اللحظات الأخيرة في حياة توفيق الحكيم.. «أوصى بعدم التصرف في أشيائه الخاصة»

124 عامًا مرت على ميلاد الكاتب توفيق الحكيم الذي ولد في 9 أكتوبر لعام 1898، لأبوين مصريين بحي محرم بك بالإسكندرية، وظل بها حتى نال الشهادة الثانوية التي أهلته لدخول كلية الحقوق لدراسة القانون، وكانت آمال أسرته العريضة تنحصر فيما كان عليه أبوه القاضي إسماعيل الحكيم، الذي استمد كيانه الاجتماعي من هذا المنصب الرفيع، إلى أنه أصبح من رواد الرواية والكتابة المسرحية العربية، ومن الأسماء البارزة في تاريخ الأدب العربي الحديث، حتى رحل يوم 26 يوليو لعام 1987.

"قضى توفيق الحكيم السنوات الثلاث الأخيرة في حياته في متاعب صحية عديدة سواء بسبب أمراض الشيخوخة أو أمراض الوحدة والأحزان التي تولدت عن رحيل ابنه إسماعيل، فقد أصابته الآلام من بعد وفاة ابنه" وهو ما ذكره الكاتب الصحفي إبراهيم عبد العزيز حين كتب عن الرسائل الخاصة في حياة الحكيم في كتابه "أيام العمر.. رسائل خاصة بين طه حسين وتوفيق الحكيم".

وقال: "عندما اشتد الألم على إسماعيل، نادى والده.. آه يا بابا".. وكانت كلمة بابا أجمل كلمة يسمعها توفيق الحكيم في حياته، ولم يشعر بطعم ومذاق هذه الكلمة إلا في هذه الساعة، ولكن بعد فوات الآوان، ففي الوقت الذي كان فيه الحكيم يجلس في صالون البيت يتحدث إلى الطبيب بشأن علاج إسماعيل في الخارج، جاءه صوت "ناجا" أخت إسماعيل وصوت زوجة إسماعيل الثانية "هيدي" وهما تصرخان: إسماعيل مات!!

وأضاف: لم يشعر الحكيم بنفسه إلا وهو يقوم من مقامه ويقع على الأرض، ويقوم ويقع خلال حركته من حجرة الصالون إلى شرفة البيت وهو يلطم خديه كالنساء، ثم ما هي إلا ساعة حتى جلس صامتا يحمل على كاهله جبلا من الحزن الرهيب، وقد بدا لمن رآه في ذلك اليوم متجلدا جلدا عجيبا يخفي خلفه بركانا من الآلام والهموم، والأحزان والندم، وكل ما تركه في دنياه ورقة صغيرة كتب فيها عبارة قصيرة: كل شيء راح ولم يبق شيء.. ولا يملك الحكيم إلا أن يقول "اغفر لي يا ابني".

وفي تقرير نشر بعنوان "آخر ثلاثة أيام في حياة توفيق الحكيم" بمجلة "البيان" الكويتية بعددها رقم 494 الصادر بتاريخ 1 سبتمبر 2011 كشف عن أنه قبل رحيل ابنه إسماعيل عاش نفس المأساة عندما رحلت زوجته التي قيل إنها أصيبت بشلل أقعدها عن الحركة حتى توفيت، وقد أصاب الحزن الشديد توفيق الحكيم على فراق هذه الزوجة المخلصة.

وتابع: يوم أن مات ابن الحكيم في عام 1978 كان قد بلغ من العمر ثمانين عاما، وبدأت أمراض الشيخوخة تهاجمه بقوة وقسوة بدءا من عام 1981 عندما قرر اعتزال الكتابة، إلا أن الأمراض الشديدة لم تبدأ بشكل مباشر في وضع النهايات المحتومة في حياة الحكيم إلا منذ عام 1984 عندما نقل إلى مستشفى المقاولون العرب مصابا بالغيبوبة.

وفي أوائل شهر يوليو وقبل رحيله بعشرين يوما نقل للمرة الأخيرة إلى مستشفى المقاولون العرب بعد ما قضى أكثر من شهر مريضا في مستشفى السلام الدولي، وجاء في التقرير الطبي الأخير الذي أذاعته إدارة المستشفى أن الحكيم دخل إلى المستشفى مصابا بالتهاب رئوي والتهاب في عضلة القلب والغشاء المحيط بها، مع ارتفاع في درجة الحرارة، وكانت نسبة الوعي لديه قليلة إلا أنه بعد أيام بدأت حالته في تحقيق بعض التحسن فانخفضت الحرارة إلى الدرجة العادية وتحسنت درجة الوعي قليلا.

وكان قد أشرف على علاجه في الأيام الأخيرة من حياة توفيق الحكيم الدكاترة عبد المنعم حسب الله أستاذ الأمراض الباطنة بطب القصر العيني، والدكتور محمد سيد الجندي أستاذ أمراض القلب، والدكتور الحسين الغنيمي أستاذ أمراض الباطنة، والدكتور يحيى طاهر أستاذ المخ والأعصاب.

لقد شهدت الأيام بل والساعات الأخيرة من حياة توفيق الحكيم نوعا من الهدوء النفسي والجسدي معا، حيث كان يرقد فوق سريره من دون أن يدري بكل ما يدور حوله وكان محبوه ومرافقوه هم الذين يسجلون عليه هذه اللحظات.

عاش "الحكيم" لفترة امتدت لأكثر من ثلاث سنوات في غيبوبة الموت، التي كان يفيق منها من حين إلى آخر، وبالتالي كانت أيامه وساعاته الأخيرة تقترب ببطء نحو النهاية!

وقد أبت عليه الحياة بهدوئها ألا يموت إلا فوق سرير المرض في الجناح (411) بمستشفى المقاولون العرب التي كان قد دخلها قبل رحيله بعشرين يوما فقط.

ورغم تحسن حالته المرضية نسبيا إلا أنه طوال الأيام التي سبقت الرحيل في شبه غيبوبة الموت، وكان قد أصيب قبل لحظات الموت المؤكد بأزمة صحية نقل على أثرها إلى غرفة الإنعاش التي لفظ فيها أنفاسه الأخيرة، في حضور ابنته زينب التي شهدت تلك اللحظات المرعبة، وأيضا في حضور عدد من كبار الأطباء الذين أشرفوا على علاجه.

وقالت زينب الحكيم عن تلك اللحظات الأخيرة في حياة والدها من قبل أن يسلم روحه إلى الله: إنه عندما عادت إلى منزلها بجاردن سيتي مساء الأحد، اتصلت بمستشفى المقاولون فأخبرها الأطباء أنها يمكنها العودة فورا للمستشفى والمبيت مع والدها، فشعرت أن هذه الليلة الأخيرة في حياته، وبالفعل ظللت بجواره هي وفريق الأطباء حتى فارق الحياة.

وأضاف: أن آخر ما طلبه والدها قبل وفاته أن ينتقل من العناية المركزة إلى جناحه بالمستشفى ليموت بجوار صورته ولوحة يزينها لفظ الجلالة معلقتان على جدار جناحه، وأنه عندما يفيق من غيبوبته يسألها عن أحوالها وأحوال أحفاده ثم يطلب ورقة وقلما يضع عليها بعض الخطوط ليثبت لمن حوله أن يده قادرة على الكتابة، كما أنه أوصاها بألا تتصرف في أشيائه الخاصة.

تاريخ الخبر: 2022-10-09 15:21:36
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 54%
الأهمية: 50%

آخر الأخبار حول العالم

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية