جيورجيا ميلوني تضرم «الشعلة الفاشية» في إيطاليا


نشأت جيورجيا ميلوني، زعيمة حزب «إخوان إيطاليا» الذي قام على ركام الحركة الفاشية، في بيئة تمجد شخصية الذكر. وترعرعت في محيط ينقاد وراء صورة الزعيم، وبدأت مسيرتها السياسية في ظل الفحولية البرلوسكونية، إلى أن أصبحت اليوم أيقونة اليمين الإيطالي، واقفة على أعتاب رئاسة الحكومة بعد فوزها المرجح في انتخابات الأحد المقبل لتصبح أول امرأة تعتلي قمة الهرم السياسي في إيطاليا.

أواخر العام الماضي، وفي حديث إلى إحدى قنوات التلفزيون الفرنسي، قالت ميلوني: «في اعتقادي أن بنيتو موسوليني كان سياسياً ممتازاً. كل ما فعله كان لأجل إيطاليا، وهذا ما نفتقده في السياسيين الذين تعاقبوا على إيطاليا خلال العقود الخمسة المنصرمة». لكن منذ أن بدأت استطلاعات الرأي ترجح فوز حزبها في الانتخابات العامة المقبلة، وبعد أن توافقت أطراف الائتلاف اليميني على أن يتولى رئاسة الحكومة زعيم الحزب الفائز بالمرتبة الأولى، لم تعد ميلوني تدلي بتصريحات تعرب فيها عن إعجابها بمؤسس الحركة الفاشية التي ينص الدستور الإيطالي على حظرها ومنع استخدام شعاراتها في الأنشطة السياسية والاجتماعية.

ورغم ذلك، لا يبدو أن ميلوني قد تخلت عن الموروث السياسي الذي نشأت فيه، ويكاد لا يمر يوم منذ بداية الحملة الانتخابية من غير أن تستحضر فيه بعض الأفكار والمواقف التي، وإن لم يتوقف عندها الإيطاليون لكثرة ما ترددت على مسامعهم في السنوات الأخيرة، تطلق صفارات الإنذار في الدوائر والعواصم الأوروبية التي تخشى أن يكون وصول ميلوني إلى رئاسة الحكومة المنعطف الحاسم الذي يترسخ عند اليمين المتطرف في أوروبا.

يجدر التذكير في هذا المجال أن الفاشية لم تطرد عملياً من المشهد السياسي الإيطالي حيث أتيح لأتباعها أن يعيدوا تنظيم صفوفهم تحت راية حزب جديد هو «الحركة الاجتماعية الإيطالية». بينما في ألمانيا فرض الحلفاء نظاماً صارماً يقصي النازيين بشكل نهائي ودائم من السلطة.

وعندما كانت ميلوني في الخامسة عشرة من عمرها انضمت إلى جناح الشباب في حزب الفاشيين الجدد الذي غير اسمه بعد ذلك عدة مرات قبل أن يصبح اليوم «إخوان إيطاليا» المقتبس من عنوان النشيد الوطني الإيطالي، والذي لم يعلن يوماً تخليه عن إرث موسوليني. لكن هل يعني ذلك أن إيطاليا في طريقها للعودة إلى الفاشية؟ وأن أشباح الماضي عادت لتطل من جديد على المشهد السياسي؟

إن صعود اليمين المتطرف ووصول جيورجيا ميلوني إلى أبواب الحكم في إيطاليا، ليس مرده لعودة الحياة إلى الفاشية بقدر ما هو ناجم عن انجذاب الناخب الإيطالي إلى كل البرامج والمشاريع التي تناهض الوضع السياسي القائم وتدعو إلى تغييره بصورة جذرية.

وميلوني ليست سوى آخر حالة في سلسلة من القيادات الراديكالية والشعبوية التي نمت شعبيتها بسرعة في إيطاليا منذ تسعينات القرن الماضي.

يكفي إلقاء نظرة على حلفاء ميلوني في هذه الانتخابات: سيلفيو برلوسكوني الذي كان رائد الموجة الشعبوية، وماتيو سالفيني الذي تخلى عن مشروعه الانفصالي ليتزعم التيار اليميني المتطرف قبل أن تتراجع شعبيته مؤخراً لحساب منافسته وحليفته اللدودة جيورجيا ميلوني.

وإذا كان تحالف ميلوني مع شخصية متطرفة ومثيرة للجدل مثل سالفيني يكشف عن حنكة ومهارة في خوض المياه السياسية الإيطالية البالغة التعقيد، فإنه يظهر أيضاً الميل المتأصل لدى الناخب الإيطالي للتصويت إلى الذين لم يسبق أن تولوا الحكم، على اعتبار أنهم، على الأقل، غير فاسدين.

المنصب الحكومي الوحيد الذي تولته ميلوني حتى الآن كان حقيبة الشباب في إحدى حكومات برلوسكوني عام 2008، بحيث بقيت خارج دائرة الحروب والصراعات الداخلية المنهكة التي شهدتها الحكومات الإيطالية الأخيرة، وكانت المستفيدة الأولى من السخط المزمن الذي يكنه الإيطاليون للطبقة الحاكمة.

مع وصول اليمين المتطرف مؤخراً إلى الحكم في السويد، واقتراب العديد من الأحزاب الراديكالية المناهضة للنظام القائم من الحكم في الدول الغربية، لم تعد ميلوني خارج المنازع السياسية السائدة، خاصةً بعد أن أتقنت طرح الأفكار المتطرفة بحلة مقبولة.

برلوسكوني كان هو السباق عند وصوله إلى الحكم في العام 1994 رافعاً شعارات كالتي ترفعها اليوم ميلوني. وهو الذي كشف رسوخ الشعبوية في أوروبا، وجعل من الاستقطاب القاعدة الأساسية لاستراتيجيته السياسية التي بناها على إمبراطوريته الإعلامية المترامية، فاتحاً الباب واسعاً أمام الواقع البديل الذي تشكله اليوم وسائل التواصل الاجتماعي وما يتفرع عنها.

لكن ريادة برلوسكوني في هذا المجال تبعتها أجيال أخرى جعلت من إيطاليا المختبر الأوروبي بامتياز للحركات السياسية المناهضة للوضع القائم، التي كان لا بد أن تصل إلى خاتمتها المنطقية: الفاشية.

من هنا ينشأ القلق العميق الذي يسري في الأوصال الأوروبية اليوم إزاء احتمال وصول ميلوني إلى سدة الحكم في إيطاليا، وتزداد المخاوف من أن ما كانت تقوله في الماضي عن موسوليني، تسكت اليوم عنه لكنها ما زالت تؤمن به.


تاريخ الخبر: 2022-09-25 09:22:46
المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 83%
الأهمية: 92%

آخر الأخبار حول العالم

المفاوضات لإقرار هدنة في قطاع غزة "تشهد تقدما ملحوظا"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 15:26:05
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 63%

المفاوضات لإقرار هدنة في قطاع غزة "تشهد تقدما ملحوظا"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 15:26:01
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 57%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية