الدار/ تحليل
ما أقدمت عليه السفارة الفرنسية بالرباط من محاولة مكشوفة لتوريط المغرب والرأي العام الوطني والصحافة الوطنية في قضية خارجية تهم الجزائر وفرنسا يؤكد أن باريس تلعب فعلا لعبة سياسية قذرة في المنطقة المغاربية، وتبحث عن أقل الذرائع من أجل تأزيم العلاقات المغربية الجزائرية أكثر مما هي متأزمة. ما علاقتنا نحن في المغرب ببيان حقيقة ينفي تعرّض فرحات مهني رئيس الحركة من أجل استقلال منطقة القبائل الجزائرية من الظهور على برنامج تلفزيوني على قناة Cnews الفرنسية الخاصة؟ هذه خلطة جزائرية فرنسية خالصة، وبدلا من أن تسلط السفارة الفرنسية بالجزائر الضوء على ما حدث وتبرز للرأي العام القبائلي أسباب قرار المنع الذي تعرّض له الناشط القبائلي، تتولى السفارة الفرنسية بالرباط مناقشة هذا الحدث.
صمْت السلطات القنصلية الفرنسية في الجزائر وتدخّل السلطات القنصلية في المغرب لا يمكن اعتباره مجرد هفوة تواصل أو سوء تقدير للمواقف ولما يحدث. فالبيان الذي نشرته السفارة الفرنسية بالرباط ينفي أولا جملة وتفصيلا منع فرحات مهني من الظهور في برنامج سياس على القناة التلفزيونية المذكورة، والحال أن حادثة المنع موثقة بالصوت والصورة في فيديو يظهر مسؤولا في القناة يعتذر من الضيف الجزائري قبل دخوله إلى الاستوديو. كما أن الصحافة الفرنسية نفسها سبق أن نشرت خبرا عن هذا المنع، لقد كان إذن من المفترض أن توجه السلطات الفرنسية بيانها التكذيبي إلى صحافتها الوطنية، دون إقحام الصحافة المغربية في الموضوع. هل ستوجه هذه السفارة بيانا مشابها للصحافة الهندية مثلا إذا نشرت هذا الخبر وهو أمر محتمل جدا؟
هذا البيان يعتبر في الحقيقة تمويها على القضية الأساسية المطروحة في هذا الموضوع، وهي التراجع الصارخ والمفضوح لقيم الحرية وحقوق الإنسان كما كان متعارفا عليها في التاريخ الفرنسي، وكما كانت فرنسا تدّعي باستمرار أنها حصنها وملاذها الأول والأخير. ولكن في جميع الأحوال لن نتدخل في فرنسا إذا أرادت أن تتنكر لجانب من تاريخها فهذا شأنها، لكن أن تحاول السفارة الفرنسية بالرباط إقحام المغرب في شأن يهم فرنسا والجزائر معا فهذه حركة لا ينبغي أن تمر مرور الكرام دون التوقف عند دلالاتها وأهدافها الخفية. لقد كان كثير من المحللين والمراقبين يؤكدون باستمرار أن يد فرنسا وراء تسميم العلاقات المغربية الجزائرية، وأنه كلّما أزف زمن الأزمة بين البلدين الجارين كلما اختلقت المخابرات الفرنسية سياقات جديدة من أجل استدامة هذا الخلاف وتأجيجه.
وما أقدمت عليه السفارة الفرنسية بالرباط من محاولة لإقحام الرأي العام الوطني والصحافة الوطنية والمغاربة عموما في هذا الشأن الجزائري الفرنسي الخالص هو شكل من أشكال هذا التآمر الجلي أحيانا والخفي أحيانا أخرى، الهادف إلى ضرب هذا بذاك، من أجل تحقيق مكاسب من وراء هذا الوضع المتأزم. لنكن صرحاء، ليس من مصلحة الفرنسيين أبدا أن تعود أجواء التطبيع في العلاقات المغربية الجزائرية وأن ينتهي النزاع المفتعل في الصحراء المغربية وأن تستقر الأوضاع السياسية والأمنية في العديد من البلدان المغاربية والإفريقية. الاستقرار هو عدو للمصالح الغربية في المنطقة، والفرنسية على الخصوص، وعودة الوئام والعلاقات الطبيعية بين بلدان المنطقة يمثل تهديدا صريحا لتغلغلها ونفوذها الذي بدأ بالمناسبة يعرف نوعا من التراجع والتزحزح.
إن نشر الصحافة المغربية لخبر منع فرحات مهني من الظهور في قناة تلفزيونية فرنسية كان مجرد متابعة عادية للأحداث والتطورات التي يتم تسجيلها بصفة يومية. لكن السفارة الفرنسية بالرباط على ما يبدو بالغت في تأويل هذا النشر على أنه تخندق لهذه الصحافة في ملف يبقى في نهاية المطاف بعيدا عن الشأن المغربي والوطني. ولم تتردد في التقاط هذه الممارسة الصحافية الخالية من أي خلفيات سياسية من أجل تحويلها إلى مطية لنفث سموم التفرقة والتأزيم المفضوحة.
