا عن كونه منتجًا ذكيًا، تربع على عرش الإنتاج بعد تأسيس شركة «مصرفون» لتكون أول شركة أسطوانات فى الشرق الأوسط.
ورغم قصر عمره الذى لم يتخط ٤٨ عامًا، ومرور ٥٦ عامًا على رحيله فى ٢٠ أكتوبر ١٩٦٦، فما زال محمد فوزى معشوقًا من الصغار قبل الكبار، بعد أن غنى لهم أحلى أغانى الأطفال.
فى هذه السطور نتناول رحلة «فوزى» بحلوها ومرها وإبداعها الخالد.

 

 

 

 

هناك فى قرية «كفر أبوجندى» التابعة لمركز قطور بمحافظة الغربية، وبالتحديد فى الخامس عشر من شهر أغسطس عام ١٩١٨، تجمع الأهل والأقارب على صرخة المولود الحادى والعشرين للمواطن المصرى فوزى عبدالعال حبس الحو، الذى سماه والده «محمد».

فى هذه القرية البسيطة تربى محمد فوزى، بين إخوته الأربعة والعشرين، درس الابتدائية والإعدادية فى مدرسة طنطا وتخرج فيها عام ١٩٣١.

بعد حصول «فوزى» على الشهادة الإعدادية، بدا للجميع عشقه للموسيقى، وعرفوا عذوبة صوته. وبالفعل تعلم الموسيقى على يد رجل المطافئ محمد الخربتلى، الذى اصطحبه ليغنى فى مولد السيد البدوى، فيعجب الدراويش والمريدون والعوام بصوته، ويقرر التوجه إلى القاهرة.

 

 

 

التحق محمد فوزى بمعهد فؤاد الأول للموسيقى فى القاهرة، لكنه تركه بعد عامين، ليعمل فى ملهى رتيبة وإنصاف رشدى، ثم يتركهما ويعمل فى فرقة بديعة مصابنى، وهناك يتعرف على فريد الأطرش وعبدالمطلب ومحمود الشريف.

لم تكن البداية سهلة بالنسبة لمحمد فوزى، الشاب الغريب عن القاهرة، ودفعته صعوبة الحياة لترك معهد فؤاد الأول للموسيقى، وكذلك ترك فرقة إنصاف رشدى ومن بعدها فرقة بديعة مصابنى.

ولما تقدم إلى الإذاعة المصرية ملحنًا ومغنيًا، رفضته كمغنٍ وقبلته مُلحنًا، ما زاد من إحباطه. وحتى بعدما ظن أن الحياة فتحت له ذراعيها، بعد أن عمل فى الفرقة المصرية للتمثيل والموسيقى، التى أسندت له دورًا فى مسرحية «شهرزاد» بديلًا عن المطرب إبراهيم حمودة- لم يتقبله الجمهور بل وبخه، فانزوى «فوزى» حاملًا أحلامه التى جاء بها من قريته البعيدة، وكاد أن يفقد الأمل فى إثبات ذاته.

 

 

 

فى عام ١٩٤٤ طلبه يوسف وهبى، الذى كان يؤمن بموهبته، ليقدّم دورًا صغيرًا فى فيلم «سيف الجلاد»، ويغنى أغنيتين من ألحانه، وهنا شاهده المخرج محمد كريم، وأسند إليه دور البطولة فى فيلم «أصحاب السعادة» أمام سليمان بك نجيب ورجاء عبده، الذى حقق نجاحًا باهرًا.

بعد فيلم «أصحاب السعادة» بدأ المنتجون يتهافتون على محمد فوزى «الممثل والملحن والمغنى الوسيم خفيف الظل»، فتربع على عرش السينما فى الأربعينيات والخمسينيات.

 

 

 

لأنه طموح ومتجدد لا ينحصر فى قوالب ثابتة، لم يكتف محمد فوزى بأن يكون ممثلًا وملحنًا ومطربًا، وقرر أن يخوض تجربة الإنتاج السينمائى، ليقدّم للسينما المصرية أعمالًا تحت لافتة «أفلام محمد فوزى».

وفى عام ١٩٥٨ أسس «فوزى» شركة «مصرفون» لإنتاج الأسطوانات، التى كان يأتى بها المنتجون من أوروبا، وكانوا يبيعون الأسطوانة الواحدة بـ٩٠ قرشًا، بينما كانت شركة «فوزى» تبيعها بـ٣٥ قرشًا فقط، ليضحى بلا منافس، رغبة منه فى ازدهار الفن المصرى بعيدًا عن استغلال الأجانب.

لكن تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن، ويتم تأميم الشركة عام ١٩٦١، ليعود محمد فوزى إلى إحباطاته.

 

 

 

«فوزى سابق عصره».. هذه العبارة ليست مجازًا، بل هى توصيف حقيقى لمحمد فوزى، الذى قدّم ٤٠٠ أغنية، منها ٣٠٠ أغنية فى أفلامه، كما أنه أكثر المطربين تمثيلًا، بتقديمه ٣٦ فيلمًا فى ١٧ عامًا فقط، ويمكننا القول إنه أفضل «المطربين الممثلين».

وقدّم «فوزى» ألحانًا خفيفة وشيقة ما زالت تُغنَى حتى يومنا هذا، وكأنها من أغانى اليوم.

كما قدّم أول فيلم بالألوان الطبيعية عام ١٩٥١، وهو فيلم «الحب فى خطر»، الذى خاض بطولته إلى جانب المطربة صباح.

«فوزى» أيضًا أول من قدّم أغانى الأطفال، التى ما زالت باقية حتى يومنا هذا، مثل «ماما زمانها جاية» و«ذهب الليل»، بالإضافة إلى تلحينه النشيد القومى للجزائر.

هو أيضًا أول من لحن أغنية «فرانكو أراب» لمورى وبوب عزام، وهى «مصطفى يا مصطفى»، التى أصبحت أغنية عالمية.

 

 

 

يعرف الجميع أن محمد فوزى كان فنانًا شاملًا، فهو ملحن ومطرب وممثل. لكن ما لا يعرفه كثيرون أنه كان مؤلفًا شارك فى كتابة العديد من أفلامه.

على سبيل المثال كتب «فوزى» قصة فيلم «مِن أين لك هذا؟»، الذى قدّم فيه دور البطولة أمام الفنانة القديرة مديحة يسرى، وكتب السيناريو الخاص به على الزرقانى، وكان من إخراج نيازى مصطفى.

وكتب كذلك قصة فيلم «كل دقة فى قلبى»، الذى كتب أبوالسعود الإبيارى السيناريو والحوار الخاص به، وأخرجه أحمد ضياء الدين، كما شارك هو وعلى الزرقانى فى كتابة فيلم «معجزة من السماء»، الذى قدمت فيه دور البطولة أمامه الفنانة مديحة يسرى أيضًا، وأخرجه عاطف سالم.

 

 

 

يُحسب للفنان العظيم محمد فوزى أنه أول من جمع القرآن الكريم صوتًا فى العالم، بعد جمعه كتابةً فى عهد الخليفة عثمان بن عفان.

ففى عام ١٩٦٠، رحب «فوزى» بفكرة وزير الأوقاف آنذاك، أحمد عبدالله طعيمة، بتسجيل القرآن الكريم على أسطوانات بصوت الشيخ محمود خليل الحصرى، دون أن يتقاضى مليمًا واحدًا. ثم سجل القرآن كبار القراء، مثل: مصطفى إسماعيل وعبدالباسط عبدالصمد ومحمود على البنا ومحمد صديق المنشاوى. وتم إهداء نسخة «الحصرى» إلى مكتبة «الكونجرس» وقتها، وما زال القرآن يُرتل بصوت الكبار فى إذاعة «القرآن الكريم» وكل الإذاعات العربية إلى العالم بأسره.

 

 

 

أُصيب محمد فوزى بمرض «سرطان العظام»، الذى لم يكن أحد يعرفه وقتها، لذا سماه الأطباء وقتها بـ«مرض فوزى».

وفى يوم وفاته كتب «فوزى» وصيته بطريقة تدمى القلوب، وهى تدل على إيمانه بالله عز وجل، وحبه لوطنه، وقدرته على الكتابة بطريقة بليغة.

قال «فوزى» فى وصيته تلك:

«منذ أكثر من سنة تقريبًا وأنا أشكو من ألم حاد فى جسمى لا أعرف سببه، بعض الأطباء يقولون إنه روماتيزم، والبعض يقول إنه نتيجة عملية الحالب التى أُجريت لى، كل هذا يحدث والألم يزداد شيئًا فشيئًا، وبدأ النوم يطير من عينى، واحتار الأطباء فى تشخيص هذا المرض، وأنا أحاول إخفاء آلامى عن الأصدقاء إلى أن استبد بى المرض ولم أستطع القيام من الفراش وبدأ وزنى ينقص، وفقدت فعلًا حوالى ١٢ كيلوجرامًا، وانسدت نفسى عن الأكل، حتى الحقن المسكنة التى كنت أُحْقَن بها لتخفيف الألم بدأ جسمى يأخذ عليها وأصبحت لا تؤثر فىّ، وبدأ الأهل والأصدقاء يشعروننى بآلامى وضعفى، وأنا حاسس أنى أذوب كالشمعة.

إن الموت علينا حق، إذا لم نمت اليوم سنموت غدًا، وأحمد الله أننى مؤمن بربى، فلا أخاف الموت الذى قد يريحنى من هذه الآلام التى أعانيها، فقد أديت واجبى نحو بلدى، وكنت أتمنى أن أؤدى الكثير، لكن إرادة الله فوق كل إرادة، والأعمار بيد الله، لن يطيبها الطب، ولكنى لجأت إلى العلاج حتى لا أكون مقصرًا فى حق نفسى وفى حق مستقبل أولادى الذين لا يزالون يطلبون العلم فى القاهرة، تحياتى إلى كل إنسان أحبنى ورفع يده إلى السما من أجلى.. تحياتى لكل طفل أسعدته ألحانى.. تحياتى لبلدى.. أخيرًا تحياتى لأولادى وأسرتى.

لا أريد أن أُدفن اليوم، أريد أن تكون جنازتى غدًا الساعة ١١ صباحًا من ميدان التحرير، فأنا أريد أن أُدفن يوم الجمعة».

رحم الله المبدع محمد فوزى الذى وافته المنية يوم الخميس الموافق ٢٠ أكتوبر ١٩٦٦، عن عمر ناهز الـ٤٨ عامًا.

تاريخ الخبر: 2022-08-13 21:21:11
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 50%
الأهمية: 68%

آخر الأخبار حول العالم

دعمًا لفلطسين.. فصائل عراقية تستهدف ميناء حيفا في إسرائيل

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-05 06:22:15
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 58%

هجوم إسرائيلي على الضفة الغربية.. واستشهاد 5 فلسطينيين

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-05 06:22:19
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 67%

أمطار مصحوبة برياح مثيرة للأتربة والغبار على 7 مناطق السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-05-05 06:23:35
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 55%

الرئيس الفرنسي: الحوار مع روسيا يجب أن يستمر

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-05 06:22:09
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 53%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية