باحث في موسيقى الألحان القبـطية

مـــدرس مــــادة اللــــحن الكنـــسي

بمعــــهـــد الرعـــــاية والتـــــربيــة

إن كنيستنا القبطية تُعطي لعيد الصليب أهمية خاصة،فتحتفل به في أعياد كثيرة لها علاقة بحدث ظهور الصليب،أو لها علاقة بمن اهتموا بإكرام الصليب مثل الامبراطور قسطنطين (كونستانتين) وأمه القديسة الملكة هيلانة، فتحتفل من كل عام بعيد ظهور الصليب في 10 برمهات الذي ظهر فيه الصليب لأول مرة سنة 326 م على يد الملكة هيلانة وفي نفس اليوم تحتفل بظهوره مرة أخرى في عهد الامبراطور هرقل سنة 627م كما ذُكِرَ في السنكسار، كما نحتفل بعيد تكريس الكنيسة التي بنتها الملكة هيلانة على اسم الصليبيوم 17 توت، وأصبح هذا هو العيد الأساسي بدلاً من 10 برمهات (حيث يكون دائما في الصوم الكبير الذي يكون له طقس نسكي خاص)، وتُعطي الكنيسة للصليب إهتمام وفرحة خاصة فتحتفل به ثلاثة أيام متواصلة بدون صوم إنقطاعي بالطقس الشعانيني المُفرِح، كذلك تحتفل في يوم 16 توت بعيد تكريس هياكل القيامة في عهد الملك قسطنطين، وتهتم الكنيسة أيضاً بتذكار تَمَلُّك الامبراطور قسطنطين في 12 مسرى، وتذكار نياحته في 28 برمهات،وتذكار نياحة الملكة البارة هيلانة في 9 بشنس، وفي كل هذه التذكارات نسبح بلحن من ألحان الكنيسة الجميلة هو لحن الصليب “إيتاف إنني سخاي” الذي يحمل في موسيقاه روح الفرح الملكي ويقال بعد دورة الكهنة والشمامسة في الهيكل والكنيسة حاملين الصليب، وكل هذا الاهتمام من الكنيسة بالصليب كان سببه أنه بسبب الصليب حدث تجسد ابن الله ورأيناه بيننا، ولولا الصليب ماحدث الفداء وبالتالي الخلاص من الموت الأبدي، وبسبب الصليب إنفتحت السماء على الأرض، وبسببه أيضاً أصبح لنا فرح الانتقال إلى الفردوس ومعاينة الملكوت والخلود.

تاريخية عيدي الصليب:

في أعياد الصليب نقف أمام ثلاثة مشاهد

المشهد الأول: يقول المؤرخون أنه أصبح الامبراطور قسطنطين (كونستنتين) إمبراطوراً على إنجلترا عوضاً عن أبيه كونستانتيوس، وعندما حدث ظلماً كبيراً في البلاد الرومانية من قبل أباطرتهم، فكر قسطنطين في تحرير الرومان من العبودية، وأخذ يُفَكِرأن دقلديانوس وحاشيته لم يستفيدوا شيئاً من عبادة الأوثان، بينما هو نفسه رأى أن أبيه الذي ترك ديانات اليونان العديدة نَعِمَ بالرخاء طوال حياته، وبهذه الحالة زحف على رأس قواته ليدخل الحرب،فرأى رؤيا عجيبة وهي ظهور عمود من النور بشكل صليب في منتصف النهار ومنقوش عليه هذه العبارة “بهذا تغلب”،وتأكد من ظهور هذه الرؤيا أيضاً للذين حوله، وفي الليلة التالية رأى المسيح في نومه الذي وَجَّهَهُ لعمل نموذج مثل الذي رآه، ليستخدمه ضد أعدائه كعلامة نصر مؤكدة،فأطاع وحقق النصر العظيم وطارد أعداءه.

المشهد الثاني: و بعد أن قدم الامبراطور قسطنطين الشكر العظيم لله صانع الخيرات اعترافاً بالبركة العظيمة التي حدثت معه، أنه حرر المسيحيين من الاضطهاد، ورد المنفيين،وأطلق سراح المسجونين، وأمر بِرَدِّ الممتلكات المُغتَصَبَة،وأعاد بناء وفتح الكنائس، ولما اعتنق قسطنطين المسيحية عمل جاهداً كإنسان مسيحي في إعادة بناء الكنائس على أعظم مستوى وإمدادها بالعطايا الثمينة، كما أغلق ودمر معابد الوثنيين، وتمتعت المسيحية بسلام لا ينقطع في عهد هذا الملك البار، وعن هذا المشهد يتكلم ويعبر لحن “إيتاف إنني سخاي” (مجال بَحثِنَا) الذي تُخبِر كلماته وتُعَبِّر ألحانُهُ عن مدى فرحة المؤمنين بهذا التحول الكبير في تاريخ الكنيسة.

المشهد الثالث: بعد الانتهاء من أعمال مجمع نيقية ابتهج الامبراطور بعودة الاتحاد في الرأي الكنسي، فرغب في التعبير عن امتنانه بإقامة بيت للصلاة في أورشليم بالقرب من المكان الذي يدعى الجلجثة، فرحلت القديسة هيلانة والدة الامبراطور إلى المدينة لرفع الصلاة وزيارة المواضع المقدسة، وكانت غيرتها شديدة في البحث عن صليب رب المجد، وقد أخفى الوثنيون على مدار سنوات طويلة هذه البقعة تحت كوم ضخم من التراب بل وضعوا في هذا المكان تمثال ومعبد وثني أيضاً، وبأمر من الامبراطور تم التنقيب في المكان بعمق واكتشفت المغارة التي قام منها الرب من بين الأموات، وعلى مقربة منها عُثِرَ على ثلاثة صلبان،وأحضروا ميتاً وضعوه على الصَليبَين الأوَلَين ولم يحدث شيء، وعندما وضعوه على الصليب الثالث قام الميت،فاستطاعوا تمييز الصليب المُكَرَّم، ثم وضعوا الجزء الأكبر منه داخل صندوق من الفضة حُفِظَ في أورشليم، وأرسلت الامبراطورة هيلانة جزء منه إلى إبنها قسطنطين مع المسامير التي سُمِّرَ بها جسد السيد المسيح، ثم أمر الامبراطور بإقامة هيكل تكريماً للرب، وأن يتم العمل بأقصى ما يمكن من العظمة والتكلفة، فأقامت الملكة أمه هَيكَلَين واحد في بيت لحم بالقرب من المغارة التي وُلِدَ فيها المسيح، والثاني على منحدرات جبل الزيتون حيث صَعِدَإلى السماء.

لحن “إيتاف إنني سخاي” من الناحية الطقسية:

يُصَلَّى بالطقس الشعانيني في الكنيسة القبطية الأورثوذكسية في عيد أحد الشعانين، وفي عيدي الصليب 17 – 19 توت، ويوم 10 برمهات، كما تصلي بالطقس الشعانيني في ختام بعض الألحان، وفي تماجيد القديسين، وفي بعض مردات صلوات الإكليل.

أما من حيث الترتيب الطقسي ووضع اللحن داخله ففي صلاة عشية بعد أن يصلي الكاهن “إفنوتي ناي نان”يطوف الكهنة مع الشمامسة الهيكل والكنيسة ثلاث مرات وهم حاملين الصلبان والصليب المزين بالورود ويرتلون كيريليسون ثلاث مرات باللحن الكبير، ثم يُقال لحن “إيتاف إنني سخاي”، ثم يقرأ الطرح الخاص بعيد الصليب، وبعد ذلك يُصَلِّي الكاهن أوشية الإنجيل وتكمل العشية كالعادة إلى نهايتها،

وكما حدث في رفع بخور عشية يحدث أيضا في رفع بخور باكر بنفس الترتيب الطقسي ويقال أيضاً لحن “إيتاف إنني سخاي”، والذي يختلف في صلاة باكر أنه تقام بعد ذلك دورة مثل دورة أحد الشعانين حول الكنيسة مرورا بالأيقونات في محطات معينة تُقرَأ فيها أناجيل معينة ومردات تقال بلحن الشعانين، ثم تكمل صلاة رفع بخور باكر كالعادة.

أما في القداس الإلهي فيُقال لحن “إيتاف إنني سخاي”بعد قراءة السنكسار، ثم تُقال الثلاثة تقديسات وأوشية وقراءة الإنجيل ثم يكمل القداس، وبالنسبة للألحان بصورة عامة تُصَلَّى كل الليتورجيا بالطقسين الشعانيني والفرايحي.

وللمقال تكملة بنعمة المسيح.

رابط اللحن بصوت المعلم إبراهيم عياد