أمل محمد الحسن

كان احساسا عصيا على الوصف! سعادة غامرة حتى أنني لم اتمكن من السيطرى على يدي ومنعها من الارتجاف وأنا أمسك قوائم المرشحين بيدي وأهم بمنح صوتي. انتخابات نقابة الصحفيين السودانيين التي انطلقت السبت الموافق 27 اغسطس للعام 2022 وأعلنت فوز الصحفي عبد المنعم أبو ادريس نقيبا للصحفيين؛ هي أول انتخابات اشارك بها حرفيا في مجال العمل الصحفي الذي أعمل فيه لأكثر من عقد من الزمان!
لا املك ادنى فكرة عن كيفية اختيار رئيس اتحاد الصحفيين السودانيين سابقا؛ كان امرا لا يعنيني البتة، كأنه جسما يتبع لدولة ما في قارة أخرى! كل الانتخابات التي مرت في حياتنا أيام الانقاذ كانت مزيفة؛ غير واقعية ولا تمثلني على الإطلاق.
وأنا أشارك في عملية التصويت؛ تذكرت أول عملية تصويت شاركت فيها بهمة وأنا طالبة في المرحلة الثانوية لاختيار ممثلين لاتحاد الطلاب، ولدهشتي وزميلاتي لم يتم الاعلان عن صوت واحد فقط للطالبة صاحبة الشعبية الأعلى في الصف، ريم السماني!
قمنا بالاحتجاج، ثم حملنا الحماس للصراخ ثم طرد ممثلي الاتحاد ممن قاموا بعملية فرز الأصوات من داخل الصف؛ وتمت معاقبة الجميع بالحبس حتى نهاية اليوم!
حرفيا اغلقوا علينا باب الصف بقفل سميك ولم يخرجونا الا بعد غياب الشمس! وفازت الطالبة (الكوزة) بالانتخابات؛ تلك التي لم تمنحها اي واحدة من طالبات صفنا صوتها! كان هذا درسا كافيا وشافيا لعدم المشاركة في اي انتخابات يعدها الكيزان لأن النتيجة كانت معلومة ومحسومة ومعدة مسبقا بصورة دائمة وغبية الآخراج!
مرت كل تلك الذكريات بصورة عجيبة وأنا أنظر لجموع الصحفيين والصحفيات وهم يضجون بالفرح داخل دار المهندس ويقفون في صف طويل بسعادة غامرة ليدلوا باصواتهم/هن لتشكيل نقابة مهنية يكون همها اخراج الصحافة من (محنتها) كما وصفها استاذ الاعلام محمود قلندر في كتابه بعنوان: (مهنة في محنة)!
الصحافة لم تكن استثناء في عهد الانقاذ، طالها ذات الخراب الذي لحق جميع المؤسسات بالدولة، بل طالها ذات الخراب الذي استشرى في النواحي الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
لكن الخراب الذي طال الاجهزة الإعلامية والصحفية كان الاسوأ، ليس مقارنة مع بقية المؤسسات؛ انما لأهمية المهنة كونها السلطة الرابعة، الرقيبة على السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية.
كونها صوت المهمشين والفقراء ومسلوبي الحقوق، المقتولين واصحاب القرى المحروقة والمرارات العظيمة، اخرسوا؛ وأخرس صوتهم البديل!
كان خراب الصحافة بوجود (المطبلين) وتنامي المتسلقين الآكلين فتات موائد المسؤولين، ممكن تحملهم الطائرات وتستقبلهم الصالات ويضعوا اقلامهم تحت أقدام من يدفع أكثر او يمنح الأراضي والمنازل والعقود!
وانتعشت صحافة (الظروف)! يخف ويثقل حسب ما يملك الكاتب/ة من شعبية وقدر ما يملك من مهارة في تزييف الكلام وتغييب الوعي وتجهيل الناس وقدر ما يملك من مهارات في اغتيال شخصيات الخصوم!
عانت الصحافة كثيرا في عهد الانقاذ ولازالت تعاني بسبب التغييرات الاقتصادية والتكنولوجية والمعرفية وتحديات الوسائط الاجتماعية إلى جانب الانتكاسة السياسية الخطيرة التي تسبب فيها انقلاب العسكر على السلطة الدستورية الشرعية في ال 25 من اكتوبر الماضي.
وعادت بنا دورة السقوط تارة بين يدي العسكر وأخرى بين يدي الدعم السريع؛ مطبلين ومهللين لهؤلاء من جهة؛ ولاعنين للانتقالية والأحزاب من جهة أخرى، ولا اتوقع أن تسلم من تلك الألسنة ال(مكرية) انتخابات النقابة. فأي فعل يسير بالحياة في بلادنا إلى بيئة صحية ديمقراطية لن يعجب من تعودوا على الحياة في البرك الآسنة!
الحمد لله الذي مد في عمري لأشارك في هذا الحدث التاريخي، في هذه الخطوة المباركة نحو تحول ديمقراطي، واصلاح وتطوير، هل سيأتي اليوم الذي أذهب فيه لمركز الاقتراع لأمنح صوتي لمن أراه يستحق أن يكون رئيسا لبلادي؟ ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل..