كان طموح المغرب بالعودة إلى الاتحاد الإفريقي قبل تحقيقه غاية مستقلة بذاتها، ويحظى بأولوية في الخطة الاستراتيجية المغربية الإفريقية الجديدة، بيد أنه انتقل بفعل التغيرات السياسية المرتبطة بملف الصحراء المغربية خلال السنوت الماضية على الأقل منذ أواخر العام 2020، من مجرد السعي لضمان الوجود المادي داخل المؤسسة الإفريقية، إلى قوة مؤثرة قادرة على خلق رياح هوجاء تدفع بتواجد جبهة البوليساريو دفعا قويا إلى غير رجعة خارج الإتحاد الإفريقي.
طرح عزّزه تولي المغرب عضوية مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي في الفترة ما بين 2022-2025، وبدءا من فاتح أكتوبر الحالي، ولمدة شهر، رئاسة هذه الهيئة التقريرية للاتحاد. ما سيضع هذه الأخيرة في اختبار عض الأصابع أو معركة تكسير عظام بين المغرب وحلفائه والجزائر وحلفاؤها الداعمين لأطروحة البوليساريو في الإنفصال، والراغبين في بقائها كعضو في المؤسسة الإفريقية.
ويبدو أن المغرب يحاول وفق الوسائل المتوفرة صدَّ، وتجاوز مخطط المحور، المكون من الجزائر وجنوب إفريقيا، الرامي إلى الحفاظ على مقعد البوليساريو، وممارسة الضغط السياسي على المغرب من داخل الاتحاد الإفريقي، بيد أن الرباط قطعت أشواطًا في ذلك المخطط، بأن حققت في السنوات والشهور الماضية تحولات مهمة في الملف وقرارات عواصم كانت إلى وقت قريب على رأي واحد مع الجبهة.
ويُلاحظ خلال الأسابيع الماضية أن الدبلوماسية المغربية ضخت دماء جديدة في مسلسل افتتاح القنصليات، مع التركيز أساسا على الدول الإفريقية، وكأنها تعد العدة لحصد النصاب القانوني لطرد جبهة “البوليساريو” من المنظمة.
استراتيجية خطة الطرد
موضوع طرد البوليساريو من الإتحاد الإفريقي يحمل فصولا تبدو غير يسيرة ومُتطلّبة لجهود دبلوماسية وتفعيلا أقوى للشركات الإقتصادية ذات الأبعاد السياسية في هذا التوجه، هكذا يقول أحمد السعيدي الباحث في العلاقات الدولية بجامعة الحسن الأول، إن المملكة تعتبر رهان إصلاح هياكل الاتحاد الافريقي، تشكل مناسبة لإعادة النظر في بعض نصوص الميثاق وطريقة اشتغال بعض الهياكل حتى يتسنى طرد أو تجميد عضوية ” البوليساريو” داخل الاتحاد. والعمل كذلك على تحييد هذه المنظمة الافريقية واخراج ملف النزاع حول الصحراء من دهاليزها..”.
وفي حديثه لـ”الايام24″ ” فالحلف الجزائري الجنوب افريقي، متوجس من أي تحول أو تعديل لميثاق وهياكل الاتحاد، خاصة مع تولي المملكة قيادة بعض الهياكل وتمدد في شرايين الاتحاد، معتبرا أن الاصلاح في الظرفية الراهنة قد تنتج عنه بعض التغرات ويفتح الأبواب التي من المحتمل أن يستغلها المغرب لتحقيق بعض المكاسب والاهداف، خاصة في ما يتعلق بطرد البوليساريو، واختراق المغرب لبعض الهياكل والمؤسسات التي ظلت لسنوات خاضعة لنفوذهما وسيطرته”.
ومنذ عودته إلى الاتحاد الإفريقي، المغرب يبحث عن سُبل إبعاد البوليساريو التي خدمتها ظروف سياسية سابقة في التواجد داخل المنظمة الإفريقية، وبالتالي يضيف المتحدث أن على المغرب تحريك مساطر التجميد أو الطرد في حق “البوليساريو” من الاتحاد الإفريقي، خصوصا وأنه يتوفر على كل الحجج القانونية والسياسية لطرده.
وذكر المحلل السياسي بخطاب رئيس السنغال، الرئيس الدوري للاتحاد الإفريقي، “ماكي سال”، خلال قمة “تيكاد 8” بتونس، حيث قال إنه يجب استئصال أصل المشكلة التي دفعت بالمغرب إلى الانسحاب من القمة، مضيفا أنه يجب معالجة هذه المشكلة من الأصل حتى لا تكتر هذه المأسي في كل لقاءات الدول الإفريقية مع الدول الأجنبية، أو مع الاتحادات، كالاتحاد الأوروبي.
وشدد على أن تواجد “البوليساريو” في الاتحاد الإفريقي، غير قانوني، والقاعدة القانونية تقول بأن “ما بني على باطل فهو باطل”، مبرزا أن دخول هذا الكيان سنة 1984 إلى الوحدة الإفريقية انذاك كان يتناقض مع ميثاق الوحدة الإفريقية الذي ينص في المادة 4 على أن العضوية خاصة بالدول المستقلة ذات السيادة.
وأكد أن القانون المؤسس للاتحاد الإفريقي، في صيغته الحالية لاينص على طرد أي عضو في حين تنص المادة 32 من القانون التأسيسي على جواز تقديم اقتراحات تعديل أو مراجعة لهذا القانون من طرف أي دولة عضو في الاتحاد، يعممها رئيس اللجنة في غضون 30 يوما، يدرسها مؤتمر الاتحاد بناء على توصية المجلس التنفيذي، في فترة زمنية مدتها عام ابتداءً من تاريخ الإخطار، و يتم اعتماد هذه المقترحات من طرف المؤتمر بالإجماع أو عبر التصويت بأغلبية الثلثين.
وبالنظر إلى القانون التأسيسي للاتحاد فقد تحدثت المواد 30و31و32 لإجراءات إنهاء العضوية بشكل طوعي أي بطلب من الدولة المعنية الانسحاب من الاتحاد، حيث يتم إنهاء العضوية بعد توجيه إخطار كتابي إلى رئيس اللجنة والالتزام بمقتضيات القانون التأسيسي. وبعد انقضاء مدة سنة ، يدخل الانسحاب حيز التنفيذ. كما أن المادة 30 من القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي التي تقر تعليق مشاركة الحكومات التي تصل إلى السلطة بطرق غير دستورية، كالانقلابات العسكرية، في أنشطة المنظمة الإقليمية..
ورقة الغاز والمال
تدرك الجزائر أن عودة المغرب إلى الإتحاد الإفريقي ستتبعها قرارات وستحول الصراع من سياقه العام حول كسب الأصوات في عموم القارة إلى تطويق التنافس في مؤسسة واحدة قد تقع فريسة مشانق التوازن الدبلوماسي، يقول المحلل السياسي إن الأمر يعلمه المغرب جيدا ما دعاه إلى الارتقاء بالعلاقات مع أغلبية موسَّعة من الدول الإفريقية إلى المثالية بتعزيزها اقتصاديًّا في إطار مبدأ المصلحة المشتركة، وهو ما يفسِّر سلاسة قبول الأفارقة بعودته، وقبولهم به شريكًا، فنال التعامل معه قدرًا كبيرًا من الشرعية، بسبب انتمائه، ونهجه للبُعد النفعي الاقتصادي، بالاستثمار في مشاريع عملاقة وناجزة، وفي تطابق تام، أو تكامل للمصالح عبر الشراكة، أو التعاون، وفي إطار مبدأ الربح المتبادل، بغية بلوغ التنمية المستدامة.
قلب الطاولة لصالح المغرب تدركه الدبلوماسية الجزائري التي تدخل اليوم في مرحلة الاستمالة والإغراء المالية بعد أن زادت مداخيلها المحققة من زيادة تدفقاتها الطاقية إلى أوروبا وخصوصا من الغاز الطبيعي، وارتفاع أسعارها في السوق الدولية نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية، بيد أن المغرب المغرب يمر إلى سرعة أعلى في تحريك العجلة المزدوجة التي تعتمد على الشراكة الاقتصادية والعمل الدبلوماسي، وهو الأمر الذي يحاول به استقطاب خصوم تقليديين لوحدته الترابية مثل نيجيريا وإثيوبيا وحتى جنوب إفريقيا.
