مجموعة «شنعهاي» تتجه للتوسع... وتواجه تفاقم الأزمات في محيطها


انطلقت الجمعة في مدينة سمرقند الأوزبكية أعمال قمة «شنغهاي» للتعاون بحضور زعماء الدول الثماني المؤسِسة. ومع العناوين الكبرى التي وضعتها موسكو وبكين حول السعي لبناء عالم متعدد الأقطاب تشغل المجموعة فيه مكانة مهمة، بدا أن جهود القادة الحاضرين توزعت بين أولويات توسيع المجموعة بضم أعضاء جدد، ومواجهة الأزمات الإقليمية المتفاقمة على خلفية عودة التدهور على الحدود القيرغيزية - الطاجيكية واستمرار جهود محاصرة التصعيد بين أرمينيا وأذربيجان.

وهذه القمة الأولى التي يعقدها قادة المجموعة منذ تفشي وباء كورونا، وهي أيضاً أول لقاء على هذا المستوى ينعقد بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، وتزايد حدة المواجهة الروسية الغربية.

وعقد زعماء الدول الثماني المؤسسة روسيا، والصين، والهند، وباكستان، وكازاخستان، وطاجيكستان، وأوزبكستان وقيرغيزستان، جلسة افتتاحية للقمة بعد التقاط صورة جماعية.

ومع أن الحوارات اللاحقة جرت خلف أبواب مغلقة، أعلن الديوان الرئاسي الأوزبكي أن نقاشات جرت لإطلاق مسار انضمام بيلاروسيا الحليف الوثيق لموسكو إلى هذه المجموعة.

وبذلك تكون جهود توسيع إطار المجموعة وتحويلها إلى مركز استقطاب للبلدان الراغبة في تطوير التعاون مع روسيا والصين والمحيط الإقليمي لهما دخلت حيزاً جديداً بانضمام بلدان لم تكن في وقت سابق أبدت رغبتها في الالتحاق بمجموعة «شنعهاي».

وكانت المجموعة مهدت للجلسة الرئيسية بإعلان انضمام إيران رسمياً بعد توقيع مذكرة في هذا الشأن الخميس. كما أعلن عن منح بلدان أخرى صفة «شركاء حوار»، بينها بلدان عربيان هما مصر وقطر.

لكن مع الميل الواضح نحو تعزيز حضور المجموعة إقليمياً ودولياً وتوسيع صفوفها لتغدو «منظمة دولية مؤثرة»، بدا أن المشكلات التي تواجهها البلدان الأعضاء تشكل استحقاقاً رئيسياً، في ظل تزايد التباينات الداخلية حول عدد من القضايا ما يهدد بإفشال جهود روسيا والصين اللتين تحدثتا عن اضطلاع المجموعة بدور مركزي في بناء عالم متعدد الأقطاب و«أكثر عدلاً» وفقاً لتصريحات الرئيس فلاديمير بوتين ونظيره الصيني شي جينبينغ.

في هذا الإطار، بدا لافتاً أن التصريحات الرسمية حول زيادة التنسيق والتعاون الاقتصادي بين بلدان المجموعة ودفع مسارات التحول إلى استخدام العملات المحلية في التبادلات التجارية، يشكلان واحداً من أبرز العناصر التي يركز عليها الكرملين، مع الاقتناع بأن تحقيق اختراقات سياسية كبرى مثل إعلان المجموعة عن دعم تحركات روسيا في أوكرانيا تبدو مهمة صعبة مستبعدة. وباستثناء بيلاروسيا لم تحصل روسيا على دعم كامل لمواقفها في الأزمة الأوكرانية من أي طرف من أعضاء المجموعة.

لكن هذه المعضلة لم تكن الوحيدة المطروحة على جدول أعمال الكرملين الذي يتحدث عن أهمية تعزيز التعاون في إطار المجموعة لمواجهة «التحديات الجديدة» في العالم؛ إذ برزت المشكلات الإقليمية كعنصر ضاغط على القادة الحاضرين خلالها. وهو ما عكسته الأنباء التي وردت مع افتتاح الجلسة الرسمية للقمة عن تدهور جديد للوضع على الحدود القرغيزية الطاجيكية. وكان الطرفان خاضا مواجهات مسلحة في المنطقة الحدودية خلال اليومين الماضيين، ومع تراجع وتيرة التصعيد الخميس استعداداً للقمة عاد الوضع الميداني إلى التدهور صباح الجمعة.

وشكل هذا واحداً من التحديات أمام الحضور، وخصوصاً رئيسي قيرغيزستان وطاجكستان اللذين لم يصدر عنهما تعليق علني على الوضع المتفاقم.

في الوقت ذاته، بدا أن ملف المواجهات بين أرمينيا وأذربيجان يشغل بدوره القادة الحاضرين؛ إذ أعلن الكرملين أن الرئيس الروسي أجرى صباح الجمعة مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان لمناقشة الوضع في منطقة قره باغ، وفي مسعى لاحتواء التصعيد الذي تشهده المنطقة منذ نحو أسبوع. وبات معلوماً أن هذا الموضوع سيكون محور نقاش بين بوتين والرئيس التركي رجب طيب إردوغان الذي دُعي إلى القمة كون بلاده «شريكاً في الحوار» للمجموعة. اللافت أن كلاً من أرمينيا وأذربيجان لديهما الصفة ذاتها في إطار مجموعة «شنعهاي» ما يلقي على المجموعة ثقلاً إضافياً في مناقشة هذا الملف.

* سلسلة حوارات ثنائية

على هذه الخلفية، كان اليوم الأول للقمة (الخميس) انقضى بإجراء سلسلة حوارات ثنائية بين القادة الحاضرين.

وكان من الطبيعي أن تسيطر المواجهة الغربية الروسية المتفاقمة على أجواء اللقاءات التي سعى الكرملين من خلالها إلى إظهار مستوى فشل الغرب في عزل روسيا، وتأكيد أن لدى موسكو مسارات أخرى لتعزيز قدراتها الاقتصادية في مواجهة العقوبات.

ومع اللقاء الأهم الذي جمع الرئيس فلاديمير بوتين مع نظيره الصيني شي جينبينغ، برز في صدارة أعمال القمة «احتفاء» خاص بحضور الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الذي وقّعت بلاده أمس، مذكرة الانضمام رسمياً إلى مجموعة «شنعهاي» بعدما كانت قد حصلت على العضوية فيها في وقت سابق هذا العام.

وخلال اللقاء مع شي جينبينغ، برز حرص الرئيس الروسي على وضع «التحديات» التي تواجهها موسكو وبكين في إطار موحد؛ إذ شدد على إدانة «استفزازات» الولايات المتحدة والسياسة التي تنتهجها تجاه ملف تايوان. مشيراً في الوقت ذاته، إلى التقييم العالي لبلاده تجاه «موقف الصين المتوازن بشأن الأزمة الأوكرانية».

وأكد الرئيس الروسي، أن التوافق بين موسكو وبكين يؤدي دوراً رئيسياً في ضمان الاستقرار العالمي والإقليمي.

وقال «نحن ندافع بشكل مشترك عن تشكيل عالم عادل وديمقراطي ومتعدد الأقطاب على أساس القانون الدولي والدور المركزي للأمم المتحدة، وليس على بعض القواعد التي توصل إليها طرف ما ويحاول فرضها على الآخرين من دون توضيح ماهيتها». وأضاف، أن «محاولات إنشاء عالم أحادي القطب اتخذت مؤخراً شكلاً قبيحاً وغير مقبول على الإطلاق بالنسبة للغالبية العظمى من الدول على هذا الكوكب».

وهو أمر رد عليه الرئيس الصيني بتأكيد أنه «في مواجهة التغيرات الهائلة في عصرنا، وغير المسبوقة، نحن على استعداد مع زملائنا الروس لنضرب مثالاً لقوة عالمية مسؤولة، قادرة أن تؤدي دوراً رائداً، لإحداث تغيير سريع في العالم من أجل إعادته إلى مسار التنمية المستدامة والإيجابية».

في الملف الاقتصادي ركز بوتين على الآفاق الإيجابية لتطوير التعاون مع بكين، وقال، إن حجم التبادل التجاري بين روسيا والصين سيصل في نهاية العام 2022 مستوى قياسياً جديداً، ويتجاوز في المستقبل 200 مليار دولار.

وقال بوتين، إن «العلاقات متعددة الأوجه بين بلدينا (روسيا والصين) تتطور بنشاط. في العام الماضي زادت التجارة بنسبة 35 في المائة وتجاوزت 140 مليار دولار. وخلال الأشهر السبعة الأولى من هذا العام زاد حجم التبادل التجاري بنسبة 25 في المائة. أنا مقتنع بأنه بحلول نهاية العام (2022) سنصل إلى مستويات قياسية جديدة، وفي المستقبل القريب، كما هو متفق عليه، سنزيد حجم التداول التجاري السنوي إلى 200 مليار دولار أو أكثر».

وخلال اللقاء مع الرئيس الإيراني أشاد بوتين، بمستوى العلاقات الثنائية، مؤكداً تطورها في جميع المجالات.

وقال، إن موسكو عملت على دفع مسار انضمام إيران إلى منظمة «شنغهاي» للتعاون. وتحدث عن آفاق تطوير الشراكة الاستراتيجية مع طهران، مؤكداً على اقتراب البلدين من توقيع وثيقة شاملة للتعاون. وقال، إن العمل لإنجاز «معاهدة كبيرة جديدة بين روسيا وإيران وصل مراحله النهائية».

وشدد الزعيم الروسي على أن هذه الوثيقة تمثل انتقالاً للعلاقات بين البلدين إلى «مستوى الشراكة الاستراتيجية». وكشف أن وفداً ضخماً يضم ممثلين عن 80 شركة روسية كبرى سوف يزور طهران خلال الأسبوع المقبل.

من جانبه، أكد الرئيس الإيراني، أن طهران «لن تنضم أبداً إلى العقوبات ضد روسيا». وقال إبراهيم رئيسي «الأميركيون يعتقدون أنهم إذا فرضوا عقوبات على إحدى الدول سيكونون قادرين على وقف تطورها. كانوا يفرضون عقوبات علينا منذ سنوات، لكننا نجحنا في منع تداعيات هذه العقوبات. أما بالنسبة للعقوبات ضد روسيا، فلن نعترف بها أبداً وسوف نعزز علاقاتنا الثنائية ونطورها. لم ننسحب ولم ننسحب من المفاوضات، لكن العالم كله يعرف أن الولايات المتحدة غير قادرة على التفاوض. وكان الجميع مقتنعين بأن موقف الاتحاد الأوروبي أيضاً سلبي، كما أنهم (الأوروبيون) لا يفون بوعودهم».


تاريخ الخبر: 2022-09-16 12:23:33
المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 95%
الأهمية: 89%

آخر الأخبار حول العالم

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية