رشا عوض
الفيديو المنشور على الرابط المرفق بهذه المقالة ، يشرح أسباب نجاح الحصار الأمريكي لشركة هواوي الصينية منذ عام 2020 الذي حرمها من شراء رقائق الكمبيوتر المصنوعة باستخدام التكنولوجيا الأمريكية، من الأسواق المفتوحة حتى لو لم تكن مصممة خصيصا لهواوي، وخلفيات وضع “هواوي” و38 اسما مرتبطا بها على القائمة التجارية السوداء.
يعرض الفيديو عينة صغيرة من أدوات السيطرة الامريكية على عالم اليوم، وهي ادوات نافذة بالقدر الذي يلوي ذراع قوة نووية عظمى وعملاق اقتصادي كالصين،ويجعل شركات عملاقة في دول عظمى كالمانيا ، ودول راسخة في التكنولوجيا كاليابان لا تستطيع تحدي سلاح العقوبات الامريكية وتنخرط في فرض الحصار على شركة صينية كبيرة لمجرد ان أمريكا تريد ذلك..
الهدف من التفكير والتأمل في مثل هذه المعلومات هو تسليط الضوء على حجم التعقيدات في هذا العالم، وصعوبة الإمساك بالخيوط الناظمة لترتيبه وتراتبياته،.
وتأسيسا على ذلك، فان كل دول العالم ولا سيما دولنا المتخلفة تكنولوجيا واقتصاديا، عندما تهندس سياساتها الخارجية لا بد أن تنطلق من معرفة موضوعية بالعالم، وبمنابع القوة وأدوات السيطرة المملوكة للدول ذات النفوذ الحاسم ، ومن ثم ترسم بدقة حدود تحركاتها، وطبيعة علاقاتها، وتختار الطرق الأكثر أمانا وجدوى في حماية مصالح شعوبها على ضوء معادلات بعدة متغيرات تشمل التكنولوجيا والعلوم والاقتصاد والسياسة.
قد يبدو مثل هذا الرأي للوهلة الأولى مجرد تمجيد للهيمنة الأمريكية من مواقع الاستسلام المطلق لمنطق القوة، والقمع المفرط للتساؤلات الأخلاقية التي تبرز في هذه القضية او تلك عندما يكون الدور الأمريكي حاضرا بكامل عتاده من “أدوات السيطرة” ومنحازا للموقف الخاطئ أخلاقيا! بكل تأكيد لا تهدف هذه الخاطرة السريعة الى مثل هذا الابتذال القيمي، إذ ان كاتبة هذه السطور تعتقد أن مركزية السؤال الأخلاقي وهيمنة ” السلطة الاخلاقية” على العالم ستظل هدف الإنسانية الذهبي، وهو هدف له سعاته المخلصون في كل مكان من هذا العالم، ولكن احراز هذا الهدف الذهبي مشروط باستيفاء معايير التأهيل الأخلاقي والفني.
في السودان مثلا، رفع نظام الإنقاذ شعار مواجهة الاستكبار الأمريكي والصهيوني، وارتفعت شعارات “أمريكا روسيا دنا عذابها” و”أم ضريوة تحذر أمريكا وتوجه لها الإنذار الأخير” ، ولم يتوقف الأمر عند حدود الشعارات بل انخرطت الدولة السودانية بقيادة الكيزان في حماقات مثل “المؤتمر الشعبي العربي الاسلامي” واحتضان البلاد لعتاة الارهابيين وتهريب الاسلحة “للحركات الجهادية” الخ‘ وفي لوثة الهوس الآيدولوجي تبارت المنابر الاعلامية والدينية في الاستخفاف بالاضرار التي يمكن ان تجلبها مثل هذه الحماقات على الدولة السودانية، في مشهد عبثي يدل إما على جهل فاضح بموازين القوى وببداهات بسيطة على شاكلة ان العقوبات الامريكية مدمرة للسودان، أو يدل على ان الكيزان يستبطنون مؤامرة ضد البلاد ويريدون تدميرها.
ما زال السودان حتى هذه اللحظة يدفع ثمن العقوبات والحصار، ولا عزاء حتى للمهووسين دينيا لأن النظام الإسلاموي بعد ان دمر البلاد بحماقاته الآيدولوجية دخل بيت الطاعة الأمريكي لدرجة ان جهاز مخابراته سلَم “اخوة الجهاد” وملفاتهم للمخابرات الأمريكية ولدرجة ان وزير خارجية دولة الخلافة الراشدة المزعومة قال لصحيفة الشرق الأوسط “كنا عيون وآذان أمريكا في المنطقة”!
ولا مفاجأة في كل ذلك، لأن نظام الإنقاذ والأنظمة الدكتاتورية الشبيهة به في المنطقة عندما ترفع شعار مواجهة الاستكبار الأمريكي تفعل ذلك كغطاء لستر عورة استبدادها وفسادها واستكبارها المغلظ على شعوبها، ولذلك مثل هذه الأنظمة غير مؤهلة اخلاقيا لتقمص دور محامي المظلومين والمستضعفين!! ببساطة فاقد الشيء لا يعطيه! فلا غرابة ان تخسر معاركها التهريجية غير المتكافئة بحسابات العقل والمنطق وموازين القوى، فضلا عن أنها مجردة من سلاح “التفوق الأخلاقي” لأنها صادرة من منصات الاستبداد والفساد.
https://www.youtube.com/watch?v=qtMixwC_FwM