مسيرة الربيع النبوي


بقلم: محمد البدوي

كلما حل شهر الربيع، إلا أخذني الحنين لتلك السنوات التي كنا نحتفل فيها بمولد المصطفى صلى الله عليه وسلم.

كانت مدينة القصر الكبير بالنسبة لي من المدن التي تحرص على إحياء هذه السنة، ولا يمكن أن يخرج الربيع دون أن يخرج أهل القصر الكبير للشارع فرحين مبتهجين مسرورين بذكرى مولده صلى الله عليه وسلم.

وما أجملها تلك المحطات التي بقيت راسخة في مخيلتي، مسيرة بالآلاف، من مختلف الأعمار في تنظيم محكم.

كان ذلك قبل ست سنوات، المكان ساحة علال بن عبد الله، قرب دار الشباب وقبالة مقهى الغزاوي، مكان استراتيجي، يعتبر القلب النابض للمدينة، موعد الاجتماع محدد سلفا؛ السادسة مساء، ولأن الفصل شتاء فقد تم تحديد الموعد بعد صلاة المغرب. أخبرت كما أخبر الجميع بالصلاة في أقرب المساجد حرصا على الالتزام بالوقت.

بدأت الوفود تتقاطر من كل الجهات، فحيث ما وليت وجهك تندهش بأسراب من المشاركين في هذه التظاهرة السنوية المتميزة.

اللجنة التحضيرية هذا الموسم عملت على تجديد الأساليب، والهدف طبعا هو إنجاح هذا الحدث الديني المتميز.

فرق كانت تشتغل لأكثر من أسبوعين، فريق يشرف على البراعم والزهرات، هذا الموسم سيعمد على توحيد الزي، جلابيب بيضاء مع طرابيش حمر، يرمز للباس المغربي الأصيل، هكذا سيخرج فريق البراعم، وأما الزهرات فكان لباسهن الأبيض والأخضر وفي أياديهن الصغيرة فوانيس وكلهم يحملون ويحملن الفوانيس وجريد النخل وبعض الأعلام الوطنية.

شدني هذا المنظر الجميل، براعم وزهرات في قلب المسيرة الجميلة، طبعا بعد الصف الأول والثاني المخصص للشيوخ، الذين فضلوا هذا اليوم أن يحجوا للمسيرة وهم يرتدون أفضل الثياب، وكأنهم في عيد، والحقيقة أن لأهل القصر الكبير أربعة أعياد، عيدان بالفرض وعيدان بالسنة، فأما الفرض فالفطر والأضحى وأما السنة فالمولد وعاشوراء.

شعار هذه السنة “نفديك يا رسول الله”، هذا الشعار جعلوه مكتوبا في لافتة جميلة ومزخرفة في مطلع التظاهرة أو المسيرة.

وبعد أقل من ساعة أعطيت الانطلاقة، على إيقاع شعار من توقيع الفنانين المتميزين، الحبيب والغوثي، هذا الشعار الخالد الذي لا يبلى، يبقى ما بقي هذا الدين يحفظه جيل بعد جيل إلى قيام الساعة، شعار عنوان النصر والتمكين لجيل الصحابة، الذين آووا وآزروا ونصروا.

إنهم الأنصار الذين استحقوا هذا الدعاء الخالد “اللهمَّ اغْفِرْ لِلأنصارِ، ولأبناءِ الأنصارِ، ولِأبناءِ أبناءِ الأنصارِ”:

طَلَعَ البَدْر عَلَيْنَا مِنَ ثَنِيَّاتِ الوَدَاع.

وَجَبَ الشّكْر عَلَيْنَا مَا دَعَى لِلَّهِ دَاع.

أَيّهَا المَبْعوث فِينَا جِئْتَ بِالأَمْرِ المطَاع.

جِئْتَ شَرَّفْتَ المَدِينَة مَرْحبَاً يَ_ا خَيْرَ داع.

طَلَعَ النّورَ المبِين نور خَيرِ المرْسَلِين.

ارتفعت الأصوات بهذا النشيد وكلنا نفرح برسول الله صلى الله عليه وسلم، وبين الفينة والأخرى تتعالى أصواتنا بالتكبير والتهليل والحمد والشكر لرب العالمين، أن جعلنا من أتباع المصطفى الأمين.

رجعت للوراء لعلي أطلع على آخر نقطة من المسيرة، فألفيت أولها قرب السوق المركزي من جهة البنك الشعبي وآخرها مازال قرب مقهى الغزاوي، وكأن المسيرة لم تتحرك، حمدت الله على نعمة التوفيق، وقلت في نفسي إنه رسول الله، والعيد عيده واليوم يومه ونحن أتباعه الذين يرجون شفاعته، وشربة من يده لا نظمأ بعدها أبدا.

كنت أرجو هذا الموسم أن أعفى من إلقاء كلمة بالمناسبة، ولطالما كنت أرشح لها، في هذا العرس الجميل، لكنهم أصروا علي، فقلت في نفسي هو رسول الله، وهل يليق بك أن ترفض؟ ولا حتى أن تتلكأ، عزمت وبدأت أسترجع نصوصا من ذاكرتي عساني أوفق في هذا الموقف.

الفنانان الرائعان وصوتهما الندي الطروب يزيد من حماس الجماهير، الغوثي يشير علينا بالسكوت، والجلوس في انتظار شعار جديد:

“وباش كتمشي السفينة” هو يسأل ونحن نجيب وكأننا في قسم نموذجي ومع أستاذ ألمعي:

 وبصوت واحد:

باش كتمشي السفينة “بالصلاة على نبينا”.

وباش كتمشي وترسي… بالصلاة على القرشي.

وباش كتمشي وتجول بالصلاة على الرسول.

أدركت من خلال نظرات الغوثي أن وقتي قد حان، وأنه لا مفر، وفي نفسي أن هذه الكلمة هي رزق من الله يسوقه سبحانه لمن شاء من خلقه، أمسكت مكبر الصوت وتجردت من حولي وقوتي وطلبت منه المدد سبحانه.

أقبلت على هذا الجمع الغفير من المحبين لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

وبدأت بالحمد والثناء على الله سبحانه وانتقلت إلى موضوع هذا الحفل، سنة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف وكيف نظهر الفرح بنبينا الأكرم، وهذا أمر مندوب إليه، فإن الله تعالى أمر المؤمنين بالفرح بما أنعمه الله عليهم من فضل، وما أسبغه عليهم من رحمات. قال تعالى: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [يونس: 58]، ولا ريب في أن النبي الأكرم أعظم رحمة مهداة إلى هذه الأمة كما قال سبحانه: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء: 107]، وإحياء لسنته العطرة واتباعا لنهجه القويم، وها نحن اليوم من هذه المدينة العريقة، مدينة الأولياء والصالحين نخرج في هذه الحشود لنجدد فرحنا برسول الله في كل عام، ونظهر السرور بمولده المبارك.

 أشارعلي صاحبي المسؤول عن الشعارات بيده يريد مني أن أستريح وفي الآن نفسه يرفع شعارا سيجعله مسك الختام:

تشفع يا رسول الله فينـــا ** فما نرجو الشفاعة من سواك

أغث يا خير خلق الله قومــا **ضعافا ظلهم أبـــــــــــدا لـــواك

وأســرع في إغـاثتنا فإنـا ** نرى المولى يسارع في رضاك

عليك من المهيمن كـل حين **صـــلاة وسلام مــن بهـــاك.

وأنا آخد قسطا من الراحة وأستجمع ما بقي لي من جهد، وقد أخذتني رعشة كالتي كنت أشعر بها أثناء إجراء الاختبارات، فالأمر جلل والموقف مهيب، والآلاف من الناس ينصتون إلي، عمت السكينة، فقلت هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفى، وتذكرت قوله تعالى: وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَآءُ قَدِيرٌ سورة الشورى جزء من الآية 29.

تعالت الزغاريد على جنبات الرصيف لنساء أبين إلا أن يشاركن في هذا الحفل البهيج.

اقترب مني صاحبي سيدي محمد يهمس في أذني يطلب مني الاختصار لأن الوقت المتفق عليه قد حان إذ لم يبق لي سوى كلمات حفظتها عن أستاذي الدكتور سيدي رشيد كهوس يقول فيها:

ما القمر بجواره، وما النجم في ساحات داره؟! وما الكوكب الدري بجانب أنواره؟! وما الشمس المضيئة أمام إشراقه؟!..

 كلهم يلتمسون الجمال من جماله ويقتبسون النور من نوره ويستمدون الحسن من حسنه ﷺ، خلقه ربّه فأحسن خَلقه وهذب خلُقه وأعلى قدره ورفع له ذكره..

“فهو الذي تم معناه وصورته

ثم اصطفاه حبيبًا بارئُ النسمِ

منزهٌ عن شريك في محاسنه

فجوهر الحسن فيه غير منقسمِ”.

ختمت كلمتي بشكر الجميع ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله، وسلمت المايكروفون لصاحبي وأخي عبد الواحد ليختم بصوته الرخيم ودعائه الجامع.

تاريخ الخبر: 2022-10-11 18:20:17
المصدر: الجماعة.نت - المغرب
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 58%
الأهمية: 64%

آخر الأخبار حول العالم

السلطات الإسرائيلية تؤكد مقتل أحد الرهائن في غزة

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 06:07:01
مستوى الصحة: 82% الأهمية: 98%

مع مريـم نُصلّي ونتأمل (٣)

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-03 06:21:38
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 68%

كتل ضبابية وحرارة مرتفعة ورياح قوية في طقس يوم الجمعة

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 06:08:54
مستوى الصحة: 61% الأهمية: 79%

الضغط على بايدن لمخاطبة الأمة إثراندلاع العنف في الجامعات

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 06:07:18
مستوى الصحة: 80% الأهمية: 100%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية