شهدت أسعار النفط الخام تقلبات بسبب مخاوف ضعف الطلب وتنامي القلق من الركود الاقتصادي، خاصة بعد ارتفاع المخزونات النفطية الأمريكية هذا الأسبوع، بينما تنامت الشكوك بشأن استقرار المعروض العالمي، ما دعم الأسعار.
وتنامت معاناة دول الاستهلاك من عدم استقرار السوق، حيث قالت الهند وهي أسرع اقتصادات العالم نموا، إن شح إمدادات النفط وارتفاع الأسعار نسبيا يلقيان بثقلهما على قدرة الهند على الانخراط في جهود الولايات المتحدة لتطبيق حد أقصى للأسعار العالمية على الخام الروسي.
وقال لـ"الاقتصادية" محللون نفطيون: إن هناك قلقا متزايدا بين الدول النامية فيما يتعلق بكيفية تلبية احتياجات أمن الطاقة لديها، لا سيما أن أسواق الطاقة "تتعرض لضغوط شديدة للغاية".
وأشار المحللون إلى ترقب السوق تتفيذ قرار الاتحاد الأوروبي اعتبارا من 5 كانون الأول (ديسمبر) حظر استيراد النفط الروسي المحمول بحرا، ومن المقرر أن يبدأ حظر المنتجات البترولية المكررة في 5 فبراير، وأن الدولار القوي وتوقعات الطلب المنخفضة سيظلان رياحا معاكسة قوية للأسعار حتى نهاية العام، لافتين إلى صعوبات ناجمة عن نقص الاستثمار وانخفاض الطاقة الاحتياطية ونمو المخزونات، حيث يتوقع بنك وول ستريت أن يبلغ متوسط سعر خام برنت 100 دولار للبرميل في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام.
وفي هذا الاطار، يقول الدكتور فيليب ديبيش رئيس المبادرة الأوروبية للطاقة: إن الحظر الأوروبي سيضيف مزيدا من التوتر للسوق النفطية نظرا لأن مزودي الخدمات البحرية يتركزون بشكل كبير في دول الاتحاد الأوروبي ودول مجموعة السبع التى تتحكم في توفير 90 في المائة من تأمين الشحن العالمي، ولذا فقد تضطر روسيا إلى إغلاق جزء كبير من منتجاتها الخام والمكررة.
وأضاف على الجانب الإيحابي، رصدت تقارير دولية أن الطلب على النفط في الصين على وشك أن يبدأ بالانتعاش بعد انتهاء قيود كوفيد، حيث أدت عمليات الإغلاق في ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم في وقت سابق من هذا العام إلى انخفاض الطلب، وألقت بثقلها على الأسعار وتوقعات الأسعار بسبب سياسة منع انتشار فيروس كورونا في بكين، موضحا أنه بسبب عمليات الإغلاق السابقة من المتوقع أن يتقلص الطلب على النفط في الصين هذا العام لأول مرة منذ 20 عاما.
من جانبه، يقول جوران جيراس مساعد مدير بنك "زد أيه إف" في كرواتيا: إن التدهور الاقتصادي الذي اجتاح الصين في وقت سابق من هذا العام وسط عمليات الإغلاق، قد انتهى الآن، وإن أسعار التكرير آخذة في الارتفاع، كما أن استهلاك البنزين قد انتعش أيضا وسيؤدي إلى انتعاش الطلب على الوقود، كذلك المصافي الصينية بدأت بالتفكير في زيادة معدلات تشغيلها وتوقع زيادة الطلب على الوقود والصادرات خلال الربع الأخير من العام.
وأوضح جيراس، أن مع الحظر الذي فرضه الاتحاد الأوروبي على واردات النفط الروسي اعتبارا من ديسمبر، سيتعين على روسيا إيجاد أسواق جديدة لنحو 2.4 مليون برميل يوميا من صادراتها من الخام والمنتجات المكررة، التي سيتم حظرها من دخول دول الاتحاد الأوروبي ومجموعة السبع، ما لم يبع النفط بسعر معين أو أقل من السعر الذي يتوقع المشترون تحديده.
من ناحيته، يقول أندريه يانييف المحلل البلغاري والباحث في شؤون الطاقة، إن فرض آلية الحد الأقصى للأسعار في تجارة النفط الروسي مع الغرب ستواجه صعوبات في التطبيق، كما يتوقع عديد من المحللين، حتى إذا تمكنت روسيا من تحويل جميع صادراتها النفطية التي كانت مرتبطة سابقا بالاتحاد الأوروبي باتجاه الشرق إلى آسيا، فإن هذا سيؤدي إلى نقص في سوق ناقلات النفط.
وأوضح أن ناقلات النفط المتاحة غير المملوكة أو المرتبطة بمالكين من الاتحاد الأوروبي أو مجموعة السبع ليست كافية ببساطة للتعامل مع صادرات النفط الروسية الضخمة، لافتا إلى أن أكبر تحول في تجارة النفط في الذاكرة الحديثة من شأنه أن يوجد صداعا إضافيا للمشترين وسط انخفاض توافر الناقلات وارتفاع الأسعار بسبب ارتفاع أسعار الشحن، مشيرا إلى تأكيد شركة فيتول أن تغيير مسار الخام الروسي من الغرب إلى الشرق سيضع ضغطا على قطاع الشحن.
بدورها، تقول مواهي كواسي العضو المنتدب لشركة "أجركرافت" الدولية، إن التجار سيواجهون تحديات في تحميل النفط من الموانئ الروسية، كما أن السوق تواجه مخاوف حادة بسبب الركود، حيث خفض بنك جولدمان ساكس بشكل حاد توقعاته لأسعار النفط وسط تزايد علامات التباطؤ الاقتصادي العالمي، لكنه قال، إن النفط الخام من المحتمل أن يرتفع من المستويات الحالية لأن السوق لا تزال "ضيقة للغاية".
وأضافت أن الدولار القوي وتوقعات الطلب المنخفضة ستظل رياحا معاكسة قوية للأسعار حتى نهاية العام، مشيرة إلى الصعوبات الناجمة عن نقص الاستثمار وانخفاض الطاقة الاحتياطية ونمو المخزونات، حيث يتوقع بنك وول ستريت أن يبلغ متوسط سعر خام برنت 100 دولار للبرميل في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام.
وأشارت إلى توقعات جولدمان ساكس أن منظمة "أوبك" ستبقي على الأرجح إنتاجها بالقرب من مستويات اليوم لبقية العام ما سيسهم في انتعاش الأسعار.
من جهة أخرى، ارتفعت أسعار النفط أمس، خلال ساعات التداول في الولايات المتحدة، إذ فاق تأثير تخفيضات الإنتاج الناتجة عن الإعصار إبان تأثير الضغوط المرتبطة بارتفاع الدولار والزيادة المتوقعة في مخزونات الخام الأمريكية.
وارتفعت العقود الآجلة لخام برنت 80 سنتا، أو 0.9 في المائة، إلى 87.07 دولار للبرميل بحلول الساعة 12:29 بتوقيت جرينتش، كما صعد خام غرب تكساس الوسيط 97 سنتا، أو 1.2 في المائة، إلى 79.47 دولار للبرميل. وعوض الخامان تراجعهما في وقت سابق بعدما ارتفعا بنسبة تجاوزت 2 في المائة في الجلسة السابقة.
وقال مكتب السلامة والإنفاذ البيئي، وهو جهة تنظيمية للأمن البحري، إن إنتاج النفط في خليج المكسيك انخفض بنحو 190 ألف برميل يوميا أو 11 في المائة من إجمالي إنتاج الخليج بسبب الإعصار إيان.
وسجل الدولار أعلى مستوى في عقدين مقابل سلة من العملات، إذ أدى رفع أسعار الفائدة على مستوى العالم إلى تأجيج مخاوف الركود. ويؤدي ارتفاع الدولار إلى تقليل الطلب على النفط لأنه يصبح أكثر تكلفة بالنسبة للمشترين الذين يستخدمون عملات أخرى.
وخفض بنك جولدمان ساكس توقعاته لأسعار النفط لعام 2023 بسبب التوقعات بضعف الطلب وارتفاع الدولار، لكنه قال إن خيبة الأمل على مستوى العالم بشأن الإمدادات عززت توقعاته بشأن الاتجاه الصعودي طويل الأجل.