بلاد تغتال أحلام «الموتى»


الكادحون في هذه البلاد ممن صعبت عليهم أسباب الحياة في بلاد مترامية الأطراف، مليئة الخيرات؛ تحولت أمانيهم إلى شبر من أرض بلادهم؛ يرقدون فيه رقدتهم النهائية التي تزيح عن كاهلهم عبء مصارعة العيش وتنهي شعورهم المتعاظم بالظلم، وهو طعمه أمر من العلقم لو تعلمون!

أمل محمد الحسن

لا أعرف كيف يمكن أن أقول لهؤلاء إن أحلامكم بقبر في هذه البلاد أضحت من الأمنيات صعبة المنال! كيف لا وكل من يلقى حتفه بعيدا عن يد ذويه يلقى به في مشرحة تتحلل فيها جثته وتتعفن، وتنقطع الكهرباء عن الثلاجة التي توضع بها وقد تمر فئران الحي وتتغذى على جسده، فلا هو سلم من البطش والقتل والاخفاء القسري أو الاهمال حتى تتحول للقمة سائغة في أفواه (الجقور)!

تلك اللئيمة التي لا تتوانى عن حمل كل سقطات الأنظمة؛ من هدم الجسور إلى أكل الجثامين التي لم تجد قبورا تستر عورتها!!

أيها البائس؛ ليس هذا وحسب ما يمكن أن يحدث لك، هل تعلم بأن هويتك يمكن أن تضيع أيضا أيها المسكين الملقي في مشارح هذه البلاد!! هؤلاء قد يستكثرون عليك حصولك على رقم خاص بك! كأن الأرقام صارت ب”قروش”!

هذا وقد خرج علينا النائب العام بقرار يطالب فيه بالتحقيق في قصة الجثمان صاحب الرقم (103).

وحقيقة قصة هذا الجثمان، أن هناك ميتان (يرحمهما الله) يحملان ذات الرقم! الأول اثبتت نتيجة التشريح وجود شبهة جنائية في وفاته، وتم دفنه بعد كتابة التقرير عنه وعدم معرفة ذويه أو التحقيق في مرتكب جريمة قتله!

ربما يكون شخصاً تم إخفاؤه قسريا، وربما يكون شخصا تم قتله بعد سرقته أو بالخطأ، أو أو.. هي سلسلة من الاحتمالات اللانهائية جعلته يتحول لرقم، وربما أهله في مكان ما من هذا السودان العريض يعيشون على أمل عودته يوما ما.

تحول المسكين لرقم، لكن حتى الرقم لم يهنأ بأن يتم تخصيصه له لوحده دون شريك! ونُفاجأ بوجود جثمان آخر يحمل الرقم 103 أيضا، كيف حدث ذلك؟ لا أحد يعلم!

ربما كان صاحبي الرقم 103 من مفقودي القيادة العامة أو بعدها، لا أحد يعلم لأنه لا أحد بذل مجهودا كافيا لإحقاق الحق وإرجاع الحقوق وإكرام الموتى بتعجيل دفنهم كما جاء في الأثر.

أما الشهيد محمد إسماعيل الشهير بود عكر فقد كان محظوظا باشتباه أحد العاملين في المشرحة في هويته، لكن الأمر ليس بتلك البساطة، فقد تقدم تقريرين من الطب العدلي؛ الأول يقول بتعذر التعرف على أسباب الوفاة، والثاني يؤكد وجود شبهة جنائية في قتله ويدفن المناضل دون أن يتوصل ذويه إلى قاتل ابنهم.

والآن يطالب النائب العام بعد مرور أكثر من عام على البحث في أي التقريرين أصح!! ولم العجلة؟ فالرجل مات ودفن فلتذهب لجنة وتأتي أخرى ولن يضير الانتظار أحد!

هكذا تدار ملفات العدالة في بلادنا!

والخوف من قرارات اللجنة الجديدة، هل يا ترى تقرر أنها لن تتمكن من البت في أمرها إلا بنبش الجثمان وإعادة تشريحه!! هل سيجدي الأمر؟

ويطوف في ذهني سؤال ملح حول وضع تلك اللجان التي تكتب لا يوجد سبب جنائي، تعذر الوصول لسبب الوفاة، هناك شبهة جنائية!! ما هي المعايير التي تتعامل بها لجان الطب العدلي؟ هل تخضع هي للمحاسبة؟ هل هناك من يقاضيها إن كتبت تقريرا ينافي الواقع؟

مع جملة القرارات التي أصدرها النائب العام، هناك قرارا يأمر بدفن الجثامين المكدسة في المشارح، بالتنسيق مع لجنة المفقودين وذوي الضحايا وتؤكد النيابة دخول القرار حيز التنفيذ بينما تؤكد لجنة المفقودين عدم تلقيها أي خطاب من النيابة العامة حول الأمر، فهل سيتم التنفيذ بدون تطبيق المعايير الدولية موضع التخصص والتي تطالب باستيفاء عدد من الشروط وفيها التشريح والتصوير وأخذ عينة من ال دي ان اي الخاص بالمتوفى مجهول الهوية، وأن يكون هناك ملفا يحمل رقمه وقبر يحمل ذات الرقم ربما في يوم من الأيام يجده ذويه وان كان مجرد ملف!

فهل يا ترى يمكن أن يكلف الطب العدلي والنيابة العامة (ولية من لا ولي له) توفير الرفاهية الكاملة للموتى بمنحهم رقما خاصا بهم!

هل بدأ تنفيذ قرار النائب العام بدون الرجوع لمن تضمن الأمر ضرورة استصحابهم في تنفيذه؟

 

بالعودة للجنة المفقودين التي وضع النائب العام مشورتها إحدى مطلوبات دفن الجثامين، أين هي تلك اللجنة الآن؟ يبدو أنها تم وضعها على أحد أرفف النيابة العامة بعد أسبوعين فقط من استقالة مولانا تاج السر الحبر، وتم تكليف لجنة موازية تتابع أمر المشارح والحال كما هو ويزداد سوءا منذ أكثر من عام!

لجنة المفقودين لم يحلها أي من النائبين العامين اللذين خلفا الحبر، لكنها في ذات الوقت لا تباشر مهامها!

يا أهل الطب العدلي، ويا حضرة النائب العام، إكرام الموتى دفنهم بلا طمس للحقائق والهويات ووجوب استيفاء كافة الشروط والمعايير الدولية تلك التي تحفظ حقوق الناس غض النظر عن وضع ونوع النظام الحاكم، حتى لا تضيع حقوق الموتى كما تضيع حقوق الأحياء في هذي البلاد التي لم تقو طوال حياتها العيش في نظام ديمقراطي يحافظ على كرامة الإنسان حيا أو ميتا!

تاريخ الخبر: 2022-08-31 21:24:59
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 46%
الأهمية: 60%

آخر الأخبار حول العالم

سانشيز يتراجع عن قرار الاستقالة ويقرر البقاء في منصبه

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 15:26:37
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 50%

الشعباني: "سنواجه فريقا متمرسا في نهائي الكونفدرالية"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 15:27:20
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 57%

الشعباني: "سنواجه فريقا متمرسا في نهائي الكونفدرالية"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 15:27:21
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 60%

سانشيز يتراجع عن قرار الاستقالة ويقرر البقاء في منصبه

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 15:26:31
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 53%

رئيس ريال مدريد يهاتف مبابي عقب التتويج بالدوري الفرنسي

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 15:26:13
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 63%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية