مزيد من التراجع لتطلعات النمو العالمي


ساد التفاؤل التطلعات الاقتصادية العام الماضي، وتوقع صندوق النقد الدولي في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، أن يصل معدل النمو الاقتصادي لـ2022 إلى 4.9 في المائة. أما ما جرى على أرض الواقع بعد ذلك، فقد توالت الهزات السلبية على العالم منذ بداية العام الحالي، بدءا من متحور أوميكرون، ثم الأزمة الأوكرانية، وأزمة الطاقة العالمية، وقصور إمدادات الغذاء، وارتفاع معدلات التضخم، وتوتر العلاقات الدولية. ونتيجة لهذه الأحداث، تراجعت توقعات النمو الاقتصادي العالمي لـ2022 تباعا حتى وصلت في أحدث توقعات الصندوق إلى 3.2 في المائة. ومن المرجح تراجع معدل النمو الاقتصادي الفعلي العالمي عند نهاية العام إلى أقل من هذه المعدل، خصوصا بعد ارتفاع فرص دخول بعض اقتصادات العالم الكبرى في انكماش اقتصادي.

شهد الربع الثاني من هذا العام انكماشا اقتصاديا عالميا من جراء التراجعات الاقتصادية في روسيا والصين والولايات المتحدة والدول الأوروبية، كما انتشرت الآثار الجانبية للأزمة الأوكرانية حول العالم. ومما رفع فرص زيادة التباطؤ الاقتصادي العالمي هذا العام والعام المقبل تسجيل اقتصادات أوروبا وأمريكا معدلات تضخم مرتفعة، قادت إلى تشدد البنوك المركزية في سياساتها النقدية. ورفع مجلس الاحتياط الفيدرالي الأمريكي معدلات الفائدة الأساسية بثلاث نقاط مئوية منذ بداية العام الحالي. ويتوقع تواصل رفع معدلات الفائدة في اجتماعي المجلس المتبقيين حتى نهاية العام لتصل إلى نحو 4.5 في المائة. وأجبر التحول القوي في السياسات النقدية الأمريكية باقي البنوك المركزية حول العالم على رفع معدلات الفائدة، التي سترفع - بلا شك - معدلات الفائدة التجارية في كل مكان تقريبا. وستقود الارتفاعات القوية لمعدلات الفائدة، إلى رفع تكاليف الاستثمار والاستهلاك حول العالم، ما سيبطئ معدلات نموها ويضعف معدلات النمو الاقتصادي.

نشب جدل في الولايات المتحدة حول دخول اقتصادها ركودا اقتصاديا، نظرا إلى تسجيل ناتجها المحلي معدلات سلبية منخفضة لربعين متتاليين، لكن صاحبه ـ على غير المعتاد ـ استمرار نمو التوظيف. وبغض النظر عن هذا الجدل، فإن من المؤكد أن هناك تباطؤا اقتصاديا مقارنة بالتوقعات السابقة. كما يبدو من شبه المؤكد أن اقتصاد الولايات المتحدة سيدخل انكماشا اقتصاديا العام المقبل مع استمرار تشدد السياسات النقدية. ومع أن صندوق النقد الدولي يتوقع نموا إيجابيا لاقتصاد الولايات المتحدة هذا العام ومتدنيا العام المقبل، إلا أن بعض المؤسسات ومراكز الأبحاث تستشرف نموا صفريا هذا العام وسالبا بمقدار متدن العام المقبل. أما الاقتصادات الأوروبية فتعاني بشدة آثار الحرب الأوكرانية، وأزمة الطاقة الشديدة التي نتجت عنها، التي من المرجح أن تزداد سوءا مع قدوم فصل الشتاء. وهذا سيرفع احتمالات انكماش اقتصادات أوروبية كبيرة كألمانيا.

اقترضت دول نامية وصاعدة متعددة مبالغ كبيرة عند معدلات الفائدة المنخفضة. ومع الزيادات السريعة والكبيرة في معدلات الفائدة سيواجه عدد من هذه الدول مصاعب في الوفاء بالتزاماتها وتدبير أمورها المالية، ما ينذر بتخلف عديد منها ويخفض معدلات نموها ويؤثر سلبا في الاقتصاد العالمي. من جانب آخر، اقترضت الشركات الأمريكية خلال الأعوام الماضية نحو ستة تريليونات دولار عن طريق إصدار سندات تقل فائدتها عن 4 في المائة، كما تم منح قروض عقارية للأسر بأكثر من ثمانية تريليونات دولار في الفترة نفسها بمعدلات فائدة منخفضة تقل عن 4.5 في المائة، ووصلت إلى متوسط قدره 2.8 في المائة في 2020. وأصدرت سندات مقابل هذه القروض بيعت لمستثمرين. طبعا استفاد المقترضون من تكاليف القروض المنخفضة مقابل خسارة ملاك السندات الحاليين. وقاد ارتفاع أسعار الفائدة أخيرا إلى تراجع قيم سندات الشركات والقروض العقارية الممنوحة بفوائد منخفضة، ما سيلحق الضرر بملاك السندات وقد يعرض البعض إلى ضغوط مالية. وتملك بعض المؤسسات المالية كالمصارف نسبة من هذه السندات، ما قد يعرضها إلى خسائر وضغوط مالية، ما يمثل مصدرا محتملا لأزمة مالية.

تظهر التطورات الاقتصادية العالمية الأخيرة آثار هيمنة الدولار على الاقتصاد العالمي، وتسيد مجلس الاتحاد الفيدرالي للسياسات النقدية حول العالم. ويركز المجلس في المقام الأول على التعامل مع الأوضاع الاقتصادية داخل الولايات المتحدة حتى لو كان على حساب باقي العالم. ولجأ المجلس إلى رفع معدلات الفائدة بسرعة خلال هذا العام للسيطرة على التضخم داخل الولايات المتحدة، لكنه من خلال هذه السياسة يكبح النمو الاقتصادي المحلي. كما أن رفع معدلات الفائدة الأمريكية، والهيمنة القوية للدولار على التبادلات الاقتصادية العالمية، يجبران باقي البنوك المركزية على مجاراته ورفع معدلات الفائدة في دولها. ولا ينسجم في الأغلب رفع معدلات الفائدة في الدول الأخرى مع أوضاعها الاقتصادية، ما يهدد بكبح اقتصاداتها وإعاقة نموها بغض النظر عن معدلات التضخم فيها. وهذا سيبطئ نمو باقي العالم الاقتصادي.

تراجعت أخيرا مؤشرات الأسواق المالية العالمية، كما سجل الدولار أسعارا قياسية ضد بعض العملات، كالجنيه الاسترليني، ومستويات مرتفعة أمام معظم العملات. وتظهر هذه التطورات هروبا محتملا لرؤوس الأموال نحو الأمان، وخوفا من انهيار الأسواق المالية. ويعد كثيرون أن تحركات الأسواق المالية مؤشرات قيادية للأحداث الاقتصادية، حيث يدل تراجعها على رجاحة فرص تباطؤ مستقبلي للاقتصاد العالمي. ومع أن التطلعات لا تبدو متفائلة هذه الأيام، إلا أن حدوث تغيرات أو صدمات إيجابية، كانفراج الأزمة الأوكرانية، سيحسن كثيرا من الآفاق الاقتصادية العالمية.

*نقلا عن صحيفة "الاقتصادية".

تاريخ الخبر: 2022-10-02 12:17:43
المصدر: العربية - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 84%
الأهمية: 95%

آخر الأخبار حول العالم

وزير الخارجية الإماراتي يلتقي زعيم المعارضة الإسرائيلية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-02 15:27:10
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 63%

نادي الشباب السعودي يسعى لضم حكيم زياش

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-02 15:26:34
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 64%

نادي الشباب السعودي يسعى لضم حكيم زياش

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-02 15:26:30
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 68%

وزير الخارجية الإماراتي يلتقي زعيم المعارضة الإسرائيلية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-02 15:27:12
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 63%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية