السعودية والهوية الثقافية المتجددة


يتشكل الوعي الإنساني من جملة من القيم تتدرج صعودًا بشكلٍ تاريخيّ عبر العصور، هذه القيم تنبثق دائمًا عبر ما يضيفه العقل المبدع من حراك صوب المعرفة. المعرفة هي النقطة/ الهدف دائمًا، وهي الغاية التي يصبو إليها الإنسان على مدار تاريخه.
في ظلال هذا الوعي نحن تلقاء حالة تشوّف وكشف، وحيال خطى تبحثُ عن الغد دائما. الفكرة هي ما نجدها ونعثر عليها، وهذه الفكرة قد تتأتى عبر الإلهام، أو الوحي أو ربما عبر المصادفة، لكنها تؤسس – في التحليل الأخير – لقيمة ما، تزداد هذه القيمة وتكبر بفعل التداعي الزمني، لتصبح نوعًا من الهويّة، وعنوانًا لأمة من الأمم أو شعب من الشعوب.
هكذا يشكل لنا هذا الوعي الوهّاج صورة الشيء الذي كان تصوّرًا فغدا صورة تدلُّ، وتشيرُ، وتلمّح.
وحين نتبصّرُ بالثقافة فإننا لا ننأى كثيرًا عن هذه الرؤية، فالثقافة هي نتاج وعي، وهي في حالتها الديمومية عبارة عن عنصر ساكن وعنصر متحرك، وهي كذلك عبارة عن فعل وناتج وأثر، وما بين ذلك كله تتشكل عناصرها ومكوناتها.
ويشير تايلور – في مفهومه عن الثقافة - إلى أنها : " تلك الوحدة الكلية المعقدة التي تشمل المعرفة والإيمان والفن والأخلاق والقانون والعادات، بالإضافة الي أي قدرات وعادات أخرى يكتسبها الإنسان بصفته عضوًا في مجتمع " من هنا فإن المكونات الثقافية ليست ناتجًا يتخلق هكذا بالصدفة ولكنه نتاج كشوف إنسانية في وطن من الأوطان، ونتاج تلاقح بين الأمم والشعوب، تلاقح أفكار وقيم وعلوم وآداب وعادات وتقاليد وفنون، وهذا التلاقح هو الذي يثري الثقافة من جهة، ويجعلها مؤثرة في الوعي الإنساني من جهة أخرى، كما يحولها إلى مصدر من مصادر القوة من جهة ثالثة.

الثقافة والهوية:

في سياق هذا الوعي فإن هذه المنظومة من العناصر هي التي تحدد صورة شعب من الشعوب، وتمثل ملامحه وقسماته.
وتتشكل الثقافة في المملكة العربية السعودية من هذه المنظومة التي تنقسم إلى قسمين جوهريين:
- الأول: ما يتعلق بالتراث العربي والآثار والموروث والتاريخ والعادات والتقاليد والعقيدة الإسلامية.
- الثاني: ما يتعلق بالفنون والإبداع المعاصر والفنون الأدائية الجديدة التي ابتكرها الإنسان السعودي من جهة، بعد تأسيس المملكة العربية السعودية في العام 1932م ، أو تلك التي أسهم فيها وفي إضفاء الطابع الوطني عليها كالمسرح والسينما والموسيقى والغناء وغيرها من الفنون.
إن هوية الثقافة في المملكة – وفق هذا المعنى – ترتبط بالمكان والزمان والتاريخ، فالمملكة تمتد أرضها على مساحة كبيرة من شبه الجزيرة العربية، وهي وريثة موطن العقيدة الإسلامية منذ أن بنى النبي إبراهيم وابنه النبي إسماعيل (عليهما السلام) الكعبة المشرفة في مكة المكرمة أم القرى، وعلى هذه الأرض ظهر الدين الإسلامي مع بعثة خاتم الأنبياء والمرسلين النبي محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وسلم) فهي موطن الثقافة العربية بمختلف عناصرها ومهاد ومنشأ الدين الإسلامي ، وهذا التراث البالغ في عراقته وأصالته له ملامحه وصورته التي تحتفظ بها المملكة، ويشكل جزءًا لا يتجزأ من النظام الأساسي للمملكة.
والهوية الثقافية – من وجهة مفاهيمية – هي : الهوية أو الشعور بالانتماء إلى مجموعة. وهو جزء من مفهوم الشخص الذاتي ونظرية الفهم الذاتي ويرتبط بالجنسية والإثنية والدين والطبقة الاجتماعية والموقع أو أي نوع من الفئات الاجتماعية التي لها ثقافتها الخاصة.
ولذلك فإن الثقافة في المملكة تأتي معبرة عن هذه الهوية، بتنوعها من جهة، وبوحدتها الوطنية من جهة أخرى، وبالحفاظ على ثوابتها تعمل المملكة على تعزيز قيم الثقافة وإبرازها محليا وعالميا.

هوية محلية وعالمية:

إن تعزيز صورة المملكة عالميا تنطلق من القيم الثقافية الراسخة والمتجددة محليا، وهناك سعي كبير عبر هيئات وزارة الثقافة المتنوعة لتطوير الإمكانيات وتعزيز الفرص والقدرات في القطاعات الثقافية وتقديم المبادرات الخلاقة التي تستوعب قيم العصر وتحولاته.
وفي ثقافتنا المحلية بمختلف عناصرها التي تنبثق من الداخل لتؤثر عالميا توجهت المملكة حسب رؤية 2030 إلى العناية بمختلف المجالات الثقافية، من التعليم العام والتعليم الجامعي، إلى إنشاء جامعات جديدة، وهناك قطاعات ثقافية متنوعة من الأندية الأدبية وجمعيات الثقافة والفنون ومعارض الفن التشكيلي، وغيرها من قطاعات الثقافة المتعددة بالمملكة ومنها: مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية، مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، مكتبة الملك عبدالعزيز العامة، مكتبة الملك فهد الوطنية، دارة الملك عبدالعزيز، مؤسسة الملك فيصل الخيرية، جائزة الملك فيصل العالمية، جائزة الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمية للترجمة، مهرجان البحر الأحمر السينمائي، بينالي الدرعية، الفرقة الوطنية للمسرح، الفرقة الوطنية للموسيقى، أكاديميات الفنون، المتاحف المتخصصة، مجلات الآداب والفنون، أسابيع الأزياء، المهرجانات الثقافية، معارض الكتب، برنامج ثقافة الطفل، مدينة الثقافة السعودية.
إن هذه القطاعات وغيرها تعمل على إنتاج ثقافة نوعية معبرة عن قيم الثقافة بالمملكة وهويتها، ومن المؤكد أن تأثيرها سيتضح أكثر في المراحل المقبلة خاصة مع الانفتاح الثقافي والسياسي والاقتصادي العالمي الذي تنتهجه المملكة اليوم.
ومن جوانب أخرى تتعزز الصورة الذهنية الإيجابية عن المملكة بشكل كبير في مختلف المجالات قد قامت المملكة بترجمة (القرآن الكريم) إلى مختلف اللغات العالمية، وأنشأت مركزا مخصصا لطباعة القرآن الكريم وترجمته، ليصل إلى أكثر من 2 مليار مسلم في أنحاء العالم، فضلا على تطوير الأماكن المقدسة وأماكن شعائر الحج والعمرة لتستوعب ملايين الحجاج والمعتمرين من مختلف أنحاء العالم، كما قامت – منذ سنوات مديدة - بإنشاء عدد كبير من المراكز الإسلامية في قارات العالم الخمس، فيما أنشأت أيضا عدد من المساجد في أوروبا وأمريكا وآسيا وإفريقيا، وهي تسهم بجلاء في الخطط التنموية لعدد كبير من الدول النامية.
إن هذه المراكز الإسلامية السعودية المنتشرة بدول العالم النامي والمتقدم، تشكل نوافذ ساطعة على هوية الثقافة العربية والإسلامية، وبالتالي على هوية الثقافة السعودية بمختلف عناصرها وقيمها الأصيلة والحديثة معا.
وفضلا على ما تقوم به المراكز الثقافية من أنشطة وفعاليات وبرامج لتجسير العلاقات الثقافية بين المملكة وشعوب العالم، تقيم المملكة عدة معارض دولية بالخارج ، وتشارك بمعارض الكتب العربية والعالمية، فيما تقوم السفارات والقنصليات السعودية بالخارج بتقديم صورة جلية للثقافة السعودية التي تتطور يوما بعد يوم، كما تشارك الهيئات الثقافية السعودية خاصة الهيئات التابعة لوزارة الثقافة في مختلف الأنشطة الثقافية بالعالم من معارض كتب، ومهرجانات سينمائية ومسرحية ومؤتمرات وملتقيات علمية وتراثية وطبية وتاريخية .
كما أن المملكة أصبحت تشارك بإيجابية في المؤسسات الثقافية العالمية كاليونسكو ، وكذلك المؤسسات العربية والإسلامية وتقود العالم العربي والإسلامي إلى ثقافة متجددة متطورة تواكب آليات العصر والحضارة الإنسانية.
كل ذلك يسهم في تشكيل صورة ذهنية إيجابية عن الثقافة السعودية وعن المملكة بوجه عام، تمحو الصور الذهنية التي يشكلها الإعلام المغرض ويبني عليها طائفة من التوهمات منذ مرحلة بعيدة.
إن الثقافة في المملكة اليوم هي ثقافة أكثر تطورا وأكثر استلهاما للوعي الحضاري المعاصر.

تاريخ الخبر: 2022-09-12 00:17:48
المصدر: العربية - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 82%
الأهمية: 94%

آخر الأخبار حول العالم

بوريطة يتباحث ببانجول مع نظيره المالي

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-03 03:24:56
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 55%

بركة : مونديال 2030.. وضع خارطة طريق في مجال البنيات التحتية

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-03 03:24:53
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 64%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية