الأمن بين الواقع والوهم


تأكيدا لنعمتيْ الغذاء والأمن أنزل الحق سبحانه قرآنا يتلى إلى يوم الدين: فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف. فالطعام أو الأمن الغذائي على أهميته، لا يكفي دون أمن عام على الأرواح والأموال؛ ثنائية تعضدت على يد العلامة عبد الرحمن بن خلدون بدعامة العدل الذي اعتبره أساس المُلك والاستقرار.

لقد ظل الأمن مطلبا أساسيا في حياة الناس، وأضحى مؤشر الأمن العام محددا من محددات نجاح الدول، تتسابق فيه، وتستثمر فيه الجهود في أكثر من مجال، يأتي على تأهيل العنصر البشري من خلال التربية ليكون لبنة بناء لا هدم، ثم العدالة الاجتماعية ضمانا لكرامة الإنسان وعدم حشره في زاوية الحرمان، ثم إنفاذ القانون وربط المسؤولية بالمحاسبة.

واليوم، تتربع الدول الاسكندنافية على عرش الأمن العام، حيث تراجعت الجريمة إلى أدنى مستوياتها، تشهد عليه نسبة المساجين مقارنة بإجمالي عدد السكان.

 مقابل هذا النموذج، تأتي تجربة الأنظمة المستبدة، والتي لا تتردد في التسويق لنموذجها، بل وتعتبره استثناء في استتباب الأمن سالكة سبيل المقاربة الأمنية من خلال  “الاستثمار” في الأجهزة الأمنية أنواعا وأعدادا ولوجستيكا؛ مقاربة تقوم على عدّ الأنفاس والتضييق على انسيابية الحق في التنقل والتجوال، فالحواجز الأمنية في مداخل ومخارج المدن تُشعر وكأننا في حالة طوارئ دائمة، وفي الطرق الوطنية كما في السيارة بعد محطات الأداء تستغرق الحواجز الأمنية وقتا معتبرا من السفر؛ تدابيرُ وإجراءاتٌ ضبطية لم تترجم أمنا عاما، فعمليات السطو تحت تهديد السلاح غدت “مكونا” من ثقافتنا، وحالات الشجار المسلح في الأسواق الشعبية تم التطبيع معها، بل لم يسلم من هذا العنف المسلح رجال الأمن وهم مزودون بسلاح وظيفي في مفترق الطرق والفضاءات العامة، فعلى أي أمن، وعلى أي استثناء “يتغنى” الخطاب الرسمي؟

مقابل هذا الحضور الكثيف للأجهزة الأمنية دون النجاح في اجتثاث آفة العنف، يتنقل الزائر في بلد أوروبي فلا تكاد تعترضه دورية أمن أو سد مراقبة، وقد يعبر الزائر البلد من شماله إلى جنوبه دون أن يُضطر للإدلاء بهويته أو وثائق عربته، لأن القوم استثمروا صدقا لا ادعاء في استتباب الأمن من خلال روافع التربية والعدالة وإنفاذ القانون على الجميع.  ولله درّ القائل في حق عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما وجده نائما يستظل بنخلة: “حكمت فعدلت فأمنت فنمت”.

تاريخ الخبر: 2022-08-21 15:20:19
المصدر: الجماعة.نت - المغرب
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 59%
الأهمية: 66%

آخر الأخبار حول العالم

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية