في ظل التضخم المرتفع والنمو الاقتصادي البطيء والصيف الطويل من النزاعات السياسية، يصعب على المستثمرين العالميين تفضيل الأصول البريطانية البائسة.
تحملت سندات الحكومة البريطانية والجنيه الاسترليني الأعباء، ما أدى إلى تنحية المخاوف بشأن المدى الذي يمكن أن يرتفع إليه التضخم. فقد توقع بنك جولدمان ساكس أن يتجاوز التضخم 20 في المائة العام المقبل إذا ظلت أسعار الطاقة مرتفعة، ما يجعل المملكة المتحدة نقطة الانطلاق للركود التضخمي - المزيج القبيح للتضخم المرتفع والركود الاقتصادي.
بعض التأثيرات القوية في أسواق المملكة المتحدة عالمية. لكن بالنسبة إلى كثير من المستثمرين، أدى عدم الوضوح بشأن خطط الحكومة للإنفاق والضرائب في مواجهة أزمة تكلفة المعيشة المتدهورة إلى تفاقم المشكلة.
قال أوليفر بلاك بورن، مدير صندوق في فريق الأصول المتعددة في شركة جانوس هندرسون إنفسترز "تتسبب السياسة المالية المبهمة في حالة كبيرة من عدم اليقين حول المملكة المتحدة، على نحو لا مثيل له في أي مكان آخر".
وأضاف "يبدو أن المملكة المتحدة هي الأسوأ من حيث الركود التضخمي الذي يجتاح الأسواق المتقدمة. وهذا يجعل من الصعب جدا على المستثمرين فهم الأصول في المملكة المتحدة وتقييمها".
عوائد سندات الحكومة منخفضة المخاطر لأجل عشرة أعوام ارتفعت من 1.8 في المائة إلى 2.9 في المائة منذ بداية الشهر الماضي، بالتالي انخفضت الأسعار، في حين انخفض الجنيه الاسترليني أكثر من 5 في المائة مقابل الدولار، وكلا هذين الأمرين يمثل انخفاضا أسرع بالنسبة إلى المملكة المتحدة من غيرها من الاقتصادات المتقدمة.
قالت فرانشيسكا فورناساري، رئيسة حلول العملات في شركة إنسايت إنفسمنت، التي تراهن على انخفاض الجنيه الاسترليني مقابل الدولار "لقد مر الجنيه بأوقات عصيبة للغاية. هناك مزيج غير مفيد من الديناميكيات، ما يعني أن لدى المملكة المتحدة (...) مجموعة إضافية من المخاطر ذات الصلة".
في الآونة الأخيرة أصبحت فورناساري أكثر تشاؤما بشأن الجنيه الاسترليني، مستشهدة "بمسابقة القيادة والمناقشات حول السياسة المالية والعلاقة مع الاتحاد الأوروبي".
بالنسبة إلى سندات الحكومة، ارتفعت قيمة الرهانات على المكشوف ضد السندات لمدة عامين، الحساسة لسعر الفائدة، بنسبة 79 في المائة هذا العام، وفقا لشركة إس آند بي جلوبال ماركت إنتلجنس.
باعت شركة جانوس هندرسون، لصاحبها بلاك بورن، السندات منخفضة المخاطر في بعض المحافظ قبل الاجتماع الأخير لبنك إنجلترا، مفضلة سندات الدول الأخرى حيث يبدو أن التضخم في طريقه إلى الذروة قريبا. قال بورن "ربما لا تكون هذه أفضل التوقعات لسوق سندات الحكومة منخفضة المخاطر، خاصة على المدى القصير".
كذلك يراهن بعض المديرين ضد السندات الأطول أجلا. يعمل كريسبين أودي، مؤسس شركة أودي أسيت مانجمنت، الذي ارتفع صندوقه الأوروبي نحو 120 في المائة هذا العام، على بيع السندات على المكشوف، بما في ذلك السندات منخفضة المخاطر لمدة 30 عاما، وهو يعتقد أن التضخم سيظل مرتفعا "لعدة أعوام على الأقل".
مارك داودينج، كبير مسؤولي الاستثمار في شركة بلوباي أسيت مانجمنت، يعمل هو الآخر على بيع السندات منخفضة المخاطر على المكشوف ويراهن على أن العوائد طويلة الأجل سترتفع مقارنة بالعوائد قصيرة الأجل، لأنه يعتقد أن التضخم في الولايات المتحدة بلغ ذروته وأن التضخم في منطقة اليورو سيكون كذلك بالفعل في نهاية العام، بينما سيستمر التضخم في المملكة المتحدة في الارتفاع.
تعد الأسهم ذات رؤوس الأموال الكبيرة في المملكة المتحدة أمرا غير معتاد نوعا ما. ويعد مؤشر فاينانشيال تايمز 100 أحد أفضل مؤشرات الأسهم الوطنية أداء في العالم المتقدم هذا العام، حيث انخفض 1.4 في المائة فقط من حيث القيمة بالجنيه الاسترليني، في حين انخفض مؤشر إس آند بي 500 الأمريكي 17 في المائة، فيما انخفضت بعض المؤشرات الأوروبية نحو الخمس.
لكن الجزء الأكبر من الشركات في مؤشر فاينانشيال تايمز 100 يحقق الإيرادات بالدولار والعملات الأخرى التي كسبت مقارنة بالجنيه الاسترليني، ما زاد من أرباحها. كما أن المؤشر مليء بشركات الطاقة التي كان أداؤها جيدا خلال طفرة السلع هذا العام.
إضافة إلى ذلك، يبدو أن المستثمرين أقل استعدادا للدخول في رهانات سلبية بشكل علني ضد الأسهم البريطانية مقارنة بالرهانات ضد السندات منخفضة المخاطر أو الجنيه الاسترليني. يدرك كثيرون أن تحيز سوق المملكة المتحدة لأسهم "القيمة" الرخيصة في قطاعات مثل التعدين والطاقة، التي تحقق أداء أفضل بشكل عام من الأسهم عالية النمو خلال فترات التضخم المرتفع، قد يعني أن الأسهم البريطانية تواصل التفوق في أدائها على أسواق الأسهم الأخرى.
وفقا لمجموعة البيانات، بريك أوت بوينت، كان هناك انخفاض في نشاط البيع على المكشوف في الأسهم البريطانية من قبل صناديق التحوط في الأعوام الأخيرة. زادت الصناديق رهاناتها على المكشوف، التي تم الإعلان عنها، نحو 1800 مرة في العام الماضي و2200 مرة حتى الآن هذا العام، مقارنة بنحو 6700 مرة في 2018.
قال بول ليتش، الرئيس المشارك للأسهم العالمية في بنك باركليز "لن أقول إن العملاء، في المملكة المتحدة، متشائمون بشكل قطعي. ما شهدناه هو حالة من تلاشي المخاطر"، مشيرا إلى أن معنويات المستثمرين تجاه المملكة المتحدة وبقية أوروبا متشابهة، مع تفضيل كثير من المستثمرين الأسهم الأمريكية.
وأضاف "هناك كثير من الأخبار السيئة. لكن كثيرا منها مأخوذ في الحسبان بالنسبة إلى الأسهم في المملكة المتحدة". وهذا يوفر عزاء للمستثمرين الأكثر تفاؤلا بشأن آفاق المملكة المتحدة.
كتب بيتر ديفيز وجوناثون ريجيس، من شركة لانسداون بارتنرز أخيرا، في رسالة للمستثمرين اطلعت عليها "فاينانشيال تايمز"، "إن اعتقادهما أنه لم يتبق إلا قليل من البائعين في المملكة المتحدة قد تعزز على الأرجح"، وأضافا "ما زلنا نعتقد أن أي فترة من الهدوء النسبي ستشهد سريعا إعادة تسعير الأصول في المملكة المتحدة بطريقة يمكن بسهولة أن تصبح ذاتية التعزيز".
وفقا للرسالة، يمتلك صندوق شركة لانسداون، ديفيلوبد ماركتس، نحو نصف أصوله في المملكة المتحدة، مقارنة بالثلث في أوروبا و15 في المائة في الولايات المتحدة.
مع وجود نسبة كبيرة من مكوناته في مجالات مثل النفط والتعدين، يعتقد بعض المديرين، مثل ريتشارد بوكستون، من شركة جوبيتر أسيت مانجمنت، أن سوق الأسهم في المملكة المتحدة تبدو مناسبة تماما لظروف الاقتصاد والسوق الحالية.
قال بوكستون "كمكان لخسارة المال ببطء - وهو كل ما يمكنك القيام به في سوق هابطة - أعتقد أن المملكة المتحدة رائعة"، مضيفا أن "الهدف كان الإبقاء على أموال كافية لالتقاط بعض الصفقات الضخمة في نهاية الأمر".