الفنان المصرى الجميل جميل راتب، الذى يوافق غدا الإثنين ١٩ سبتمبر ٢٠٢٢ الذكرى الرابعة لرحيله، حيث كانت وفاته فى يوم ١٩ سبتمبر ٢٠١٨ عن عمر يناهز ٩٢ عامًا- يعد واحدًا من الفنانين الموهوبين المبدعين الذين كانوا يذوبون داخل الشخصية التى يجسدونها ويتوحدون معها، وتشعر حين تراهم بأنهم ليسوا ممثلين، بل تشعر وكأنهم شخصيات حية تتحرك أمامك، فمن منا ينسى أدواره المتعددة الخالدة فى السينما والتليفزيون، التى جسدها بتفرد وبراعة تجعل من المستحيل أن نتخيل أو نتصور أحدًا غيره يقوم بأدائها وتجسيدها على الشاشتين الكبيرة والصغيرة.

والفنان جميل راتب ولد فى يوم ٢٨ أغسطس سنة ١٩٢٦، وهو ينتمى إلى أسرة أرستقراطية، ووالده أبوبكر راتب كان رجلًا مصريًا وطنيًا، حيث حرص على إلحاق ابنه بمدارس مصرية وطنية على غير عادة أبناء الذوات الذين كانوا يلحقون أبناءهم بمدارس أجنبية، وكانت والدته أيضًا مصرية الأصل من محافظة المنيا، وهى بنت شقيق السيدة هدى شعراوى وليست فرنسية الأصل كما يشاع عنها، وقد تلقى تعليمه فى البداية بالقاهرة، ثم التحق بمدرسة الحقوق الفرنسية، حيث كانت أسرته ترغب فى أن يصبح وزيرًا أو أن يعمل بالسلك الدبلوماسى، وسافر لاستكمال دراسته بفرنسا، ولكنه ترك مدرسة الحقوق ودرس التمثيل، وبسبب ذلك امتنعت أسرته عن إرسال أى أموال له، فعمل جارسون وشيالًا فى سوق الخضار، وكومبارسًا فى السينما، ومترجمًا ومساعد مخرج، لكى يستطيع الإنفاق على نفسه ويكمل دراسته للسينما، وقد تزوج الفنان جميل راتب من فتاة فرنسية كانت تعمل بالتمثيل، ثم اعتزلته وعملت مديرة إنتاج ووصلت إلى منصب مدير مسرح الشانزليزيه، ولم ينجبا أطفالًا.

وقد بدأت رحلته مع السينما من القاهرة، حيث شارك سنة ١٩٤٦ فى فيلم «أنا الشرق» الذى قام ببطولته كل من الممثلة وملكة الجمال الفرنسية كلود جودار وجورج أبيض وحسين رياض، وبعد ذلك سافر إلى فرنسا، حيث درس المسرح، وعمل بفرقة الكوميدى فرانسيز، وشارك فى بطولة عدد كبير من الأفلام والمسرحيات والمسلسلات العالمية، فى كل من فرنسا التى عاش بها ما يقرب من ٣٠ سنة، وبلجيكا وتونس، ومن أشهر الأفلام العالمية التى شارك فى بطولتها الفنان جميل راتب فيلم «ترابيز» مع كل من بيرت لانكستر وتونى كيرتس وجينا لولو بريجيدا وتم عرضه سنة ١٩٥٦، وفيلم «لورانس العرب» مع كل من بيتر أوتول وأنطونى كوين وعمر الشريف وتم عرضه سنة ١٩٦٢، بالإضافة إلى الفيلم الكندى التونسى «Chwkmate» الذى شاركت فى بطولته الفنانة المصرية شريهان وتم عرضه سنة ١٩٩٤، والفيلم الفرنسى التونسى «صيف حلق الوادى» الذى تم عرضه سنة ١٩٩٦.

جدير بالذكر أن الفنان جميل راتب قد شارك فى عدد كبير من الأفلام والمسلسلات والمسرحيات بعد عودته إلى مصر، ويعد فيلم «الصعود إلى الهاوية» واحدًا من أشهر أعماله السينمائية، وكان نقطة التحول فى حياته الفنية بمصر، وحصل عن دوره فيه على جائزة أفضل دور ثانٍ وسلمها له الرئيس السادات، وقيل إنه كان أول المرشحين للقيام بتجسيد شخصية خالد صفوان فى فيلم «الكرنك»، ولكن لكنته الغربية حالت دون قيامه بتجسيد هذه الشخصية التى كانت من نصيب الفنان كمال الشناوى.

وقد جسد الفنان جميل راتب على شاشة السينما عددًا من الشخصيات التى لا تنسى، ومن أشهر هذه الشخصيات شخصية الوزير لطفى الخيال فى فيلم «طيور الظلام»، واللواء محمد نجيب فى فيلم «جمال عبدالناصر»، ورجل الأعمال منصور السيوفى فى فيلم «الأولة فى الغرام»، وأفندينا فى فيلم «شفيقة ومتولى»، وأدمون رجل المخابرات الإسرائيلى فى فيلم «الصعود إلى الهاوية»، والشرنوبى رجل الأعمال الفاسد فى فيلم «حب فى الزنزانة»، بالإضافة إلى شخصية رشدى عبدالباقى فى فيلم «على من نطلق الرصاص»، وعونى حافظ وزير الداخلية أيام الملكية فى فيلم «سنة أولى حب»، والدكتور حليم زغلول فى فيلم «قاهر الزمن»، وكذلك أدواره فى باقى أعماله السينمائية المتميزة، ومن أشهرها «ولا عزاء للسيدات» و«خائفة من شىء ما» و«شعبان تحت الصفر» و«دندش» و«قاهر الزمن» و«العرافة» و«وحوش الميناء» و«كيدهن عظيم» و«الوداع يا بونابرت» و«البرىء» و«قاهر الزمن» و«البداية» و«عفاريت الأسفلت» و«رحلة حب» و«الساحر» و«الكيف» الذى لم يكن موافقًا عليه فى البداية لعدم اقتناعه بدوره فيه، وتردد كثيرًا قبل أن يعلن موافقته على الاشتراك فيه، وذلك لابتعاد الشخصية كثيرًا عن شخصيته، واستخدام البهظ بيه ألفاظًا لم يسمع بها من قبل، وتعجب وقتها من اختيار المخرج والمؤلف له، لكنه وافق على الدور، وفوجئ وقتها بالنجاح الساحق للفيلم ولشخصية البهظ بيه، ونال عن تجسيد هذه الشخصية عددًا من الجوائز.

ولعل شخصية السفير الدكتور مفيد أبوالغار التى جسدها فى مسلسل «الراية البيضا» تعد من أهم وأفضل الشخصيات التى جسدها على الشاشة الصغيرة، حيث شعر من يشاهدونه بأنهم بالفعل أمام الدبلوماسى السابق الدكتور مفيد أبوالغار وليسوا أمام الفنان جميل راتب الذى يجسد شخصيته، هذا بالإضافة إلى شخصية إبليس التى جسدها فى مسلسل «الكعبة المشرفة»، ورشوان بيه فى مسلسل «أحلام الفتى الطائر»، ورجل الأعمال لطفى بيه فى مسلسلى «رحلة المليون» و«سنبل بعد المليون» وأبوالفضل والد ونيس فى مسلسل «يوميات ونيس»، والخواجة جيوفانى ديكورينزى خال بشر عبدالظاهر فى مسلسل «زيزينيا»، وريتشارد فى مسلسل «فارس بلا جواد»، بالإضافة إلى الشخصيات التى جسدها فى عدد من المسلسلات على مدى سنوات طويلة، ومنها «نجم الموسم» و«صيام صيام» و«زينب والعرش» و«وقال البحر» و«النديم» و«غدًا تتفتح الزهور» و«الزوجة أول من يعلم» و«ثمن الخوف» و«السبنسة» و«ضمير أبلة حكمت» و«وجه القمر» و«المرسى والبحار» و«مسألة مبدأ» و«الأصدقاء» و«حارة اليهود» وغيرها من المسلسلات التى فتحت له قلوب المشاهدين وساعدت على إبراز موهبته وترسيخ نجوميته.

وفى المسرح، شارك الفنان جميل راتب فى فرنسا فى عدد كبير من عروض فرقة «الكوميدى فرانسيز»، وبعد عودته إلى مصر شارك فى بطولة عدد كبير من المسرحيات منها «دنيا البيانولا» و«اليهودى التائه»، كما شارك مع الفنان محمد صبحى فى بطولة مسرحية «انتهى الدرس يا غبى» بعد أن أعاد تقديمها مرة أخرى فى ثمانينيات القرن الماضى، كما قام الفنان جميل راتب بإخراج عدد من المسرحيات منها «الأستاذ» و«زيارة السيدة العجوز» و«شهر زاد»، كما شارك فى بطولة عدد من الأعمال الإذاعية منها مسلسل «كفر نعمت».

رحم الله الفنان الكبير جميل راتب الذى برع فى تجسيد الشخصيات الكوميدية والجادة والطيبة والشريرة فى السينما والتليفزيون والمسرح، والذى برحيله قد ترك فراغًا هائلًا لا يستطيع فنان آخر أن يملأه.