عزيزي القاريء تحدثت معك في المقال السابق عن الجزء الأول من لحن اللي القربان هذا اللحن العريق القديم الممتلئ بالنغمات التطريبية الميليسمسة، واليوم أريد أن أستكمل الجزء الثاني منه.

أما الجزء الثاني من اللحن بعد هذا التمهيد البطئ المتمهل ADAGIO ففيه يتغير الميزان الموسيقي إلى رباعي، وينشط اللحن بسرعة تصل إلى 95 نبضة في الدقيقة.

إنها بداية الخدمة الحقيقية ليسوع بعد العماد إذ يقول الكتاب ” أمايسوع..فرجع من الأردن ممتلئاً من الروح القدس، وكان يقتاد بالروح في البرية. أربعين يوماً يُجرب من إبليس” (لوقا1:4).

والجملة الموسيقية الأولى من الجزء الثاني من اللحن تشرح بين نغمات السريعة الحركة، القصيرة الأزمنة حيل الشيطان وألاعيبه وهو يحاول بإصرار أن يجرب المسيح قائلاً “إن كنت ابن الله فقل لهذا الحجر أن يصير خبزاً” (لوقا3:4)، لك أُعطي هذا السلطان كله ومجدهن … فإن سجت أمامي يكون لك الجميع” (لوقا 6:4).

وفي هذه الجملة الموسيقية الأولى يظهر أيضاً الوقفة الحادة في الموسيقى التي تشرح بوضوح الجملة التي إنتهر بها المسيح إبليس قائلاً بحدة:

“إذهب يا شيطان إنه مكتوب للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد” (لوقا 8:4)

ليس سهلاً أن نجد مثل هذه الجمل الموسيقية ذات الوقفات الحادة والنغمات المتقطعة الفاصلة في الألحانالقبطية. إنما وجدت في هذا اللحن لتؤكد إنتهار المسيح للشيطان والوقفة الواضحة مع حيله وأساليبه.

كذلك ليس سهلاً أن نجد التيمات الأكروباتية في الألحان القبطية، فهي إنما وجدت لتشرح هذه الأساليب الملتوية للشيطان.

بعد أن يجعلنا اللحن نعيش التجربة على الجبل بألاعيب الشيطان وإنتهار المسيح له، تنتهي الجمل الموسيقية التي صيغت من مقام الرى الصغير وتتحول إلى جمل أخرى مُصاغة من مقام آخر هو “راست الجهاركاه”.

إنها فترة جديدة من حياة السيد المسيح.. إنها بداية الخدمة والكرازة، إذ يقول الكتاب أن يسوع بعد هذه التجربة إنصرف إلى الجليل وأتى فسكن كفرناحوم “ومنذ ذلك الزمان إبتدأ يسوع يكرز” (متى 17:4).

وهذه الفترة الجديدة من حياة المسيح أشار إليها الأباء القديسين في هذا اللحن بهذا المقام الجديد وبهذه الجمل البسيطة التي تعبر عن الخدمة النارية القوية، فقد كان “يطوف كل الجليل يُعلم في مجامعهم ويُكرز ببشارة الملكوت ويشفي كل مرض وكل ضعف في الشعب” (متى 23:4).

بعد ذلك يتغير المقام مرة أخرى إلى مقام “بياتي” ليعبر عن مرحلة أخرى جديدة حزينة في اللحن .. مرحلة آلام السيد المسيح التي اجتازها بعد أن أكمل فترة خدمته وكرازتة.

كم هي حزينة ومؤثرة هذه الجمل الموسيقية الناعمة المنخفضة النغمات إنها تجسد مشاعر السيد المسيح وهو يجتاز الألم ويقول “يا أبتاه .. أن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس” (متى 39:26).

أما هو فقد اجتاز الألم … وقد عبر اللحن عن هذا الإجتياز بعبارة موسيقية تكررت مرتين بها قفزة انسيابية من نغمات “دو” الوسطى إلى نغمة “صول” التي تليها.

ويسترسل اللحن قليلاً في هذا الجو الحزين ليعبر عن طريق الآلام إلى أن تأتي فجأة جملة موسيقية حادة تبدأ بنغمة عالية هي “سي بيمول” والتي تسبقها مباشرة نغمة منخفضة هي “رى”.

وكان هذا العلوا المفاجئ بعد الإنخفاض الشديد إنما جاء ليعلن عن القيامة بعد الدفن في القبر ثلاثة أيام.

وتتميز هذه الجملة التي تنطلق بلا استئذان إلى العلو المفاجئ بأنها تنتهي بسكتة طويلة جداً زمنها ثلاث نبضات (3 نوار).

واللحن في صراخه بعالي النغمات كأنه يعلن ويرسم صورة القيامة بالزلزلة العظيمة التي حدثت عندما نزل ملاك الرب من السماء ودحرج الحجر عن الباب وجلس عليه وكان منظره كالبرق ولباسه أبيض كالثلج (متى 2:28).

واللحن في سكتته المطولة (3 نبضات) إنما يشير إلى دهشة الحراس الذين “أرتعدوا وصاروا كأموات” (متى 4:28).

ثم ينتهي اللحن بجملة هادئة جميلة تعبر عن السلام الذي وهبه يسوع لمريم المجدلية ومريم الأخرى إذ قال لهما “لا تخافا.. إذهبا قولا لإخوتي أن يذهبوا إلى الجليل وهناك يرونني” (متى 10:28).

لذا يذول الخوف ويحل الفرح والإبتهاج فتكون نهاية لحن أللي القربان هي بداية للحن “هذا هو اليوم الذي صنعه الرب، فلنفرح ونبتهج فيه”.

إلهي .. ليتني كلما استمعت إلى هذا اللحن ..أعيش حياتك وتعيش أنت في حياتي. وأن أرى ملك الملوك يتهادى نحو نهر الأردن لكي يعتمد فأتعلم منك التواضع، أجعلني أستطيع أن أهزم الشيطان كما هزمته أنت وحطمت شوكته.

أعطني روح الخدمة لكي أخدمك في كل مكان وفي كل زمان وأطوف وأسبح في كل المسكونة فقد كنت تطوف كل الجليل لتعلم.

أعطني أن لا يصرعني الألم بل أن أنتصر عليه وأقوم من قبر خطيئتي لأصعد إلى سماء سمواتك فأرنم قائلاً.

هليلويا فاي بي بي هذا هو اليوم الذي صنعه الرب.

رابط اللحن: