انتخابات مجلس الأمة الكويتي: برلمان "شبه ديمقراطي" في صدام مستمر مع السلطة

صدر الصورة، Getty Images

يترقب الكويتيون موعد الانتخابات البرلمانية في 29 سبتمبر/أيلول الحالي، حيث سيتوجه الناخبون إلى صناديق الاقتراع لاختيار 50 عضوا يمثلونهم في مجلس الأمة، ومواصلة مسيرة نيابية ممتدة منذ نحو 60 عاما.

وقد سبقت الكويت باقي دول منطقة الخليج في تبني نظام برلماني، وتشكل البلاد حالة فريدة من نوعها في محيط مجلس التعاون الخليجي، وتوصف بأنها "شبه ديمقراطية" بالمقاييس العالمية.

فكيف تأسس مجلس الأمة وكيف يتم اختيار أعضائه؟ وكم عدد المرات التي تعرض فيها للحل؟ وما أسباب علاقة الشد والجذب المستمرة بينه وبين الحكومة، وضآلة - إن لم يكن انعدام - التمثيل النسائي به؟

  • "وثيقة القيم" في الكويت: "مكافحة لدعوات التغريب" أم "حرب على الحريات"؟
  • انتخابات مجلس الأمة الكويتي: التصويت في ظل كورونا

من مجلس الشورى إلى مجلس الأمة

بعد وفاة أمير الكويت الشيخ سالم المبارك الصباح في عام 1921، اجتمع بعض أعيان البلاد ووجهائها بأعضاء أسرة آل الصباح الحاكمة، وأبلغوهم برغبتهم في أن يكون لهم كلمة في شؤون البلاد والحكم، ما أسفر عن إنشاء مجلس الشورى.

وأصبح أمير البلاد آنذاك أحمد الجابر الصباح يحكم البلاد بطريقة تختلف عن طريقة حكم أسلافه، إذ كان يتعين عليه استشارة أعضاء المجلس الـ 12 الذين تم تعينهم. ولم يمض على المجلس أكثر من شهرين قبل أن يُحل بسبب كثرة الخلافات والمنازعات بين الأعضاء.

تخطى قصص مقترحة وواصل القراءة
قصص مقترحة
  • محمد الحلبوسي: ماذا بعد إعلان استقالته من رئاسة البرلمان العراقي؟
  • الانتخابات الإيطالية 2022: الإيطاليون يدلون بأصواتهم في انتخابات يتطلع اليمين المتطرف للفوز بها
  • رئيس وزراء بريطانيا: كيف يقرر عدد صغير من البريطانيين من سيصبح زعيما للبلاد؟
  • وثيقة القيم في الكويت: ماذا تتضمن؟ ولماذا أثارت جدلا حول "خلط الدين بالسياسة" و"مصادرة الحريات" في البلاد؟

قصص مقترحة نهاية

وجرت أول انتخابات لاختيار أعضاء أول مجلس تشريعي للكويت في يونيو/ حزيران عام 1938 في عهد الأمير الشيخ أحمد الجابر الصباح، والذي ضم 14 عضوا من بينهم اثنان من أعضاء مجلس شورى عام 1921، واختير الشيخ عبد الله السالم الصباح رئيسا له.

لم يطل أمد ذلك المجلس سوى ستة أشهر، إذ قام أمير البلاد بحله ودعا إلى انتخاب مجلس جديد، لكن بسبب الخلافات وتأزم الوضع السياسي تم حله هو الآخر.

ولم تتكرر تلك التجربة حتى عام 1962، بعد أن نالت الكويت استقلالها وصدر القانون رقم (1) الذي تضمن النظام الأساسي للحكم في فترة الانتقال من الإمارة إلى الدولة، وكان بمثابة دستور مؤقت. وأحال القانون مهمة وضع الدستور الدائم إلى المجلس التأسيسي المكون من 20 عضوا منتخبا، فضلا عن 11 وزيرا كان جميعهم من أسرة آل الصباح. وقد أطلق على المجلس التأسيسي فيما بعد اسم "مجلس الأمة".

يتكون المجلس حاليا من 50 عضوا يتم اختيارهم من قبل الشعب من خلال الانتخاب العام السري المباشر، فضلا عن وزراء الحكومة الذين يشترط الدستور ألا يزيد عددهم عن ثلث إجمالي الأعضاء (أي 16 وزيرا). وبإمكان الحكومة اختيار عضو برلماني أو أكثر لمنصب وزير، فيكون في هذه الحالة وزيرا في السلطة التنفيذية ونائبا في السلطة التشريعية، ويسمى "الوزير المحلل".

حل المجلس أو إعفاء الحكومة

تخطى البودكاست وواصل القراءة
البودكاست

تغيير بسيط: ما علاقة سلة مشترياتك بتغير المناخ؟

الحلقات

البودكاست نهاية

جاء في المادة 102 من دستور الكويت أنه "إذا رأى مجلس الأمة ... عدم إمكان التعاون مع رئيس الوزراء، رفع الأمر إلى الأمير، وللأمير في هذه الحالة أن يعفي رئيس مجلس الوزراء ويعين وزارة جديدة، أو أن يحل مجلس الأمة. وفي حالة الحل، إذا قرر المجلس الجديد بذات الأغلبية عدم التعاون مع رئيس مجلس الوزراء المذكور اعتبر معتزلا منصبه ... وتشكل وزارة جديدة".

وقد تم حل مجلس الأمة 10 مرات في تاريخه. وفي اثنتين من تلك الحالات (في عامي 1976 و1986) حدث ذلك بأمر أميري وتم وقف العمل ببعض مواد الدستور ومنها الدعوة لانتخابات جديدة، وفي بقية الحالات الثماني (أعوام 1999، 2006، 2008، 2009، 2011، 2012، 2016، و2022) تم الحل بمرسوم أميري وفقا للمادة 107 من الدستور التي تنص على وجوب إجراء انتخابات في ميعاد لا يجاوز الشهرين.

اختلفت تفاصيل أسباب الحل في كل مرة من المرات العشر، ولكنها عادة ما تُعزى إلى خلافات بين المجلس والحكومة تؤدي أحيانا إلى تأزم العلاقة بين الطرفين.

فالعلاقة بين مؤسسة الحكم والبرلمان في الكويت يمكن أن توصف بأنها علاقة تعاون تشوبها الصراعات المتكررة واتهام النواب للحكومة بمحاولة تجاوز الدستور أو إلغاء الحياة البرلمانية، أواتهام الحكومة للنواب بتعطيل التشريعات التي تعود بالنفع على المواطنين.

على سبيل المثال، تم حل مجلس الأمة عام 1976 بعد أن قدمت الحكومة استقالتها على خلفية ما اعتبرته تعطيلا من قبل المجلس للعديد من مشروعات القوانين.

وفي عام 1986، حُل المجلس بعد ما عرف بـ "أزمة المناخ"، بعد انهيار سوق المناخ غير الرسمي للأوراق المالية، وما تلى ذلك من استجوابات للمسؤولين أدت إلى استحالة التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.

وكان مجلس 2009 هو أول مجلس يطلب استجواب رئيس الوزراء. وفي أعقاب حادثة اقتحام المجلس من قبل متظاهرين برفقة نواب معارضين للمطالبة باستقالته في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2011، استقال رئيس مجلس الوزراء وصدر مرسوم أميري بحل المجلس وإجراء انتخابات جديدة.

المرة الأخيرة التي تم فيها حل المجلس، في 2 أغسطس آب الماضي، سبقها احتقان كبير بين النواب والوزراء وزيادة وتيرة الاستجوابات، فضلا عن مطالبة نواب من المعارضة برحيل "الرئيسين"، رئيس الحكومة صباح الخالد ورئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم.

  • مشاهير متهمون بغسيل أموال في الكويت .. فما القصة؟

صدر الصورة، Getty Images

الصوت الواحد

في عام 2006، أعيد تقسيم الكويت إلى 5 دوائر انتخابية بدلا من 25، وأصبح لكل ناخب الحق في منح صوته لأربعة مرشحين بدلا من اثنين كما كان الحال في السابق. وكان الهدف هو محاربة ظاهرة شراء الأصوات وإجراء "الانتخابات الفرعية" التي جرمها القانون، وهي عبارة عن انتخابات استباقية تقوم بها الكتل والتجمعات السياسية لاختيار مرشحيها بغرض حشد التأييد لهم، تمهيدا لدخول الانتخابات البرلمانية أو البلدية.

وفي عام 2012، بدأ العمل بنظام الصوت الواحد بعد تعديل قانوني أصدره أمير الكويت بمرسوم بموجب الدستور. ويرى مؤيدو هذا النظام أنه نجح في القضاء على ما يعرف بظاهرة "نواب الصوت الثاني" الذين ينجحون بفضل حلفائهم من النواب ذوي الشعبية والذين يطالبون ناخبيهم بمنح صوتهم الثاني لهؤلاء النواب الأقل شعبية.

أما معارضوه فيقولون إنه أدى إلى تفشي ظاهرة شراء الأصوات، والتصويت وفقا للانتماءات القبلية والعرقية، ما أدى برأيهم إلى انتخاب نواب موالين بشكل تام للحكومة.

  • ماذا وراء إلغاء الكويت قانونا يجرم "التشبه بالجنس الآخر"؟

المرأة: مشاركة هزيلة أو منعدمة

لطالما كان تمثيل المرأة في البرلمانات العربية ضعيفا بشكل عام، والكويت ليست استثناء.

في عام 2005، أُقر قانون يسمح للنساء بالإدلاء بأصواتهن والترشح في انتخابات مجلس الأمة. وشاركت المرأة الكويتية في عضوية المجلس للمرة الأولى عام 2009 بأربع نائبات. وتراجع العدد إلى ثلاث في مجلس 2012، ثم إلى نائبتين في مجلس 2013.

وفي انتخابات عام 2016، فازت امرأة واحدة بعضوية المجلس. أما الانتخابات الأخيرة التي أجريت عام 2020 فلم تفز فيها أي سيدة، لتصبح الكويت الدولة العربية الوحيدة التي يخلو برلمانها من النساء.

وتخوض الانتخابات المقررة في 29 سبتمبر/ أيلول الحالي 27 مرشحة من أصل 376 مرشحا للفوز بمقعد من مقاعد المجلس للسنوات الأربع القادمة - ما لم يتم حل المجلس قبل انتهاء تلك الفترة.

ويرى كثيرون أن السبب في التمثيل النيابي المنعدم، أو الهزيل في أفضل الأحوال، للمرأة في برلمان الكويت يرجع إلى أن المجتمع، برجاله ونسائه ، لا يزال غير مهيأ لتقبل مشاركة المرأة في السياسة (فالناخبات يشكلن نسبة لا تقل عن نسبة الناخبين الرجال)، إذ لا تزال تسوده ثقافة ذكورية محافظة.

وقد شكت مرشحات في انتخابات عام 2020 من تعرضهن لشائعات وحملات شرسة تطرقت إلى أمور شخصية، وسعت إلى تداول فتوى تحرم إعطاء الصوت الانتخابي لامرأة.

  • لماذا لم ينتخب الكويتيون أي امرأة لتدخل مجلس الأمة؟

تجربة فريدة

الدستور الكويتي لم يحظر حرية إنشاء الأحزاب السياسية ولم ينص على ضرورة تشكيلها.

ولا توجد في البلاد أحزاب سياسية بالمعنى المتعارف عليه، ولكن هناك تيارات وتكتلات سياسية، مثل الحركة التقدمية الكويتية، والمنبر الديمقراطي، والحركة الدستورية الإسلامية وغيرها.

وهناك الكثير من المطالبات من قبل شخصيات سياسية وأكاديمية وإعلامية بضرورة وجود أحزاب سياسية مُشهَرة توضع لها قوانين تنظم عملها على غرار الكثير من التجارب الديمقراطية التي تعتمد التعددية الحزبية في العالم. يرى هؤلاء أن ذلك سيكون من شأنه تركيز البرلمان على قضايا ذات أولوية لمصلحة المجتمع ككل، بدلا من أن يكون تركيز كل نائب أو مجموعة صغيرة من النواب على مصالح شخصية يجري التصارع من أجلها.

وربما كان غياب أحزاب سياسية لها برامج عمل محددة، وبقاء السلطة التنفيذية تحت رئاسة عضو من الأسرة الحاكمة - التي عادة ما يشغل أعضاء منها مناصب وزارية رفيعة - من أبرز الأسباب التي تحدو بالبعض إلى وصف تجربة الكويت بأنها تجربة "شبه ديمقراطية"، أو "ديمقراطية لم تكتمل".

ورغم ذلك، ورغم ما تبدو صراعات لا نهائية بين الحكومة والنواب، تظل تجربة الكويت البرلمانية تجربة فريدة ميزتها عن باقي البلدان في محيطها الجغرافي. والكويت هي الدولة الوحيدة في مجلس التعاون لدول الخليج العربية التي يستطيع برلمانها أن يعترض على القوانين، ويستجوب الوزراء ويسحب الثقة عن الحكومات.