في عام 2019، أفادت الأنباء القادمة من البيت الأبيض أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب يفكر جدياً بتقديم صفقة ضخمة للدنمارك من أجل شراء أكبر جزيرة في العالم-غرينلاند. لتخرج بعدها صحيفة واشنطن بوست وتقول إن موظفي البيت الأبيض توصلوا إلى فكرة عرض صفقة على الدنمارك، تتعهد واشنطن من خلالها بتقديم معونات مالية سنوية بقيمة 600 مليون دولار إلى غرينلاند، وإلى الأبد.

وخلال الفترة التي سبقت إلغاء ترمب زيارته إلى الدنمارك رداً على رفض الأخيرة الصفقة الأمريكية، روجت الولايات المتحدة أن سبب وراء ازدياد اهتمام واشنطن بالجزيرة يعود إلى أن ذوبان الجليد القطبي هناك، ما يفتح المجال لاستثمار الثروات الباطنية في أجزاء جديدة من منطقة القطب الشمالي، وكذلك السيطرة على طرق الملاحة الشمالية، وسط تزايد "التوسع الصيني والروسي" في المنطقة.

لكن ما تجاهلته وسائل الإعلام حينها هو الشخص الذي زرع فكرة الشراء في عقل ترمب، بالإضافة إلى كواليس الصفقة والضغوط التي عانى منها مستشارو الرئيس داخل البيت الأبيض لدراسة جدوى هذه الصفقة وسبل إقناع السلطات الدنماركية بها، حسب ما نقلته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.

الصديق الملياردير

جاءت فكرة شراء غرينلاند من رونالد لودر، الملياردير وريث مستحضرات التجميل في نيويورك والذي كان يعرف ترمب منذ الدراسة الجامعية. إذ قال ترمب لمستشاره للأمن القومي جون بولتون: "يعتقد أحد أصدقائي، وهو رجل أعمال متمرس حقاً، أنه يمكننا الحصول على غرينلاند. ما رأيك؟".

في وقت لاحق، ادعى الرئيس الأمريكي السابق أن الفكرة كانت مصدر إلهامه الشخصي، حيث قال: "قلت لنفسي لماذا لا نملك ذلك؟"، "يمكنك إلقاء نظرة على الخريطة. أنا مطور عقارات. ألقي نظرة على الزاوية، وأقول، "يجب أن أحضر هذا المتجر للمبنى الذي أقوم ببنائه،" وما إلى ذلك. الأمر ليس مختلفاً". وأضاف: "أحب الخرائط. وقلت دائماً: "انظروا إلى حجم هذا. إنه ضخم. يجب أن يكون ذلك جزءاً من الولايات المتحدة".

لكن في الواقع، لم يناقش لودر الفكرة مع صديقه منذ الأيام الأولى للرئاسة وحسب، بل عرض نفسه كقناة خلفية للحكومة الدنماركية للتفاوض. ليتحول بعدها الاقتراح الذي تبناه ترمب موضوعاً لأشهر من الدراسة الداخلية الجادة التي أذهلت وزراء الحكومة، وأتعبت مساعدي البيت الأبيض الذين حاولوا منع تسريب الفكرة خوفاً من تسببها في حادث دبلوماسي.

وبينما كانت غرينلاند إحدى القضايا التي شغلت موظفي مجلس الأمن القومي لأشهر، كلف بولتون مساعدته فيونا هيل بمهمة تجميع فريق صغير لتبادل الأفكار وإجراء محادثات سرية مع سفير الدنمارك من أجل إعداد مذكرة خيارات لعرضها أمام ترمب.

مغامرة غرينلاند

إحدى أكثر اللحظات غرابة في رئاسة دونالد ترمب كانت عندما طرح علناً فكرة شراء غرينلاند، والتي تسببت حينها في ضجة متوقعة ولدت معها نكاتاً تلفزيونية في وقت متأخر من الليل، وأدت إلى توتر العلاقات مع الدنمارك، التي رفضت فكرة بيع المنطقة القطبية الشمالية العملاقة، وفقاً لما أوردته نيويورك تايمز.

رغم ذلك كله، لم تكن الفكرة مجرد نزوة عابرة كما افترض الكثيرون في ذلك الوقت أن ترمب قد أعلن عن فكرة جديدة بعيدة المنال خطرت في ذهنه. في الواقع، لاقت الفكرة، التي قد زرعها أحد أصدقائه المليارديرات وأصبحت موضوعاً لأشهر من الدراسة الداخلية الجادة، بعض التأييد من مستشار الأمن القومي حينها جون بولتون الذي كان قلقاً بشأن توسع النفوذ الصيني في القطب الشمالي.

وعلى الرغم من أن بولتون اعتقد أن الوجود الأمريكي المتزايد في غرينلاند أمر منطقي، فإنه بالمقابل أدرك أن الشراء المباشر لم يكن ممكناً رغم إصرار الرئيس على تقديم صفقة شراء، واقترح أخذ الأموال الفدرالية من بورتوريكو- جزيرة تابعة للولايات المتحدة- واستخدامها لشراء غرينلاند. وفي مناسبة أخرى، اقترح مقايضة مباشرة لبورتوريكو مع غرينلاند.

بالمقابل، انتقدت الحكومة الدنماركية فكرة الشراء التي أفصحت عنها لأول صحيفة وول ستريت جورنال. الأمر الذي دفع ترمب للقول في المقابلة العام الماضي، "عندما أصبح علناً، فقدوا شجاعتهم السياسية"، كما لو أن الدنماركيين كانوا جادين في البيع.

غرينلاند

تعد غرينلاند، التي تقع بين شمال المحيط الأطلسي والمحيط القطبي الشمالي، أكبر جزيرة في العالم. وتبلغ مساحتها أكثر من 2 مليون كيلومتر مربع، وتتمتع بالحكم الذاتي في ظل السيادة الدنماركية منذ القرن الثامن عشر. ويبلغ عدد سكانها حوالي 57 ألف شخص يتركزون حول الساحل. يذكر أن ما يقرب من 90% من السكان ينحدرون من السكان الأصليين لغرينلاند الإسكيمو.

تغطي الثلوج معظم أراضي الجزيرة، وهناك مخاوف من ذوبان الغطاء الجليدي بسبب الاحتباس الحراري. لكن ذوبان الجليد زاد من إمكانية الوصول إلى الموارد المعدنية الغنية التي تمتلكها الجزيرة.

وتجدر الإشارة إلى أنه سبق لواشنطن أن اقترحت إبان رئاسة الرئيس الراحل هاري ترومان عام 1946 على الدنمارك شراء الجزيرة بمبلغ مئة مليون دولار، وفقاً لما نشرته وكالة أسوشيتد برس الأمريكية.

ويشار أيضاً إلى أن الولايات المتحدة والدنمارك وقعتا اتفاقية عسكرية عام 1951 تعطي الجيش الأمريكي حقوقاً في قاعدة "ثول" الجوية شمالي غرينلاند.

TRT عربي