الدار/ تحليل
تواصل حكومة عزيز أخنوش مراكمة المكتسبات الاجتماعية في ظرف زمني قياسي استجابة للبرامج والأوراش الملكية المفتوحة في مجال تعميم الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية وتأهيل القطاع الطبي على الخصوص. عمل دؤوب لا يكاد يتوقف يسابق الزمن من أجل تحضير الموارد البشرية والبنيات التحتية الكفيلة بإنجاح هذا التحدي الذي برزت ضرورته بجلاء خلال جائحة فيروس كورونا المستجد. فمن قلب هذه الجائحة أعاد المغرب اكتشاف الحاجة إلى الدولة الاجتماعية، ومع هذه الحكومة بدأ في توطيد أسسها وركائزها. وآخر هذه الأسس والركائز الزيادة النوعية التي عرفتها أجور الأطباء بشكل يحقق قدرا كبيرا من الاستقرار الاجتماعي والمادي لهؤلاء الأطر الذين يراهن عليهم المغرب فيما سيأتي من السنوات.
الانطلاق من زيادة أجور الأطباء والعاملين في قطاع الصحة يعتبر مقاربة ذكية جدا من حكومة عزيز أخنوش في الظرفية الحالية، فبالإضافة إلى كون هذه الزيادة المعتبرة استجابة لمطالب الشغيلة الصحية ووفاء بنتائج الحوارات الاجتماعية السابقة فإنها تمثل أيضا وعيا سابقا بأهمية العنصر البشري في إنجاح الأوراش المفتوحة وعلى رأسها ورش تعميم التغطية الصحية والحماية الاجتماعية الذي سينفق عليه المغرب أكثر من 50 مليار درهم سنويا على مدى ثلاث سنوات القادمة. الحكومة واعية بأن الحفاظ على استقرار الأطر الطبية في مواقعها والحد من نزيف الهجرة ورفع الضغط عن هذه الفئة الهامة من العاملين في قطاع الصحة هو مفتاح النجاح في هذا الورش الكبير.
لا يمكن لمشروع تعميم التغطية الصحية أن يعتمد في نجاحه فقط على توفير الموارد المالية والبنيات التحتية والتشريعات والقوانين، هناك عنصر أهم من كل هذا هو إيمان الأطباء والعاملين في القطاع الصحي بأهمية هذا الورش وحماسهم المتقد لإنجاحه، ولا يمكن تعبئة هذا الحماس ولا هذا الإيمان بالشعارات والأهداف والنوايا الحسنة، وإنما بإجراء تغييرات جذرية ونوعية في الوضعية المادية والإدارية لهؤلاء الأطباء. وبالنظر إلى حجم الزيادات المالية الكبيرة التي ستعرفها أجور الأطباء يمكننا القول إن حكومة عزيز أخنوش اختارت التوقيت والسياق المناسب جدا لتنفيذ هذا الالتزام الذي سبق أن قطعته على نفسها منذ تنصيبها قبل عام من الآن.
ويمكن التأكيد في هذا المقام أيضا على أن تنفيذ هذه الزيادات المالية الهامة في أجور الأطباء في ظل استمرار أزمة اقتصادية عالمية تلقي بظلالها على بلادنا يعتبر أيضا شجاعة سياسية من هذه الحكومة لا يمكن أبدا أن نغفل عنها أو أن نتجاهل دلالاتها. ولعلّ الحكومة، التي يغلب على مكوناتها النفَس العملي ورهان الإنجاز، حريصة على بعث رسالة هامة لجميع المغاربة تؤكد من خلالها أنها محافظة على التزامها بتنفيذ كل وعودها وبرامجها، وأنها تخصص أكثر أنشطتها وأشغالها في الوقت الراهن لتثبيت أسس الدولة الاجتماعية. هذه الدولة الاجتماعية هي التي تحرص مثلا في الوقت الراهن على استمرار الحوار الاجتماعي مع كافة الفرقاء الاجتماعيين لطرح الملفات المستعجلة ومناقشتها.
لا يجب أن ننسى أن الحكومة أقرت قبيل أسابيع قليلة فقط زيادة هامة في الحد الأدنى من الأجور، كما أقرت أيضا تعديلات هامة جدا في منظومة الضمان الاجتماعي ونظام الاستفادة من المعاشات بتقليص عدد النقاط المطلوبة من أي عامل للحصول على معاش إلى أقل من نصف ما كان مقررا في السابق. كل هذه الزيادات والتعديلات والتعويضات التي تم تنفيذها أو برمجتها لم يسبق لأي حكومة من الحكومات السابقة أن استطاعت تنفيذها في ظرف زمني قياسي لا يتعدى سنة واحدة على بدء أشغال وولاية الهيئة التنفيذية. كل هذا يتحقق في الوقت الذي تعرب فيه الحكومة عن شروعها في تعميق الحوار الاجتماعي مع النقابات لمناقشة مسألة الزيادة في أجور عموم الموظفين. إنها رسائل الإنجاز من حكومة تصر على أن تكون حكومة اجتماعية.
