الارتقاء بمشروعنا في مرحلة التحول


يعيش العالم مرحلة تحول ما بين نظام عالمي لم يعد قادر على التعامل مع المتغيرات التي طرأت على العالم في السنوات الاخيرة وما بين نظام عالمي جديد لم يتشكل بعد ولا نعرف ملامحة ولكننا بدون شك نمر في مرحلة التحول الصعبة.

بعض الدول ادركت المرحلة التحولية واختارت ان تكون فاعلة فيها ولا تنتظر ما سيستقر عليه شكل النظام العالمي لكي تتعامل معه لاحقا كردة فعل، والبعض الاخر فضل لعبة الانتظار الى ان يستقر شكل النظام العالمي ومن هم الفاعلين فيه لكي تعمل وفق معطياته الجديدة.

ومن هذه الدول التي قررت ان تكون فاعلة في تشكيل النظام العالمي الجديد هم امريكا ومشروع ادارة بايدن هو تقسيم العالم لمعسكرين يضم دول ديموقراطية (بحسب تصنيفهم ومعاييرهم!) ودول سلطوية (ايضا بحسب تصنيفهم وتقييمهم!). وهذا المشروع لم يجد من يلتف حوله بعد بل على العكس ولد من غير أرجل كما يقال وحتى القمة الديموقراطية “Summit for Democracy” التي دعى لها بايدن في ديسمبر ٢٠٢١ "لتجديد الديموقراطية محليا ومواجهة الانظمة الاستبدادية خارجيا" كما وصفت حصدت من الانتقادات بسبب انفرادهم بتصنيف الدول وعدم دعوة دول اخرى اكثر مما حصدت من دعم او اشادة وخرج العالم منها بمزيد من الانقسام بدل التقارب المطلوب في مرحلة عالمية شديدة الحساسية.

بينما سعت الصين منذ سنوات لتنفيذ مشروع طريق الحرير او "الحزام والطريق" وكذلك سعت مع روسيا ودول اخرى لتشكيل تحالف "بريكس"، وهذا كله قبل اندلاع المواجهات في اوكرانيا وما نتج عنها من انقسام خطير يهدد الاستقرار والسلم العالمي.

ولكن من أهم المشاريع التي طرحت ولم تحظى بالنقاش الكافي هو المشروع البريطاني الذي طرحته ليز تراس في يناير ٢٠٢٢ عندما كانت وزيرة خارجية بريطانيا اثناء زيارتها الرسمية لاستراليا وفي لقائها بمعهد لاوي حيث طرحت فكرة مشروع اسمته “Global Network of Liberty” "شبكة الحرية العالمية" كمشروع بديل عن مشروع D10 او Democratic 10 الذي حاول رئيس الوزراء البريطاني (المستقيل) تدشينه ٢٠٢١ عندما تولت بريطانيا رئاسة اجتماعات الG7 وفكرته كانت ببساطة - وعملا على المزاج الامريكي في مشروعها الديمقراطي - ان تتم توسعة دول السبعة الكبار لتضم استراليا والهند وكوريا الجنوبية في تحالف "ديموقراطي" لمواجهة الدول الاستبدادية والاستفادة من الامكانيات التكنولوجية للدول الاعضاء في تسريع تطورهم التكنولوجي وبالذات في مجال ال 5G وشبكات الامداد.

ولكن مشروع بوريس جونسون لم يكتب له النجاح بسبب اعتراض اليابان الشديد لاضافة كوريا الجنوبية وكذلك تحفظ كل من المانيا، فرنسا وايطاليا لفكرة المشروع التي تبدوا انها مصممة لمواجهة الصين.

انما ليز تراس المرشحة لمنصب رئاسة وزراء بريطانيا ومن المحتمل جدا ان تفوز بالمنصب (لم يعلن بعد عن خليفة بوريس جونسون وقت كتابة المقال) طرحت مشروع اكثر واقعية وقابلية للتطبيق وجدير بالاهتمام بسبب مرونته الكبيرة ومكاسبه المحتملة في حال طبق بشكل سليم.

فالمشروع يهدف لتشكيل شبكة عالمية من التحالفات بين بريطانيا والدول التي تسعى لتوسعة او بناء شبكة علاقات تجارية واقتصادية وتكون هذه "المصالح الاقتصادية" هي القاعدة المشتركة بينهم وكلٍ وفق "حريته" ومن هنا تأتي تسمية المشروع "بشبكة الحرية". وهذا المشروع شبيه الى حد ما بالمشروع والاسلوب الصيني الذي يهدف لتعزيز المصالح المشتركة مع عدم التدخل في حريات الدول بشأن اختياراتها، حيث يسمح المشروع بتوسعة المصالح لتشمل بالاضافة للاقتصاد والتجارة المصالح الامنية والعسكرية والاستراتيجية كافة من دون التخوف من فرض انظمة او خيارات او قيم الاخرين عليهم (ظاهريا على الاقل).

وبينما نذكر باختصار مشاريع بعض الدول التي تسعى لاقتناص لحظة التحول لتشكيل نظام عالمي في صالحهم ويخدم ويحمي ويعزز مصالحهم او على اقل تقدير استمرار الترتيبات الحالية، وبينما تقف كثير من الدول متفرجة في انتظار ما ستسفر عنه لحظة التحول، نجد انفسنا امام فرصة تاريخية مهمة لتشكيل مشروعنا الخاص "مشروع دول الاعتدال العربي" الذي يهدف لتعزيز دور الدولة الوطنية وحمايتها من التفكك والتدخلات الخارجية واضعاف دورها محليا ودوليا، مشروع يضع التنمية والتقدم والازدهار بما يخدم رفاهية شعوبها واستقرار منطقتها على رأس اولوياتها وتسخر كافة الموارد لهذه الاهداف في مقابل مشاريع تدمير وتخلف وتوسع تهدد السلم والاستقرار الدولي.

مشروع دول الاعتدال العربي قطع أشواط طويلة ويتم تعزيزه عبر زيارات القادة التشاورية المستمرة والتي تختصر المسافات وتزيل اي عراقيل تقف امام تحقيق اهدافهم النبيلة بما يعود بالخير على شعوب ودول المنطقة وبالتالي ينعكس بالخير على نظام عالمي ايجابي لا ينقص هذا المشروع سوى تحويله لمشروع رسمي يؤطر بعمل مؤسسي منظم ينقله من شكله الحالي الى هيكل اكثر ثبات وقوة ووضوح ويحظى بدعم شعبي يعزز مكاسبه ويخدم اهدافه.

تاريخ الخبر: 2022-09-05 21:19:24
المصدر: العربية - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 80%
الأهمية: 89%

آخر الأخبار حول العالم

بركة : مونديال 2030.. وضع خارطة طريق في مجال البنيات التحتية

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-03 03:24:53
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 64%

بوريطة يتباحث ببانجول مع نظيره المالي

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-03 03:24:56
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 55%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية