د. عبدالباسط هيكل يواصل رواية حكايات كبار المصلحين «3-3»: عبدالمتعال الصعيدى.. المجدد الذي دفع ثمن شجاعته

الشيخ مصطفى عبدالرازق امتداد للإمام محمد عبده ووجوده أزعج التقليديين

عبدالرازق عمل أستاذًا للفلسفة الإسلامية فى «آداب القاهرة» بعد عودته من أوروبا

الصعيدى انتقد نظام «الإجازة العالية» بدعوى إهمال التخصص واقتصار كتبها على المُتون الغامضة

الدكتور عبدالباسط هيكل واحد من الباحثين الجادين فى موضوع إصلاح الخطاب الدينى، ومن موقعه كابن للأزهر الشريف وأستاذ مساعد فى كلية اللغة العربية، استطاع أن يتامل جيدًا حياة خمسة من أئمة الإصلاح فى الأزهر الشريف، درسهم ودرس حياتهم وأفكارهم دراسة وافية، عبّر عنها فى كتابه: «المسكوت عنه فى مقالات تجديد الخطاب الدينى». والحقيقة أن الحوار معه مغرٍ على عدة مستويات، أهمها قراءة تفاصيل حياة هؤلاء المصلحين العظام التى تغيب عنّا كثيرًا.

فنحن لا نعرف ماذا واجه الإمام محمد عبده؟ ولماذ أصبح أول مفتٍ للديار المصرية؟، ولا نعرف أن الشيخ مصطفى المراغى أصغر من حصل على العالمية فى تاريخ الأزهر، ولا لماذا ترك منصب المشيخة الجليل؟ لا نعرف الكثير عن الشيخ مصطفى عبدالرازق، شقيق الشيخ على عبدالرازق صاحب «الإسلام وأصول الحكم»، ولا عن حياة «إمام التجديد» محمود شلتوت، الذى خاض معارك ضارية أثرت على صحته فى نهاية حياته، وكذلك المجدد الكبير عبدالمتعال الصعيدى، الذى سُمى بـ«المجدد المجهول»، وعوقب وظيفيًا على أفكاره فى التجديد وتم التحقيق معه. يمكن أن تعتبر هذا الحوار بأجزائه الثلاثة سياحة فكرية تغنيك عن قراءة عشرات الكتب عن أئمة الإصلاح فى الأزهر الشريف، بعين باحث شديد الاجتهاد هو الدكتور عبدالباسط هيكل.. كما سترى فى السطور التالية. 

 

■ ما طبيعة العلاقة بين الشيخ مصطفى عبدالرازق ومحمد عبده؟

- يعد الشيخ مصطفى عبدالرازق أقرب الأزهريين إلى الأستاذ محمد عبده وأكثرهم تأثرًا به فكريًا وعاطفيًا، حتى إنه توقف عن الدراسة بعد موت الإمام قرابة عامين، لشدة حزنه على رحيله، وتأثرًا بالأجواء الصدامية التى عاشها الإمام فى آخر حياته، فأصدر أول كتاب له بعنوان «الإمام محمد عبده» عام ١٩١٤م.

بدأت علاقة الشيخ مصطفى بالإمام محمد عبده مبكرًا منذ الطفولة، فكان الإمام صديق والده ورفيقه فى العمل الوطنى، وعندما سطعت شمس الإمام المعرفية بدروسه المسائية فى الرواق العباسى بالأزهر على مدار سبع سنوات، كان الشيخ مصطفى طالبًا بالأزهر، فلم ينقطع عن دروس الإمام، الذى شجّعه على القراءة خارج مناهج الأزهر التقليدية.

قرأ العديد من الكتب فى الفلسفة والأدب والتاريخ وعلم الاجتماع، وحظى بصحبة أطول مع الإمام من صحبته مع الشيخ المراغى، الذى كان يعمل فى السودان بترشيح من «عبده»، فلم يجلس الشيخ المراغى إلى دروس الإمام كما تداول بعض المراجع، ولم يكن شاهدًا على صراع الإمام مع الخديو عباس الثانى، و«المحافظين» داخل الأزهر، مثلما شاهدها الشيخ مصطفى عبدالرازق. 

■ وكيف كانت مسيرته منذ عودته من أوروبا؟

- عمل الشيخ مصطفى عبدالرازق خارج الأزهر، فبدأ أستاذًا للفلسفة الإسلامية بكلية الآداب جامعة القاهرة بعد عودته من الدراسة والعمل فى أوروبا، وكان أول شيخ أزهرى يتولى وزارة الأوقاف، وتولاها تسع مرات متتالية مع تسع حكومات متوالية.

وتولى مشيخة الأزهر بعد الشيخ المراغى، فى ٢٢ أغسطس سنة ١٩٤٥، على خلاف القانون الذى ينص على أن يكون شيخ الأزهر من هيئة كبار العلماء، ولم يكن الشيخ مصطفى عضوًا بها، وقدم الشيخ مأمون الشناوى، وكيل الأزهر حينها، استقالته من منصبه احتجاجًا على تخطّيه فى الاختيار.

ودفع هذا وزارة «النقراشى» إلى تعديل قانون الأزهر، فألغت الشرط الخاص بعضوية هيئة كبار العلماء، وعدلت المادة التى تشترط التدريس لمدة ١٠ سنوات فى الأزهر لتصبح ٥ سنوات من التدريس فى الأزهر أو فى جامعة فؤاد الأول أو جامعة فاروق الأول، ووافق مجلس النواب بجلسة ١١ ديسمبر ١٩٤٥ على التعديل، وأسندت إلى مصطفى عبدالرازق مشيخة الأزهر فى ٢٧ ديسمبر ١٩٤٥ م. 

لم يستمر الشيخ مصطفى عبدالرازق فى مشيخة الأزهر سوى أشهر قليلة، فاضت بعدها رُوحه إلى بارئها.

■ ما الذى لاقاه خلال توليه هذه المهمة؟

- يروى الدكتور محمد البهى، وزير الأوقاف وشئون الأزهر «٢٩ سبتمبر ١٩٦٢- ٢٥ مارس ١٩٦٤»، فى مذكراته التى حملت عنوان: «حياتى فى رحاب الأزهر»، ما لاقاه الشيخ مصطفى عبدالرازق أثناء مشيخته للأزهر «ديسمبر ١٩٤٥- فبراير ١٩٤٧» من صعوبات ومعوقات من شيوخ أزهريين حرّضوا الطلاب ضده.

ويصل «البهى» فى سرده إلى دراما ما حدث للشيخ الجليل فى آخر يوم من حياته، قائلًا: 

ترأس الشيخ مصطفى عبدالرازق يوم وفاته اجتماع مجلس الأزهر الأعلى، وكنت أنتظره فى مكتبه بناء على طلبه لحين الانتهاء من الاجتماع، فلما انتهى الاجتماع ودخل المكتب رأيته منفعلًا وغاضبًا، وقلما كان يغضب، فسألته: «أحدث أمر غير عادى فى المجلس؟».

- فقال: «هيّا بنا إلى السيارة لأوصلك إلى المنزل فى طريقى»، وكنت أنا أسكن فى «العباسية الشرقية»، بينما هو يسكن فى «منشية البكرى»، بعد ذلك وأثناء الطريق ذكر لى أنه كان من بين الموضوعات المعروضة على مجلس الأزهر الأعلى: تعليم اللغة الإنجليزية فى معهد القاهرة على سبيل الإلزام، كتجربةٍ يمكن أن يتضح منها فيما بعد مدى استعداد طلاب الأزهر وهم كبار فى السن لتعلم اللغة الأجنبية. وهذا ما تصدى له الشيخ حسنين مخلوف، وكان بحكم وظيفته «مفتى الديار المصرية» عضوًا فى المجلس الأعلى للأزهر، ووصف قرار الشيخ بتعليم اللغة الإنجليزية فى الأزهر بأنه إضعاف للدين، تلك الحجة التى كانت ولا تزال هى الحجة فى مواجهة أى تغيير يطرأ على نظام الدراسة أو على الكتب الدراسية أو على المدرسين فى الأزهر.

غضب الشيخ مصطفى من اتهام الشيخ حسنين مخلوف، وواجهه بأن إضعاف الدين لا يكون أبدًا عن طريق أسرة «عبدالرازق»، ويكفى أن ينظر أى شخص فى آثار الجمعية الخيرية التى أنشأها الشيخ «عبده»، وقام على أمرها محمود باشا عبدالرازق، ليحكم عن صلة أسرة «عبدالرازق» بالإسلام، ومدى عنايتها به.

ويكمل «البهى»: «وصلت السيارة إلى منزلى فاستأذنت الشيخ، بعد أن وعدته بالذهاب إليه فى منشية البكرى فى السادسة من مساء اليوم نفسه، لكن من الأسف ما إن وصلتُ إلى منزله حتى علمتُ بالخبر المؤلم، وهو وفاته أثناء استراحته بعد الغداء على أثر أزمة قلبية حادة، هكذا كانت وفاته بسبب بعض الشيوخ».

■ وماذا عن الشيخ عبدالمتعال الصعيدى؟

- جمع الشيخ محمد مصطفى المراغى، الشيخ محمود شلتوت القادم من الإسكندرية، بالشيخ عبدالمتعال الصعيدى القادم من طنطا، ورغم أنهما حصلا على شهادة العالمية فى العام نفسه سنة ١٩١٨، واصطفّا خلف سعد زغلول فى ثورة ١٩١٩، لم يتعارفا إلا عبر الشيخ المراغى. 

الشيخ عبدالمتعال الصعيدى أحد أهم إصلاحيى الأزهر، تعرّض للعديد من المحن لمواقفه الإصلاحية، أشهرها محنته الأولى، عندما نشر كتابه: «نقد نظام التعليم الحديث فى الأزهر»، منتقدًا نظام العالمية الجديد «الإجازة العالية» لما فيه من تكرار لسلبيات النظام القديم ومن إهمال التخصص فى العلوم، واقتصار كتبه على مُتون غامضة معقدة تدور حولها الحواشى والشروح، واعتماده على طريقة تقليدية تلقينية فى التدريس، لا تعنى بتربية ملكة الفهم والنقد، وتفتقد التدرّج، فتأخذ المبتدئين بما تأخذ به المنتهين.

ودعا إلى تعليم اللغات، وإرسال بعثات إلى أوروبا، وإنشاء نادٍ ومجلةٍ للأزهر، وإنشاء مجمع علمى ولجنة تأليف، ومطبعة، فقامت الدنيا ولم تقعد، وأُحيل للتحقيق الذى أوصى بعزله من المعاهد الدينية، إلا أن العقوبة خُففت إلى خصم خمسة عشر يومًا من راتبه.

وكانت محنة الشيخ الصعيدى الثانية عندما نَشَر عدة مقالات فى جريدة «السياسة» الأسبوعية يدعو فيها إلى تطوير فقه الحدود، داعيًا إلى الأخذ بقول الإمام ابن حزم فى «جعْل المرتد يستتاب حتى موته، فليس عليه حدّ»، وأن «حدىّ الزنا والسرقة للإباحة لا للوجوب»، فاتهم بالدعوة إلى «هدم الحدود»، وشُكلت لجنة للتحقيق معه انتهت إلى صدور قرار الشيخ المراغى بحرمانه من الترقية لمدة خمس سنوات، ونقله إلى القسم العام فى طنطا. 

وتحدث «الصعيدى» عن الواقعة فى كتابه «المجددون» قائلًا: «كان الشيخ المراغى أقرب إلى أستاذه الشيخ محمد عبده، إلا أنه كان يميل إلى ملاينة الرجعية، وكان لهذا أثره معى فى رأيى فى أنّ كلًا من القطع فى السرقة والرجم فى الزنا إنّما هو أقصى عقوبة فيهما، كما أن القتل أقصى عقوبة فى حد الحرابة، وبهذا يمكننا أن نحقق فى ذلك بما يلائم زماننا، ونذلل أكبر عقبة تعترض العمل بشريعتنا فى عصرنا، فآثر أن يُرضى الرجعية بعقابٍ هدأت به، وإن كان أقل من العقاب الذى كانت تريده لى، وتناسى أن رأيى فى صميم التجديد والإصلاح».

وأجريت حصْرًا لكل ما كتبه الشيخ عبدالمتعال الصعيدى الذى ثابر أكثر من غيره من الإصلاحيين على البحث والتأليف، خاصة أنّه ترك العمل بالأزهر، فأحال نفسه للتقاعد وتفرّغ للتأليف، فألّف ثمانين كتابًا فى اللغة والمنطق والفقه والتاريخ، إلى جانب العديد من المقالات فى «الرسالة» و«البلاغ الأسبوعى» و«الأخبار» و«لواء الإسلام» و«السياسية»، وغيرها من مؤلفاته.

وكان الشيخ عبدالمتعال الصعيدى قد أوصى بأن تذهب مكتبته ومخطوطات مؤلفاته إلى الأزهر، وهذا ما حدث فعلًا، إلا أنه لم تُحقق حتى الآن مؤلفاته المخطوطة، ولم يعد الأزهر طباعة مؤلفاته، وهنا أتمنى من وزارة الثقافة أن تُخرج الأعمال الكاملة للشيخ عبدالمتعال الصعيدى خاصة المخطوط منها، وقد أوشكت على الانتهاء من التحقيق والتدقيق لمخطوطاته فى جوانب اللغة والأدب والتاريخ، وأتمنى أن تخرج ضمن مشروع معرفى كبير يُقدّم نتاج الإصلاحيين بالصورة اللائقة بها.

رؤية خاصة   

بعد عرض أبرز المحطات فى حياة أئمة الإصلاح الخمسة فى الأزهر الشريف، قدّم الدكتور عبدالباسط هيكل رؤيته الخاصة بشأن تجديد الخطاب الدينى، مستفيدًا من اطلاعه على حياة رواد هذا التجديد التى عرض تفاصيلها على مدار الحلقات الثلاث فى حواره مع «الدستور»، إلى جانب كونه واحدًا من أهم الباحثين الجادين فى هذا الموضوع.

وعى المجتمع هو الضمان الحقيقى لتجديد الخطاب الدينى

التجديد ما زال محصورًا فى شكل بروتوكولى بالمحافل دون ممارسات حقيقية

الخطاب الدينى انتزع قداسة مغلوطة تشعرنا بالحرج عند إخضاعه للبحث النقدى

علينا مواجهة توظيف الدين الذى تُمارسه الجماعات لتبدو مدافعة عن الإسلام

■ ما رأيكم فى الجهود المبذولة لتجديد الخطاب الدينى؟ وكيف تكون البداية؟

- ما زال تجديد الخطاب الدينى المؤسسى محصورًا فى شكل بروتوكولى فى المحافل، حيث تنطلق الكلمات البليغة الرنانة من أعلى المنصات كرد فعل لخطاب الجماعات، وينتهى التجديد بانتهاء الفعالية الإنشائية أمام الكاميرات الإعلامية، دون ممارسات حقيقية لتجديد الخطاب.

وهذا الخطاب أُصيب بجمود نتيجة التباس مفهوم «الخطاب الدينى» غير المقدس بـ«النص المقدس»، فانتزع الخطاب قداسة مغلوطة تشعرنا بالحرج عند إخضاعه لمنهج البحث النقدى، وأصبحنا لا نقترب من خطابنا الدينى إلا لاختصار شرح أو لإيجاز مُفصَّل أو للتوفيق بين المستجدات وأقوال القدامى من علماء التراث، دون أى محاولة نقدية لتفكيك وتحليل تلك الخطابات بوصفها رسائل لغوية وفهمًا بشريًا للنص الدينى.

لذا البداية تكون بالاعتراف بوجود مشكلة فى الخطاب الدينى حتى نفكر فى الحل، الذى يبدأ من رصد الإشكاليات التى تعوق انطلاق عمليات التجديد، وأهمها قراءة كتب التراث قراءة انتقائية مُردِّدة غير مُناقِشة، وترسيخ الأحادية والتعميم والاختزال، وتداخل المفاهيم وغياب المنهجية وضعف التوجه العقلى.

ولا بديل عن قبول تعددية تُخرجنا من حالة المساجلة والمغالبة والإقصاء المستمر لخطابات أخرى حاضرة فينا، وإن زعمنا غيابها أو تغييبها بما يستنزف طاقاتنا، ويضعف من محاولات التعايش بيننا.

■ ما المقصود بالتجديد وكيف يتحقق؟

- من المعروف فى مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية أن كثرة استعمال مفهوم ما لا يُفيد بالضرورة وضوح معناه أو الاتفاق حول مجالات استعماله، وهذا ما ينطبق على تجديد الخطاب الدينى، فالتجديد كغيره من مفاهيم الخطاب الدينى لم يسلم من حالة الخلط واللبس التى تُصيب الأمم فى أطوار تراجعها الحضارى، فالمفاهيم لا تقف عند زمن بعينه بل تتحرك مع العقل الذى ينبغى أن يكون فى حالة حراك دائم، فإذا أُصيب العقل بسكون فكرى تداخلت المفاهيم وتعذّر إنتاج المعرفة.

التجديد يتنازعه طرفان، الأول منهما يرى التجديد مصدره عرفانى يُلقى إلهامًا وكرامة وفتحًا للمغاليق، يقوم به غالبًا الداعية أو الفقيه أو المحدّث أو الشيخ، فالمُجدّد فى هذا التصور أقرب إلى المُخلِّص الذى عاش الإنسان الأول فى قبائله أو جماعاته البدائية ينتظر قدومه، لينوب عنه فى تغيير واقعه والاحتماء خلفه من ظواهر الطبيعة.

الطرف الثانى التجديد عنده لا يأتى على نحو مفاجئ على رأس المائة عام، فيؤول الخير الذى يعتمد عليه الطرف الأول، ويرى التجديد فعلًا مستمرًا نابعًا من عقلانية نقدية مبدعة، فهو نتاج حالة من التفاعل الجمعى مع هموم الحاضر بسياقاته التاريخية والاجتماعية والسياسية والفكرية، وفى مقدمتها: مواجهة التوظيف النفعى للدين الذى تمارسه الجماعات الدينية فى محاولاتها المستمرة فى تقديم نفسها بوصفها المدافع عن الإسلام، فالإصلاحيون ينظرون إلى التجديد بوصفه عملية تراكمية متواصلة.

التجديد مصدره عند الإصلاحى حالة من التفكير المستمر، يشارك النخبة فيه العامة لإحداث عملية تراكمية من الإصلاح. الخلاصة أن التجديد هو التجدد المستمر لفهم المجتمع للدين، فى ظل مستجدات حياتية تتأثر بالظروف الزمانية والمكانية.

■ ما الضمانة لاستمراريته؟

- وعى المجتمع، وليس السلطة السياسية هو الضمانة الحقيقية لقبول واستمرارية التجديد، وعى يُحرّض المجتمع على التوقف عن التسليم للخطاب العاطفى الذى يستهدف تحريك الانفعالات، وإسكات صوت العقل، وعى يدفع المجتمع إلى تبَنّى الآراء المنسجمة مع العقل، ولا تخالف قطعى الدلالة من الوحى، ويرى فى احتمالى الدلالة منه مجالًا للاجتهاد والفكر، فما كُتب فيه ليس مقدسًا، فيحرك فينا أقوى محرك للتجديد من حرية طرح السؤال وعلانية البحث فى الافتراضات.

الرئيس السيسى مثلًا يُدرك جيدًا خطورة الحالة التى وصلنا إليها نتيجة الجمود والانغلاق، ما كان له أثره فى ظاهرة الإرهاب والإلحاد وغيرهما من المشكلات الاجتماعية والفكرية، وهذا يجعل التجديد مطلبًا ملحًا، فقانون الفكر هو التجديد، وعندما يُسيطر التقليد الذى هو عين «الترديد» والتكرار لما سبق قوله، الذى يحدث أن الفكر الدينى ينفصل عن حركة الحياة التى تمضى سريعًا فى حركة تغيّرها لا تبالى بعجز الفكر الدينى عن متابعتها، فضلًا عن قيادتها وترشيد اتجاه حركة التغيير فيها.

على سبيل المثال، الشيخ محمد عبده منذ نحو مائة سنة ومن بعده الشيخ محمد مصطفى المراغى، بعد تجربتهما مع القضاء، وجدا أن أخلاقيات المجتمع تستوجب إصلاحات تشريعية، وهذا ما رفضه غالبية الشيوخ حينها، منها مسألة الطلاق الشفهى التى طرحها الرئيس السيسى من واقع ما توافر لديه من إحصائيات تشير إلى تغيرات مجتمعية تحتاج إلى أن يرشدها التشريع وليس الخطاب الوعظى فحسب.

الرئيس السيسى يريد من الأزهر أن يؤدى دوره فى تلك اللحظة التاريخية المتمثلة فى إصلاح الخطاب الدينى حتى يواكب العصر، ويكشف عن زيف دعاوى التطرف، وقد استجاب الأزهر الشريف فأنشأ «اللجنة العليا لإصلاح التعليم قبل الجامعى»، و«لجنة إعداد وتطوير المناهج قبل الجامعية»، التى أعادت النظر فى مناهج التعليم الإعدادى والثانوى الأزهرى، وحذفت ما لا يتناسب مع العصر الحالى، ما كان وجوده سببًا لحملات إعلامية ضد مناهج الأزهر، كذلك أطلق الأزهر عدة مبادرات بالتنسيق مع عدد من الوزارات، منها مبادرة «الأزهر يجمعنا» بالتعاون مع وزارة الشباب والرياضة التى وصلت إلى ١١٦٩ مركزًا من مراكز الشباب فى مصر، للتحذير من مخاطر التطرف.

كما أنشأ الأزهر أكاديمية لتدريب الأئمة والوعاظ، وأنشأ مرصد الأزهر باللغات الأجنبية، وسبق هذا تأسيس المنظمة العالمية لخريجى الأزهر ٢٠٠٧، التى تحوّلت إلى منظمة دولية غير حكومية ٢٠١٢، لها فروع فى مختلف دول العالم، بعد أن نالت الصفة الاستشارية من هيئة الأمم المتحدة.

وبالرغم من إطلاق المبادرات وعقد المؤتمرات وتأسيس المؤسسات لمواجهة التطرف، تظل تلك الجهود لم ترق بعد إلى المأمول، فما زال هناك الكثير من الإشكاليات الفكرية التى تُضعف من قدرة المؤسسات الدينية على مواجهة التطرف، من أخطرها أن جانبًا من أبناء المؤسسات الدينية ليس عنده قناعة بفكرة التجديد، فيرى بعضهم أنه لا حاجة إلى التجديد، ويرى البعض الآخر أن التجديد ينبغى أن ينحصر فى ميدان الاجتهاد الفقهى، فكثير من أبناء المؤسسات الدينية فى نفوسهم ريبة من التجديد والداعين إليه، والتشكيك فى نوايا الإصلاحيين لم يسلم منه فى تاريخنا رموز علمية أمثال الشيخ رفاعة الطهطاوى والشيخ محمد عبده، ورموز سياسية مثل الرئيس الراحل جمال عبدالناصر صاحب أهم إصلاحات داخل الأزهر الشريف.

■ ألاحظ أنك تستخدم كثيرًا كلمة «الإصلاح» وليس التجديد، فهل نحن فى حاجة إلى «تجديد» الخطاب أم «إصلاحه»؟ وما الفارق بينهما؟

- «التجديد» يفترض وجود مسار إصلاحى قوى يعتريه بعض القصور الذى يحتاج منا إلى «تجديد»، ونحن للأسف لم نقم بهذا بعد.. فكثير منا يُخاصم الفكر الإصلاحى، لذا ما زال المسار الإصلاحى الذى بدأه محمد عبده منذ قرن فى مكانه يُناقش القضايا نفسها.

 

تاريخ الخبر: 2022-08-28 00:21:18
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 50%
الأهمية: 60%

آخر الأخبار حول العالم

موظفو جماعة أولاد عياد يصعدون ضد الرئيس بسبب الإقتطاع

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-09 15:26:56
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 50%

حموشي يُشارك في ذكرى تأسيس الشرطة الإسبانية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-09 15:26:50
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 66%

موظفو جماعة أولاد عياد يصعدون ضد الرئيس بسبب الإقتطاع

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-09 15:26:55
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 50%

حكيمي في التشكيلة المثالية لإياب نصف نهائي دوري أبطال أوربا

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-09 15:26:09
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 66%

حموشي يُشارك في ذكرى تأسيس الشرطة الإسبانية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-09 15:26:52
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 65%

حكيمي في التشكيلة المثالية لإياب نصف نهائي دوري أبطال أوربا

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-09 15:26:15
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 63%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية