كارثة السيول وكوارث العقول


 

كارثة السيول وكوارث العقول

خالد فضل

ليرحم الله د. منصور خالد ؛ فقد كتب وأعطى ولم يستبق شيئا , ومن ذلك مقولته الرائجة تعليقا على اقتراح لأحد جهابذة الإقتصاد من حملة الدكتوراة الإنقاذيين , عندما وقف في أحد مؤتمراتهم التي كانوا يعقدونها على سبيل ذر الرماد في العيون , طالب ذلكم الدكتور بالإستعانة بـ (الجن) لملء خزائن دولتهم بالمال أو كما قال , تعليق د. منصور جاء تهكميا ( ما علمنا في السودان مجنّة , لكنه الجنون الذي اعترى العقول ).

تذكرت تلك المقولة عندما قال الثائر مني أركو مناوي إنّ سبب السيول العارمة التي ضربت مناطق واسعة وأغرقت قرى بأكملها في منطقة المناقل بغرب الجزيرة , سببها هو لجنة إزالة التمكين التي صادرت آليات الشركات ! ما دريت أأضحك أم أبكي , والأخ مني يورط نفسه دوما بتصريحاته التي تثير السخرية وتوفر مادة خصبة للتندر والفكاهة , ولعل رثائي لحالة الرفيق مني تكمن في صلتي الشخصية غير المباشرة معه , إذ تربطني زمالة وصداقة قديمة بأخوية الأستاذين خميس وحسين , وهي علاقة جعلت منه بمثابة الأخ الأصغر بالنسبة لي , أما وقد اختار دوما الوقوف في الصف الأضعف من وجه الحقائق فهذا شأنه , خاصة وأنه يمثل شخصية عامة لا مجال في تقويم وتقييم أدائه للمجاملة الأخوية والعلاقات الشخصية , فما أضر بالسودان شيئا مثل ضرر المجاملات والسكوت على مضض , بيد أني وفي ذات سياق الربط غير الموضوعي بين الأشياء أذكر طرفة  قالها مهندس ( يرحمه الله) كنا جيران بمنطقة 24القرشي , وفي عام المجاعة  في متصف ثمانينات القرن المنصرم , قال بكل هدوء ( تعرفوا غلاة العيش السنة دي حرمت الناس من الإستمتاع بموسم وفرة الطماطم ) ضحكنا وسألناه : كيف؟ أجاب بكل عفوية لأن أحسن وجبة يأكلها الزول هي شيطة كسرة معجونة كدة في حبايات طماطم . ضحكنا لهذه المعادلة الهندسية البارعة ! وصارت طرفة نتداولها نحن حضور تلك الونسة .

من سوء حظ أخينا مناوي أنّ انبرى للرد عليه محام بارع وثائر لا يزايدن على نضاله أحد هو الأستاذ وجدي صالح الناطق الرسمي باسم اللجنة التي استهدفها البرهان بالتجمييد كاستجابة للإستهداف المنظم الذي قاده ضدها فلول النظام المباد _ المبعوث من تحت ركام الفساد_ اللجنة تلك لم تك مبرأة من كل نقيصة بالطبع ولكنها لم تك شرّا مطلقا كما صورها إعلام القطط السمان وأعوان الفساد , وأكاد أجزم بأنها كانت واحدة من أفضل آليات فترة الإنتقال _ رقم النواقص _ ولهذا كان استهدافها واضحا لدرجة أن بروفة الإنقلاب التي نفذها السيد الناظر ترك في الشرق كانت تستهدف هذه اللجنة بالتحديد , فقد كانت من أهم مطالبه لفك حصار وتتريس ميناء بورتسودان أن تلجم لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989م , تلك كانت شهادة لصالح اللجنة مثلما قال الشاعر عن ( المذمة من ناقص) المهم أخونا مناوي ينسج على ذات النول , ولكن الأستاذ وجدي قدم إفادة محترمة عن وقائع تفكيك الفساد في مشروع الجزيرة , وقد اطلعت بنفسي على تقرير صادر عن البنك الزراعي فرع ود مدني زهاء العام 2017 أو 18 , يشير بوضوح إلى مسألة عدم استرداد مديونية الآليات التي مولها لصالح بضع عشرة شركة , أعرف شخصيا بعض ملاكها ممن امتلكوا الآليات الثقيلة التي تم بيعها في مزاد مشهور بمدينة الحصاحيصا , تقرير البنك الزراعي حدد أرقام المديونيات وعدد الأليات ونوعها لكل شركة من تلك الشركات المحظية بالمال العام السائب في عهد التمكين , وأذكر أن شركتين فقط قامتا بتسديد ما عليهما من مديونيات للبنك أما البقية فمنها من لم يسدد أساسا أي مبلغ , وكل ذنب لجنة إزالة التمكين هو استعادتها لتلك الآليات من تلك الشركات الوهمية وأعادتها لوضعها الطبعي بحوزة وزارة المالية وإدارة مشروع الجزيرة , فكيف يأتي السيد مناوي ليقول إنّ إعادة الآليات لموقعها الطبعي , وأيلولتها للجهة الحكومية المسؤولة عنها هو السبب في غرق مناطق غرب الجزيرة , اللهم إلا وفق معادلة ( غلاء العيش وموسم الطماطم ) أليس هذا الموقف من الثائر مناوي مما يستحق التعاطف معه حقا , ونصرته ظالما هذه المرة برده عن الظلم , ولعل الأستاذ وجدي قد أوفى الموضوع حقه من إبانة وصحة وقائع , فهل يمتلك مناوي الشجاعة ليعترف بقصوره في المعلومات على الأقل , دون أن نتهمه بالطبع بممالاة الفلول والسير على وقع خطاهم البائسة في سبيل عودتهم للتمكين , ولعل السيد مناوي يعرف جيدا أن الكيزان هم أنفسهم من وقع معهم الإتفاق وحولوه إلى مساعد (حلة) بمسمى مساعد الرئيس ! ويعرف أن الثورة الشبابية والدماء والأرواح الغالية في دارفور والجزيرة والخرطوم وكل بقاع السودان هي من نصبته حاكما على إقليم دارفور , فأين هو من وقائع كوارث الطبيعة وقبلها كوارث الإنقلاب ؟

لقد جرب السيد مناوي طرح خطاب المظلومية فما أجدى , وها هو يجرب خطاب الأباطيل واللهوجة في الأحكام فيلجم في كل تصريح حجارة من حقائق ووقائع , غير ما يناله من سخرية منصات التواصل الإجتماعي والسوشيال ميديا , فهلا انتبه ذاك الأخ وقدر لرجله قبل ( المركوب المسروق) موقعها !!

 

تاريخ الخبر: 2022-08-28 09:22:42
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 46%
الأهمية: 69%

آخر الأخبار حول العالم

لطيفة رأفت أمام قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-13 21:26:04
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 61%

لطيفة رأفت أمام قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-13 21:26:10
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 61%

العثور على باندا عملاقة نادرة في شمال غرب الصين

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-13 21:25:50
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 59%

العثور على باندا عملاقة نادرة في شمال غرب الصين

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-13 21:25:55
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 57%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية