هكذا نجح المغرب في القطع مع انتهاكات حقوق الإنسان


الدار/ تحليل

لم يتجاوز عدد الشكايات المسجلة منذ بداية السنة الجارية بخصوص ادعاء التعرض للتعذيب 7 شكايات حسب ما صرّح به الحسن الداكي، الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض اليوم الثلاثاء. لا يمكن المرور على هذه الإحصائية مرور الكرام دون التوقف عند دلالاتها الحقوقية العميقة التي تجسد حجم التحوّل الكبير الذي عرفه إدماج قيم حقوق الإنسان في منظومة الأمن والقضاء منذ أكثر من عقدين من الزمن. فسنة بعد سنة تتراجع هذه الشكايات حتى تكاد أن تصل إلى مستوى الصفر ليتأكد بالملموس أن مختلف المؤسسات الأمنية والقضائية في المغرب قد جعلت من ثقافة حقوق الإنسان ركيزة أساسية لممارسة مهامها والقيام بأدوارها الحيوية في المجتمع.

يحقّ للمغرب اليوم أن يفتخر بأنه يمتلك منظومة أمنية ناجعة وفعالة لكنها في الوقت نفسه لا تتساهل أبدا من الانتهاكات والأخطاء التي قد تطال حقوق الإنسان سواء في عمليات التوقيف أو الاعتقال أو السجن، بينما لا تزال ممارسات التعذيب المشينة سلوكا شائعا في العديد من المنظومات الأمنية الناشطة في القارة السمراء والعالم العربي. إن التقدّم الكبير الذي حقّقه المغرب على مستوى محاربة هذه الظاهرة إلى درجة القضاء عليها يمثل قصة نجاح مبهرة في المنطقة يمكن أن تلهم الكثير من الدول والمنظومات الأمنية بالخبرة التي أضحى يمتلكها المغرب في التصدي للجريمة بشتى أنواعها مع احترام الضوابط والقواعد القانونية والقضائية في التعامل مع الأظناء والمتهمين.

هذا التقدّم ليس وليد اليوم، إنه حصيلة مسلسل سياسي طويل بدأه المغرب منذ أن قرر جلالة الملك محمد السادس تشكيل هيئة الإنصاف والمصالحة لطي صفحة الماضي، وتمت المصادقة على تقريرها الختامي الذي وضع كثيرا من التوصيات من أجل ضمان عدم تكرار ما جرى في الماضي. وفي هذا الماضي، الذي عُرف تاريخيا بسنوات الرصاص، كانت الانتهاكات الحقوقية تطال بالأساس معتقلي الرأي والنشطاء السياسيين والمناضلين الحزبيين، وهو القوس الاستثنائي الذي تم إغلاقه بجبر ضرر الضحايا ماديا ومعنويا، والتأسيس لمغرب جديد على مستوى حقوق الإنسان هو الذي نرى اليوم منجزاته وممارساته المنضبطة بالقوانين والإجراءات القضائية الصارمة.

لقد قضت الإرادة الملكية منذ بداية الألفية الثالثة بضرورة السير في هذا المسار الحقوقي إلى أبعد مدى، وقد واكب هذه الإرادة انخراط مباشر في التوقيع على كافة الاتفاقيات الدولية المجرّمة للانتهاكات الحقوقية بما في ذلك الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب وبروتوكولاتها الاختيارية. لم يتردد المغرب أبدا في المصادقة وتبني كل الوثائق والنصوص الدولية التي تكرّس قيم حقوق الإنسان دون انتقائية أو تردد. كما أن المغرب كان دائما حريصا على استخلاص الدروس من خلال متابعة الممارسات الميدانية التي أعقبت بعض الأحداث الأمنية الكبرى التي عرفها المغرب أو عرفتها بعض بلدان العالم الأخرى. ومن جهتها كانت الأجهزة الأمنية الوطنية بكافة مؤسساتها في الموعد عندما تبنّت دون تردد مشاريع التكوين على ثقافة حقوق الإنسان لفائدة أطرها العاملين في مختلف المستويات الأمنية.

إن التخلّص من ممارسة مشينة كالتعذيب ليس مجرد قرار إداري يتم التوقيع عليه وينتهي الأمر. فما تم إنجازه خلال العقدين الأخيرين من الزمن كان تغييرا عميقا وتدريجيا لثقافة المجتمع التي كانت سائدة في السابق، والتي كانت تتساهل، أو تتقبل، إلى حد بعيد هذا النوع من الممارسات إذا صدرت عن هيئات رسمية باعتبار أن غايتها نبيلة وهي الحفاظ على أمن واستقرار البلاد. ولعلّ الدور الذي لعبته الأجهزة الأمنية في المغرب في اجتثاث هذا النوع من التصورات والمعتقدات السائدة كان بمثابة واحد من الإصلاحات الثقافية الهامة في تاريخ المغرب الحديث، إذ لم يقتصر الأمر على تجويد الممارسة الأمنية وجعلها قادرة على الالتزام بمعايير حقوق الإنسان، بل ساهم أيضا في تنوير الرأي العام ودفعه إلى عدم التساهل مع مثل هذه الممارسات والعمل على المطالبة باحترام الإجراءات القضائية لضمان عدم التعرض للانتهاك. ولعلّ الصرامة التي كانت تتعامل بها الإدارة العامة للأمن الوطني مع كل الادعاءات، الموثّقة أو غير الموثّقة، والمبادرة السريعة إلى ترتيب العقوبات اللازمة ضد مرتكبيها لأكبر دليل على أن ممارسة التعذيب وغيره من الانتهاكات الحقوقية أصبح ذكرى من ذكريات الماضي البعيد التي لن تعود أبدا لتعكير صفو الرخاء الحقوقي الذي تعيشه بلادنا.

تاريخ الخبر: 2022-09-20 21:24:05
المصدر: موقع الدار - المغرب
التصنيف: مجتمع
مستوى الصحة: 52%
الأهمية: 69%

آخر الأخبار حول العالم

عاجل.. تأجيل انتخاب اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال 

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-28 21:26:06
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 69%

عاجل.. تأجيل انتخاب اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال 

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-28 21:26:10
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 63%

رسميا.. انسحاب اتحاد العاصمة الجزائري من مواجهة نهضة بركان

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-28 21:25:56
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 67%

رسميا.. انسحاب اتحاد العاصمة الجزائري من مواجهة نهضة بركان

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-28 21:26:04
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 57%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية