صناعة الحرية (22).. محاكمة في ظروف قاسية


محاكمة في ظروف قاسية..

في هذه الظروف الكالحة كان موعد الأستاذ ياسين -الذي يرفض العنف مبدئيا- مع أولى جلسات المحاكمة بالمحكمة الابتدائية في مدينة سلا، ثم الجلسة الثانية في فبراير من السنة نفسها، حيث عرفت لحظة المحاكمة حضورا مكثفا لأعضاء الجماعة، غير أن السلطة عمدت ألا تُحضر الأستاذ في الموعدين معا، واختارت أن تُحضر وسائل العنف “الهراوات” كالعادة لتقمع الحاضرين وتنكل بهم، وتعتقل 72 منهم وتعتدي عليهم بالضرب والسبِّ والشتم… فلا جلسة المحاكمة انعقدت ولا الناس رجعوا سالمين إلى بيوتهم. وحكى لي أحد المعتقلين آنذاك وهو الأستاذ إبراهيم أكورار أن “الطقس كان باردا، ومكان الاعتقال كان يشبه مستودع سيارات.. كنا صائمين، تناولنا الفطور، خبز وحليب بدراهمنا التضامنية، كان يوم الجمعة، وما أن افتتح سيدي محمد عبادي خطبة الجمعة حتى أوقفوه، فاضطررنا للصلاة ظهرا أربع ركعات، وحقَّقوا معنا إلى منتصف الليل” .

خبر اعتقال الأستاذ في مجلة المجتمع الكويتية

وفي المرة الثالثة أعلنت السلطة عن تاريخ المحاكمة في يوم 23 مارس 1984م، غير أنها لم تُحضر المتهم مرة أخرى إلى قاعة الحكم، وفضلت أن تتكتم على الأمر وتمنع انتشار الخبر في الإعلام، لكن الخبر قد تفلَّت من قبضتها وانتقل بسرعة عبر بعض القنوات الإخبارية الأوربية (مثل إذاعة لندن وBBC)، كما نُشر أيضا عبر مجلة “المجتمع” الكويتية ، بل تناقله السجناء في زنازينهم كما تناقلوا مضمون رسالة “الإسلام أو الطوفان”، بحسب ما ذكره المعتقل السياسي السابق ادريس ولد القابلة، في مذكرات الاعتقال السياسي، حيث قال: “هكذا كان لقائي مع بعض أفكار عبد السلام ياسين داخل غياهب السجن السري حيث كانت تكتم أنفاس الإنسان وتحاصر” . وحضر الناس كالعادة، وضمنهم نساء، قصد مؤازرة الأستاذ المعتقل ومتابعة أطوار المحاكمة في مغرب الثمانينيات، فاعتُقل 80 عضوا. وتأجلت المحاكمة.

تأخر موعد المحاكمة شهرين آخرين ليصدر الحكم الابتدائي على الأستاذ يوم فاتح ماي 1984م بسنتين سجنا نافذا وغرامة 5000 درهم، قضاها المتهم بالتعبير عن رأيه السياسي وراء القضبان بحلوها ومرها. في سجن ملؤه الظلام والتخويف والتعذيب، وتكسير كرامة الإنسان بالضرب والإمعان في الإهانة والإذلال. مآس يومية يعيشها السجناء، وخارج السجن يُتغنى بالأمجاد والفتوحات وقليل من الرياضة . وفي الشهر الموالي (12 نونبر 1984) خسر المغرب عضويته بمنظمة الوحدة الإفريقية (الاتحاد الإفريقي حاليا) بالانسحاب منها.

 وللأجيال الحالية أن تتصور بعض بشاعات السجون التي تراكم داخل أسوارها العالية أكوام من البشر، وتمحى فيها سحنات وجوه شباب متحمس لإصلاح بلده، من خلال بعض الأعمال السينمائية التي تنقل أوضاع السجناء، من قبيل فيلم “الميل الأخضر” (The Green Mile)، أو فيلم “الخلاص من شاوشانك” (Shawshank Redemption)، أو فيلم “ليلة الإثنى عشر عاما”  (A Twelve-Year Night)، وإلا فالواقع لا يعرفه حق المعرفة إلا من ذاق مرارته وجرَّبها. عافانا الله وإياكم.


[1] من حوار الكاتب مع السيد إبراهيم أكورار، يوم الأحد 3 ماي 2020م.
[2] مقال: “عندما يحاكم الأطفال كما يحاكم الرجال”، مجلة المجتمع، الكويت، العدد 686، 1984م، ص 22. وتوجد أعداد المجلة في الأرشيف على الموقع: (mugtama.com/archive-pdf).
[3] ولد القابلة، إدريس. “هكذا تعرفت على عبد السلام ياسين”، جريدة هسبريس الإلكترونية (hespress.com)، المغرب، منشور بتاريخ 16 غشت 2011م، وشوهد في 19 أبريل 2020م.
[4] في سنة 1984م فاز البطلان العالميان سعيد عويطة ونوال المتوكل بميدالتين ذهبيتين، لكن دائما يبقى لقب “الرياضي الأول” يخص الملك وحده.
[5] فيلم أمريكي أنتج سنة 1999م، من إخراج فرانك درابونت، يحاكي قصة بنفس الاسم لــ”ستيفن كينج” وبطولة توم هانكس ومايكل كلارك دنكان.
[6] فيلم أمريكي أنتج سنة1994 م، من كتابة وإخراج فرانك درابونت عن رواية لستيفن كينغ بعنوان “ريتا هيوارث والخلاص من شوشانك”.
[7] فيلم أرجنتيني أنتج سنة 2018م، وهو إنتاج مشترك بين إسبانيا والأرجنتين وأوروجواي وفرنسا، إخراج ألفارو بريخنر.
تاريخ الخبر: 2022-10-03 15:20:20
المصدر: الجماعة.نت - المغرب
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 47%
الأهمية: 67%

آخر الأخبار حول العالم

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية