في الآونة الأخيرة، تصدر ملف تسليح اليونان لجزر منزوعة السلاح في بحر إيجة واجهة الخلاف بين تركيا واليونان، الأمر الذي دفع أنقرة إلى التهديد مجدداً بإعادة بحث مسألة السيادة على هذه الجزر.

آخر الانتهاكات اليونانية للاتفاقيات التي تمنع تسليح الجزر كان ما رصدته المسيّرات التركية الأحد لمشاهد تؤكد نقل اليونان مدرّعات إلى جزر منزوعة السلاح في بحر إيجة.

ويوم الاثنين، استدعت وزارة الخارجية التركية السفير اليوناني في أنقرة لتبلّغه احتجاجها على نشر أثينا مدرّعات أمريكية المنشأ في جزيرتَي "مدللي" و"ساقز". كما بعثت تركيا مذكرة احتجاج إلى الولايات المتحدة وطالبتها بمراعاة وضع جزر شرقي إيجة.

قبل البدء بسرد حكاية الجزر والتذكير بالاتفاقيات التي نظمت أمورها طوال القرن المنصرم، يشار إلى أن الجزر موضوع النزاع هي جزر "منتشه" التي يُطلق عليها في الإعلام اصطلاحاً جزر الاثنى عشر، وغالباً ما يُطلق عليها خطأً الاثنتا عشرة جزيرة ظناً أن عددها 12 جزيرة، إلا أنها في الحقيقة عبارة عن 14 جزيرة، إضافة إلى 10 جزر صغيرة وتجمعات صخرية. أما سبب التسمية فيرجع إلى أن كل جزيرة كانت تضم مجلساً محلياً مكوناً من 12 شخصاً يهتمون بالأمور الإدارية الداخلية، وقد واصل العثمانيون تطبيق هذا الأمر بعد فتحهم الجزر. فيما يُطلق عليها اليونانيون اسم "Dodace-Nissas".

بداية النزاع

بعد إعلان اليونان استقلالها عن الدولة العثمانية في أبريل/نيسان 1830، وبينما استمرت السيادة العثمانية على معظم جزر بحر إيجة، سيطرت اليونان على جزر سبوراديس الشمالية، وجزر سيكلاديس وبعض الجزر.

بقيت الحال على ما هي عليه إلى أن اندلعت مواجهات طرابلس بين الدولة العثمانية وإيطاليا التي احتلت مجموعة "جزر منتشه" عام 1912، ورفضت التخلي عنها رغم اتفاقية أوشي أو لوزان الأولى الموقعة في عام 1911، بحجة أن انسحابها سيعطي فرصة لليونان لاحتلالها خلال حرب البلقان.

ومع انشغال الدولة العثمانية بحرب البلقان، استغلت اليونان الفرصة وفرضت احتلالها على معظم جزر إيجة باستثناء جزر غوكتشه وبوزجه، بالإضافة إلى ميس التي بقيت تابعة للدولة العثمانية. ونتيجة لخسارتها الحرب العالمية أجبرت الدولة العثمانية على التنازل عن حقوقها في الجزر المحتلة من إيطاليا، والاعتراف بسيادة اليونان على الجزر التي احتلتها، بالإضافة إلى التخلي عن الجزر التي تُركت لها قبل ذلك بموجب قرار الدول الست الكبرى.

وبعد طرد اليونانيين وحلفائهم الغربيين من الأناضول على يد القائد مصطفى كمال أتاتورك ورفاقة بالسلاح، وتأسيس الجمهورية التركية عام 1923، لم يتغير حال الجزر المحتلة كثيراً، إذ بقيت الجزر تابعة لليونان وإيطاليا. ولاحقاً تنازلت إيطاليا عن جزرها لألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية، والتي انتقلت ملكيتها إلى بريطانيا ومن ثم إلى اليونان وفقاً لمعاهدة السلام الموقعة بين الحلفاء وإيطاليا عام 1947.

في الجزء القادم من التقرير سنستعرض أبرز المعاهدات والاتفاقيات التي حاولت البحث عن حلول مؤقتة أو دائمة للجزر المتنازع عليه في بحر إيجة.

اتفاق أثينا 1913

في أعقاب توقيع معاهدة لندن بين الدولة العثمانية ودول البلقان في مايو/ أيار 1913، والتي بموجبها تنازلت الدولة العثمانية عن حقوقها السيادية في جزيرة كريت، تُرك تحديد مصير الجزر الأخرى لقرار الدول الست الكبرى، وهي: إنجلترا، وفرنسا، وألمانيا، والنمسا-المجر، وروسيا، وإيطاليا، وقّعت الدولة العثمانية واليونان اتفاق أثينا في نوفمبر/تشرين الثاني 1913، حيث تعهد الطرفان بالالتزام بشروط وأحكام معاهدة لندن.

من جهتها، وافقت الدولة العثمانية على قرارات الدول الست بخصوص عودة جزر غوكتشه أدا وبوزجه أدا وميس إلى الدولة العثمانية، بالإضافة إلى عدم تسليح الجزر التي تسيطر عليها اليونان أو إقامة تحصينات عسكرية فيها أو استخدامها لأي أغراض عسكرية، وهو الأمر الذي أكدته الاتفاقيات والمعاهدات اللاحقة الأخرى، وتتجاهله اليونان منذ سنوات.

معاهدة سيفر 1920

بعد خسارتها في الحرب العالمية الأولى، أجبرت دول الحلفاء الحكومة العثمانية على توقيع معاهدة سيفر في 10 أغسطس/آب 1920، والتي بموجبها احتلت الدول الغربية الأراضي التركية، وواصلت إيطاليا احتلالها لـ"جزر منتشه"، وأجبرت الدولة العثمانية على الاعتراف بسيادة اليونان على الجزر التي احتلتها، بالإضافة إلى التخلي عن الجزر التي تُركت لها قبل ذلك بموجب قرار الدول الست الكبرى.

أشعلت أحكام هذه المعاهدات حرب الاستقلال بقيادة مصطفى كمال أتاتورك ضد القوات المحتلة، والتي انتهت بانتصار الأتراك في سبتمبر/أيلول 1922، والذي بدورة عزز موقف تركيا التفاوضي في لوزان السويسرية.

معاهدة لوزان 1923

استعاد الأتراك في معاهدة لوزان، التي تعتبر بمثابة سند طابو الجمهورية التركية الحديثة، جزر غوكتشه أدا، وبوزجه أدا، وتفشان أداسي. فيما طالب رئيس الوفد المفاوض عصمت إينونو بضرورة إنشاء كيان سياسي محايد ومستقل في بعض الجزر الأخرى لضمان حظر أي أنشطة عسكرية على تلك الجزر.

وبينما نصت المادة الـ6 من معاهدة لوزان على أن الحدود البحرية تتضمن الجزر والجزر الصغيرة الواقعة على بعد أقل من ثلاثة أميال من الساحل، أقرت المادة 12 بنود معاهدتي لندن وأثينا بشأن سيادة اليونان على جزر شرقي البحر المتوسط، بشرط عدم إقامة أي تحصينات أو قواعد عسكرية في تلك الجزر.

فيما نصت المادة 15 على تنازل تركيا لإيطاليا عن جميع الحقوق السيادية في الجزر الواقعة تحت الاحتلال الإيطالي، ومن ضمنها رودوس وجزيرة ميس/كاستيلوريزو البعيدة عن الساحل التركي أقل من ثلاثة كيلومترات.

اتفاق باريس للسلام عام 1947

أثناء الحرب العالمية الثانية استخدمت ألمانيا "جزر منتشه" التي تسيطر عليها حليفتها إيطاليا لشن هجماتها، ونتيجة لخسارة ألمانيا وإيطاليا الحرب، سُلمت كل الجزر التي سيطرت عليها ألمانيا في بحر إيجة إلى بريطانيا.

وبموجب المادة 14 من اتفاق باريس للسلام الموقع بين إيطاليا والحلفاء في فبراير/شباط 1947، سلمت إيطاليا "جزر منتشه" والجزر الصغيرة التابعة لها، وجزيرة ميس المتاخمة للسواحل التركية إلى اليونان. وهو الأمر الذي لم تقبله تركيا ولم تعترف به، حيث تطالب حالياً بإجراء مفاوضات لتحديد مصير كثير من الجزر، والجزر الصغيرة التي لم تنقل تبعيتها إلى أي دولة بموجب الاتفاقيات السابقة.

ووفقاً للفقرة الثانية من المادة الرابعة عشرة لاتفاق باريس، جرى نزع السلاح عن "جزر منتشه"، ونصت المعاهدة أيضاً على عدم بقاء أي قوات مسلحة في الجزر، باستثناء قوات الأمن (الشرطة)، وعدم إقامة أي تحصينات، وهو ما تسعى اليونان إلى خرقه حتى اليوم.

TRT عربي