وفاة مهسا أميني.. هل أفسدت إيران فرصها لإحياء الاتفاق النووي؟


إعلان

بين استخدام الرصاص الحي واستهداف الطلبة وتوقيف الصحافيين، لا تتوانى السلطات الإيرانية في قمع المتظاهرين لإسكات الانتفاضة التي تهز البلاد منذ وفاة مهسا أميني في 16 سبتمبر/أيلول.

وقتل 82 شخصا على الأقل منذ الجمعة في قمع التظاهرات في مدينة زاهدان بمحافظة سيستان بلوشستان في جنوب شرق إيران، وفق ما أكدت منظمة العفو الدولية الخميس.

من شأن هذا الوضع المتأزم أن يفاقم من التعقيدات التي تواجه المساعي الدبلوماسية بين إيران والقوى الكبرى (روسيا، الصين، فرنسا، بريطانيا، ألمانيا) إضافة إلى الولايات المتحدة بشكل غير رسمي، الرامية إلى إحياء الاتفاق النووي، فيما لا تزال المفاوضات تتعثر بعد عام ونصف من اللقاءات.

وارتفعت مؤخرا نبرة انتقادات السلطات الإيرانية مع دعوة عدة دول أوروبية طهران إلى احترام حقوق الإنسان. فرنسا على وجه الخصوص، دعت الثلاثاء إلى فرض حزمة من العقوبات الأوروبية على المسؤولين عن هذا القمع الذي خلف أكثر من 100 قتيل، حسب تقرير منظمة حقوق الإنسان الإيرانية (IHR) ومقرها النرويج.

في السياق، قال ديفيد ريجوليه-روز الباحث في معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية "IRIS" والمتخصص في الطاقة النووية: "بالنظر إلى ما يحدث في إيران، فقد باتت الأطراف الفاعلة في المفاوضات النووية أقل تحمسا فيما يخص التوصل إلى اتفاق بأي ثمن". ويضيف نفس المصدر: "أصبح النظام الإيراني من جهته أكثر صرامة في الرد على الاحتجاجات وهو لا يحبذ تقديم أية تنازلات قد تظهره في موقف ضعف. وبالتالي، فمن غير المرجح أن تغير إيران موقفها في المفاوضات النووية".

  • "نرقص فوق بركان"

إضافة إلى ذلك، يرى ريجوليه بأن مسألة "حقوق الإنسان ليست متغيرا تقنيا في الاتفاق. لكن هذا لا يمنع الأطراف الفاعلة -لا سيما الغربيين- من إعلان مواقفهم خارج إطار المفاوضات. مثلما هو الحال بالنسبة إلى العقوبات الجديدة المطروحة من الأوروبيين والأمريكيين ردا على القمع المستمر لهذه المظاهرات".

من جانبه، قال تييري كوفيل الباحث في معهد Iris والمتخصص في الشأن الإيراني، إن "مسألة حقوق الإنسان في غاية الأهمية، لكن في حال أضافها المفاوضون إلى جدول المناقشات فلن يكون هناك اتفاق. وستعتبر الجمهورية الإسلامية أن هذا تدخل ستستغله كحجة للقول بأن هذه المظاهرات ما هي سوى مؤامرة من الخارج".

وهذا ما حدث فعلا، فقد قال المرشد الإيراني الأعلى الاثنين إن "أعمال الشغب" قد حرضت عليها الولايات المتحدة وإسرائيل، وهي ليست منظمة من قبل "الإيرانيين العاديين".

فأعلنت إيران الأربعاء أنها استدعت السفير البريطاني سايمون شيركليف للاحتجاج على تدخل بلاده في ما يتصل بالاضطرابات التي أشعلتها وفاة الشابة مهسا أميني.

كما استدعت إيران القائم بالأعمال الفرنسي في طهران الأسبوع الماضي، بعد أن أدانت باريس "القمع العنيف" للمظاهرات. في المقابل، قالت وزيرة الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا الثلاثاء إن إيران قد "اعتبرت أن التذكير بالمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان هو بمثابة تدخل ورأت أنه من المناسب إبلاغ سفارتنا بذلك". وكانت كولونا قد أعلنت قبل هذا التصريح عن استدعاء القائم بالأعمال الإيراني لدى باريس.

ضمن هذا السياق، فإن موقف فرنسا التي تأخرت في الدعوة إلى فرض عقوبات على المسؤولين عن القمع الإيراني، "اعتُبر بمثابة الصمت حتى ولو كان بدون شك نابعا تحديدا من منطق التريث.. نرقص فوق بركان فيما حياة الناس في إيران هي على المحك. لا تريد باريس تسميم الوضع المأساوي في الأساس. فرنسا لا تريد أن تفاقمه وتمنح طهران الذريعة لتبرير اتهامات ذات طابع تآمري إضافة إلى مزاعم التدخل الدولي"، حسبما أوضح ديفيد ريجوليه-روز.

ويشار إلى أن الخارجية الفرنسية أعلنت الخميس أن بث إيران ما وصفته بأنه "اعترافات" بالتجسس أدلى بها فرنسيان اعتقلا في مايو/أيار، هو "مسرحية (...) غير مقبولة ومخالفة للقانون الدولي". وأضافت الوزارة أن "هذه المهزلة تكشف عن ازدراء السلطات الإيرانية للكرامة الإنسانية" مطالبة بـ"الإفراج الفوري" عن الفرنسيين سيسيل كولر وجاك باري اللذين وصفتهما بـ"رهينتي دولة". وطالبت باريس بالإفراج عنهما.

  • جو بايدن بين نارين

يحرج رد الفعل العنيف للنظام في الجمهورية الإسلامية على الثورات الحاصلة في الشارع الإيراني، الرئيس الأمريكي جو بايدن بشكل خاص. ويرى تييري كوفيل أنه ومع اقتراب  بالولايات المتحدة المقررة في 8 نوفمبر/تشرين الثاني، "يصعب عليه (بايدن) الالتزام باتفاق نووي مع دولة لا تحترم حقوق الإنسان".

موقف حرج تترجمه التصريحات المزدوجة الصادرة عن الإدارة الأمريكية. فبعد أن قال جو بايدن في بيان الاثنين: "ستفرض الولايات المتحدة هذا الأسبوع عقوبات جديدة على مرتكبي أعمال العنف ضد المتظاهرين السلميين" في إيران، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان-بيير أن بإمكان واشنطن إدانة هذا القمع من جهة، ومن أخرى مواصلة المفاوضات الرامية إلى إحياء الاتفاق الدولي لعام 2015 بشأن النووي الإيراني. وبررت كارين جان-بيير ذلك بقولها: "حينما أطلق الرئيس ريغان على الاتحاد السوفييتي مسمى إمبراطورية الشر خلال ذروة الحرب الباردة، كان يجري أيضا مفاوضات للحد من التسلح" مع الروس.

وكانت إيران قد وافقت في أغسطس/آب على التراجع عن مطالبة الولايات المتحدة بشطب الحرس الثوري من القائمة السوداء للتنظيمات الإرهابية، ما أشار في حينه إلى إمكان حل نقطة خلافية واحدة على الأقل.

كما تركت التصريحات الأخيرة للمتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية في وقت سابق من هذا الأسبوع، الانطباع بوجود تقارب مع الولايات المتحدة. وكان ناصر كنعاني أكد قد الاثنين أنه قد "جرى تبادل رسائل بين إيران وأمريكا في نيويورك"، على هامش أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة منتصف سبتمبر/أيلول، بوساطة المنسق الأوروبي إنريكي مورا ومسؤولين كبار آخرين. وقال كنعاني: "لا يزال ممكنا" بعث الاتفاق النووي، مشيرا إلى "جهود جارية بوساطة المنسق الأوروبي وبعض الوسطاء، بمن فيهم وزراء خارجية دول الجوار، بهدف تبادل الرسائل من أجل التوصل إلى اتفاق". وختم الدبلوماسي الإيراني بالقول: "إذا أظهر الجانب الآخر، وخاصة الحكومة الأمريكية، إرادة سياسية، فمن الممكن التوصل إلى اتفاق في وقت قصير".

بالتزامن، أطلقت طهران سراح باقر نمازي وهو إيراني أمريكي كان محتجزا في إيران منذ 2016، إضافة إلى نجله سياماك نمازي الذي اعتقل في 2015. وأوضحت وزارة الخارجية الأمريكية بأن دوافع هذا القرار هو "متطلبات طبية"، في المقابل ربطت إيران خطوتها بإلغاء تجميد نحو 7 مليارات دولار من الأموال المجمدة في الخارج، حسب ما أفادت وكالة أنباء جمهورية إيران الإسلامية (إرنا).

ويعتبر الباحث تييري كوفيل أنه ومن خلال هذه الخطوة فإن "الجمهورية الإسلامية تتخذ خطوة حذرة إلى الوراء" مضيفا أن "الأحداث الجارية تدفع طهران إلى المرونة على الصعيد الدبلوماسي لإبرام اتفاق". من جانبه، قال ديفيد ريجوليه-روز: "في دبلوماسية الرهائن يمكن أن يكون هناك هامش لإدخال تعديلات تمهد إلى الإفراج عن قسم من الأموال المجمدة في حساب الضمان. لكن ليس هذا ما سيسمح بالتوقيع على اتفاق. الاتفاق هو قبل كل شيء حل وسط يدمج مجموعة من القيود ونحن لم نصل إلى هذا بعد"، ويذكّر الباحث أنه وحتى قبل اندلاع المظاهرات فقد "كان الجانب الإيراني يتبع منطق العرقلة".

  • إدارة مرحلة ما بعد "عدم الاتفاق"

هل ستسمح هذه التنازلات المقلقة بتخفيف حدة التحول الذي وقع في منتصف سبتمبر/أيلول؟ فقدت باريس وبرلين ولندن، والتي كانت لا تزال تأمل في انتزاع اتفاق بعد الصيف، صبرها أمام تسارع البرنامج النووي الإيراني.

فحسب آخر تقرير فصلي للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رفعت الجمهورية الإسلامية مجددا مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 بالمئة، القريبة من ميزة التسلح، وهي تمتلك أكثر مما يكفيها للشروع في صنع القنبلة الذرية في حال قامت بتخصيبها أكثر من ذلك بقليل. يتطرق ديفيد ريجوليه-روز إلى مصدر آخر للقلق هو أن "إيران لا تريد إعطاء إجابة للوكالة الدولية للطاقة الذرية حول وجود يورانيوم مُصَنَّعْ عثر عليه في ثلاثة مواقع حساسة غير معلنة، مؤشر على البعد العسكري المحتمل للبرنامج النووي الإيراني: مريفان، فارامين، وتوركوز آباد". وهو يستبعد التوصل إلى اتفاق في ظل الظروف الراهنة. وفي تقرير نشر في مايو/أيار، أشارت الوكالة التابعة للأمم المتحدة إلى أن إيران لم تقدم "إجابات مُرضية" فيما يخص تلك المواقع الثلاثة غير المعلنة مسبقا.

نقطة توتر أخرى: يشترط المفاوضون الإيرانيون أن يقدم جو بايدن ضمانا باحترام بلاده لكل اتفاقية مستقبلية، حتى في حال تغير الرئيس الأمريكي في 2025. لكن وبالنسبة لرئيس الولايات المتحدة، فهذا ببساطة مستحيل، يوضح ديفيد ريجوليه-روز ههنا: "لأن عمل المؤسسات الأمريكية لا يسمح بذلك". يضيف أنه "من الناحية القانونية لا يمكن لجو بايدن الالتزام في حالة تغيير الأغلبية لسبب بسيط، هو كون الاتفاق النووي الإيراني ليس معاهدة دولية، بل اتفاقية. يجب أن يصادق الكونغرس الأمريكي على المعاهدات الدولية التي وقعتها الولايات المتحدة. لكن لن تكون هناك بتاتا غالبية كافية للمصادقة على معاهدة إيرانية محتملة".

كما يضيف الباحث المتخصص في الشأن الإيراني، بأنه لم يعد في الوارد إنقاذ الاتفاق النووي الإيراني المبرم في 2015 على الرغم من عام ونصف من التبادلات الدبلوماسية المكثفة. وهو يرى بأن "إدارة ما بعد عدم الاتفاق هي المرجحة بالنسبة إلى الغربيين عموما والأمريكيين خصوصا". ويضيف أن إيران "أصبحت دولة على شفا [النووي].. علما بأن لديهم (الإيرانيون) حاليا ما يكفي من اليورانيوم المخصب عالي المستوى، يضاف إليه معرفة لا يمكن التراجع عنها، لصناعة قنبلة نووية في حال اتخذ قرار سياسي بذلك. لكن لا يبدو أن هذا هو الحال حتى الآن.

 

بهار ماكويي

الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم

ابق على اطلاع دائم بالأخبار الدولية أينما كنت. حمل تطبيق فرانس 24

تاريخ الخبر: 2022-10-06 21:16:46
المصدر: فرانس 24 - فرنسا
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 90%
الأهمية: 85%

آخر الأخبار حول العالم

نصف ماراطون جاكرتا للإناث.. المغرب يسيطر على منصة التتويج

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-28 18:26:31
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 60%

مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال الـ24 ساعة الماضية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-28 18:26:18
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 60%

نصف ماراطون جاكرتا للإناث.. المغرب يسيطر على منصة التتويج

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-28 18:26:26
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 50%

مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال الـ24 ساعة الماضية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-28 18:26:25
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 54%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية