«المقاومة بالضحك».. السخرية بديلًا عن الحرب فى رواية «جزيرة إلخ إلخ»

مغامرة إبداعية تحاكى «ألف ليلة وليلة» عن مجتمع مشغول بالبحث عن إجابات لأمور تافهة

«رأس الإنسان عدوة ما تجهل»، جملة بدأ بها الكاتب مينا عادل جيد روايته الجديدة «جزيرة إلخ إلخ»، وبالرغم من بعدها عن الحكمة القديمة «الإنسان عدو ما يجهل» لكنها تتوافق مع الرؤية، إذ إن رأس الإنسان هو الإنسان وهو المفكر والمقرر، وإدراجه فى المتن كان يؤكد تلك الرؤية التى بدأت بها الرواية فى عالم متخيل عن جزيرة التوائم الملتصقة.

رواية «جزيرة إلخ إلخ» الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية للنشر والتوزيع العام الجارى ٢٠٢٢، التى تقع فى ٢١٥ صفحة من القطع المتوسط، استغرقت مدة سبعة أشهر فى كتابتها، و٦ أشهر حتى تخرج للنور بعد تنقيحها وتعديلها، وفقًا لما أكده المؤلف.

الرواية هى عبارة عن عالم أسطورى متخيل ينتمى لعوالم ألف ليلة وليلة، حيث تدور الحكايات فى واقع أسطورى عن أناس لهم طبيعة خاصة فى التكوين الجسدى، فكل شخص منهم يحمل رأسين، وتوائم متلاصقة لا تستطيع أن تخالف بعضها بعضًا، ومن يخالف نصفه التوأم فإنه قد يكون خالف تقاليد المدينة وابتدع سنة سيئة.

المدينة لها عادات وطقوس وطبيعة تختلف عن كل البشر، وشخوص العمل هم «طفو» هو بطل القصة وزوجته «كنزو» ووالده «القس»، الذى دائمًا يدعو إلى الفضيلة ويتحدث عن تعاليم المسيحية وأن الصلاة لا بد أن تكون من القلب، ومن يتقن صلاته سوف تأتيه الخيرات.

بطل الرواية هو «طفو»، الذى يعمل فى بيع السكر المسكر، كانت له موهبة البحث العلمى عن ماهية الأشياء وأصلها وفصلها، فهو ولد فى الجزيرة قبل أربعين لفة للشموس حول الجزيرة.

لدى «طفو» تفكير مختلف، حيث أراد أن يجرى بحثًا علميًا ذات يوم عن عدد مرات الغازات البطنية التى يخرجها الإنسان فى اليوم داخل جزيرة التوائم الملتصقة، إلا أنه لم يتمكن منه بسبب البيروقراطية العقيمة وعدم تقدير عدد ليس بالقليل من ناس الجزيرة على حد وصفه.

وذات يوم خرج «طفو» إلى عمله فى محل بيع السكر المسكر، فوجد نفسه أمام جوال ثقيل استأمنه عليه رجل غريب يُدعى «ميجو» لحين الانتهاء من زيارة أقارب له فى الجزيرة، وظن «طفو» أن الرجل سيعود فى نفس اليوم إلا أنه تأخر حتى اليوم التالى، فقد قرر «طفو» فتح الجوال، فوجد فيه ثلاث طبقات من سبائك الفضة، وتحتها خمس طبقات من سبائك الذهب، ثم صندوقًا على شكل رأس جمل من الخشب ارتفاعه شبر ونصف الشبر، خشبه قديم جدًا، وتحت الصندوق عشر طبقات من الياقوت.

وظل يفكر فى أمر الجوال هل يأخذه إلى المنزل أم لا؟ ولكنه قرر أن يأخذه إلى البيت، مستعينًا بشاب فى الحانة، وظل يفكر فى حل لغز مكونات الجوال، خاصة الصندوق الذى يحوى الجسم الغريب الذى لونه كأطراف قرص قمر، تشده يُشد، تمطه يُمط، تتركه فيعود كما كان، وعندما وصل إلى المنزل وجد مصيبة فى المنزل اختفاء ابنه «كا»، والنساء يقفن على الأبواب يواسين زوجته، وما أن دخل إلى المنزل ووضع الجوال فى غرفة المعيشة، ظل يبحث عن حل اللغز الذى بالجوال وهو الصندوق الذى به رأس الجمل.

وقابل بادو وبوتو صديقين له يبحثان عن سر الصندوق.

وقد أبحر الثلاثة: بادو وطفو وبوتو إلى الجزيرة البعيدة وخاضوا فى أهوال البحر، وعندما استوقفتهم سفينتان ورأوا أكثر من عشرة رجال، لكل منهم رأس واحد، أراد طفو أن يلقى بصندوق رأس الجمل الخشبى وبداخله الجسم الغريب فى البحر، علَّ أحدًا غيرهم يعثر عليه ويعرف ماهية هذا الجسم الغريب.

وتنتهى الرواية عند مشهد غياب الزوج «طفو»، للبحث عن سر الصندوق الذى به رأس الجمل، قررت زوجته «كنزو» أخذ حماها وحماتها وابنتها «كاتو» وابنها «كا» إلى قصر الحاكم ابن السماء، لترجوه أن يتدخل بسلطته وعطفه فى الأمر، ويرسل حملة بحرية إلى جزيرة الكناغر للبحث عن زوجها وطاقمه.

ونجد فى الرواية أن الكاتب صنع فى «جزيرة إلخ إلخ» عالمًا خرافيًا متكاملًا، له ثقافته ودينه وتاريخه ومعتقداته وسياسته وآرائه، بطريقة كلام مختلفة، والاهتمام بصغائر الأمور لا بكبائرها والمصيرى منها، «جزيرة إلخ إلخ» تعد نافذة على أرواحنا المختبئة، أو بمعنى أقرب هى عدسة مكبرة لما يحدث داخل رءوسنا من ازدواجية وهواجس ومخاوف وعبث فى بعض الأحيان.

وعبر ألغاز «جزيرة إلخ إلخ»، سنجد أن الكاتب استعان بجمل وعبارات وأوصاف جديدة وغير متداولة كثيرًا ربما لأول مرة، مثل: «كانت فتاة ميجو، ذات الابتسامات التى تشبه أطباق الفاكهة، ترقص كأنها تطير، وتطير كأنها ترقص»، «كانت كاتو سمراء ولها هيبة مصدرها أنفاها المرتفعتان بانحدار هرم كبير إلى الأعلى، حيث جوهر الكون ذاته، عيونها سوداء قوية النظرة كشيطانة ذكية».

كما استعان أيضًا بعبارة «طلعت الشموس كأطفال بلا خطيئة، ووقفت حمامة على شباك طفو لونها بنى كشعر المسيح فى تصاوير الأوروبيين».

فمن الصعوبة أن تتقمص شخصية إنسان له رأسان، كل شىء هنا يختلف، التفكير، الكلام، الأحلام الهموم، الأكل الشرب، الآذان، العيون، الأنوف، فالجزيرة كل سكانها توائم ملتصقة تقع فى مكان ما وزمان ما، كل أبطالها يبحثون عن شىء ما.

وعند قراءتك الرواية تجد أنها لا تخلو من مسحة من السخرية غلفت العمل ككل، وذلك عبر شخصيات لا تنسى، نعيش مغامراتهم فى البر والبحر ليطرح أسئلة ملحة عن ماهية الوجود الإنسانى، والشعور بالوحدة، وكيف يمكن للإنسان أن ينفق عمره بحثًا عن السعادة الكاملة، أحداث تبدو مضحكة فى ظاهرها، بينما فيما يحمله معناها شىء يستحق التوقف والتأمل، وهنا تبرز تلك الرمزية التى غلفتها السخرية من واقع مرير يتجسد فى ملامح الناس وأفعالهم، وما السخرية إلا تحدٍ ومواصلة للاستمرار، تمامًا مثل فعل النكتة فى المجتمعات التى لا تستطيع التغيير فتقاوم بالضحك. تحمل الرواية بين دفتيها بما لا يُحصى من المرويات والوقائع والأحداث والأكاذيب الجميلة والشخصيات، فالحكاية تخرج من الحكاية، والشخصية تنسلّ من الشخصية.

 

تاريخ الخبر: 2022-09-15 21:22:27
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 57%
الأهمية: 53%

آخر الأخبار حول العالم

السلطات الإسرائيلية تؤكد مقتل أحد الرهائن في غزة

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 06:07:01
مستوى الصحة: 82% الأهمية: 98%

الضغط على بايدن لمخاطبة الأمة إثراندلاع العنف في الجامعات

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 06:07:18
مستوى الصحة: 80% الأهمية: 100%

كتل ضبابية وحرارة مرتفعة ورياح قوية في طقس يوم الجمعة

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 06:08:54
مستوى الصحة: 61% الأهمية: 79%

مع مريـم نُصلّي ونتأمل (٣)

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-03 06:21:38
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 68%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية