أشار تقرير حديث نشره موقع "بيزنس إنسايدر" إلى أن مواقع تتبع الرحلات الجوية كشفت عن أن طائرات التجسس الأمريكية قد حلقت أكثر من مرة الأسبوع الماضي فوق جيب كالينينغراد الروسي في أوروبا، وربما تكون قد استهدفت البحث عن مؤشرات على نشاط أسلحة نووية في القواعد الروسية هناك.

وتزامنت هذه التحركات الأخيرة فوق كاليننغراد، بعد أن كشفت تقارير إعلامية غربية، من ضمنها تقرير لمجلة بوليتيكو الأمريكية، عن مساع حثيثة للمخابرات الأمريكية وحلفائها لرصد أي تحركات أو اتصالات عسكرية روسية قد تشير إلى أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أمر باستخدام أسلحة نووية في أوكرانيا بعد التهديدات التي وجّهها الأسبوع الماضي عندما أمر باستدعاء جنود الاحتياط.

فيما تعتبر كاليننغراد الواقعة وسط الأراضي الأوروبية، وتحاصرها الأراضي الليتوانية والبولندية، مركزاً جيوسياسياً مهماً تطل من خلاله موسكو على حديقة أوروبا الخلفية، فضلاً عن كونها رأس حربة روسيا الموجهة نحو الناتو على أقصى الحدود الغربية، إذ تعد من أهم مناطق روسيا السياسية والعسكرية التي تستضيف قواعد عسكرية روسية، وقد تكون ملقمة بصواريخ نووية استراتيجية، تطل على سواحل بحر البلطيق.

تهديدات موسكو النووية

منذ أن أمر بالهجوم على أوكرانيا أواخر فبراير/شباط، ألمح الرئيس الروسي مراراً وتكراراً إلى أنه يمكنه استخدام الأسلحة النووية. آخر هذه التهديدات كان في الخطاب الذي ألقاه في 21 سبتمبر/أيلول أعلن فيه عن مشروع عسكري حذر فيه من أن مثل هذه التهديدات "ليست خدعة".

وبينما نقلت بوليتيكو عن خمسة مسؤولين أمريكيين حاليين وسابقين، قولهم إن "أي قرار للزعيم الروسي يعدّ محاولة يائسة لاستعادة زمام المبادرة، أو الضغط على المجتمع الدولي لتلبية مطالبه، وقد يأتي بعد فوات الأوان". وقد ذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأسبوع الماضي تقريراً تحليلياً أشار إلى أن تهديدات بوتين الأخيرة كشفت عن حجم المأزق الذي وقع فيه عقب الخسائر المتتالية التي لحقت بقواته في خاركيف شمال شرق أوكرانيا، فيما أصبح الغرب أكثر وحدة "ضد تهديدات موسكو النووية".

فيما قرأت نيويورك تايمز تهديدات بوتين الأخيرة التي حذر الغرب من خلالها أن موسكو "ستستخدم كل الوسائل" المتاحة لها للدفاع عن نفسها، بما في ذلك السلاح النووي، مؤكداً أن "الأمر ليس خدعة"، إنها مجرد "محاولة لتغيير مسار حربه المتعثرة في أوكرانيا إلى حرب عدوانية للدفاع عن وطن مهدد".

البحث عن سلاح بوتين

رداً على حقيقة التهديدات الروسية، نقلت بوليتيكو عن مسؤول حكومي أمريكي لديه اطلاع على معلومات استخباراتية عن القوات النووية الروسية واستراتيجيتها، قوله: "نحن نراقب ذلك عن كثب". وأشار المسؤول الذي رفض الكشف عن هويته إلى أن جهود البحث الأمريكية تشمل تعزيز وتكثيف عمل أجهزة الاستخبارات لدى الولايات المتحدة وحلفائها في الجو والفضاء والفضاء الإلكتروني، والاعتماد بشكل أكبر على الأقمار الاصطناعية التجارية لتصوير الأرض وتحليل تحركات الوحدات الروسية في الميدان، التي قد تتحرك في وضع يؤشر على تلقيها أوامر باستخدام النووي.

وبينما أشارت بوليتيكو إلى أن مهام البحث والتحري تتجاوز الحدود الأوكرانية إلى جيب كالينينغراد الروسي، كشف موقع بيزنس إنسايدر عن مغادرة طائرة استطلاع إلكترونية أمريكية من طراز Boeing RC-135 يوم الأربعاء من قاعدة في المملكة المتحدة وحلقت حول كالينينغراد. وحسب موقع تتبع الرحلات الجوية الذي استند إليه بزنس إنسايدر، كانت هذه هي الرحلة الثالثة على الأقل في الأسبوع الماضي.

المخاوف الغربية تولدت بعد أعمال التجديد الكبيرة التي أجرتها روسيا في عام 2018 لمنشأة تخزين أسلحة نووية نشطة في كالينينغراد على بعد حوالي 50 كيلومتراً من بولندا. وفي ذلك الوقت، كتب خبير الأسلحة النووية في اتحاد العلماء الأمريكيين هانس كريستنسن أن المنشأة يمكن أن تعمل "كموقع تخزين أمامي يجري تزويده بالرؤوس الحربية من مواقع التخزين المركزية في حالة حدوث أزمة".

رأس حربة روسيا: كالينينغراد

مع تصاعد حدة الأزمة الأوكرانية المشتعلة منذ أكثر من 7 شهور، وتزامناً مع التسريبات غير المسبوقة التي تعرضت لها خطوط نقل الغاز الروسي لألمانيا أسفل مياه البلطيق مقابل السواحل الدنماركية، عادت كالينينغراد لتتصدر مشهد الصراع العسكري بعد مرور أكثر من عقدين على سُباتها النسبي، وظهرت في الآونة الأخيرة خطراً روسياً حقيقياً يهدد منطقة البلطيق وعموم أوروبا.

وبالتزامن مع تلويح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باستخدام السلاح النووي ضد وأوكرانيا المدعومة عسكرياً واقتصادياً وسياسياً من المعسكر الغربي وحلفائه الدوليين، بات الغرب ينظر إلى كالينينغراد بعين الريبة خوفاً من تحولها إلى مركز صراع جديد قد يتجاوز الحدود الأوكرانية ليمتد ويطال القارة الأوروبية برمتها. وهو الصراع الذي إذا اشتعل سيكون كفيلاً بتحويل كالينينغراد إلى رأس حربة الترسانة الروسية التي بدأت تتكدس على شواطئ البلطيق.

وعلى الرغم من ضعفها وعزلتها وسط دول البلطيق التي انضمت إلى حلف الناتو، إلا أن كالينينغراد تعتبر حالياً بمثابة قاعدة عسكرية روسية عائمة وسط القارة الأوروبية. وخلال الأشهر الأولى من عمر الحرب الأوكرانية، استعرضت روسيا علناً نشرها أسلحة فتاكة على أراضي كالينينغراد، فإلى جانب منظومة "إس 400" الدفاعية، نصبت موسكو أيضاً منظومة صواريخ "إسكندر-إم" الباليستية التي تشكل عنصر الهجوم البري والبحري بعيد المدى، والقادرة على حمل رؤوس نووية استراتيجية.

يذكر أن كالينينغراد انضمت إلى المعسكر السوفيتي في أبريل/نيسان 1945، وذلك بعدما داهمت القوات الروسية المدينة وسيطرت عليها. ونتيجة لخسارة ألمانيا الحرب العالمية الثانية، أحيل القسم الشمالي من إقليم بروسيا الشرقية الألمانية مؤقتاً إلى الاتحاد السوفيتي بموجب القرارات التي اتخذت في مؤتمر بوتسدام، وتحول انتماء المنطقة، الألمانية عِرقاً، إلى الاتحاد السوفيتي، الذي بدوره غيّر اسمها إلى كالينينغراد في صيف عام 1946.

TRT عربي