مرة أخرى يخرج علينا الملياردير إيلون ماسك مغيراً رأيه ومعلناً من جديد أنه يريد أن يمضي قدماً في استحواذه على شركة تويتر. جاء هذا بعد عدة أشهر من الدراما بين ماسك وشركة تويتر حول الصفقة التي أثارت كثيراً من الجدل. هذه المرة وضع ماسك شرطاً لإتمام الصفقة يتعلق بضرورة إسقاط الدعوى القضائية التي رفعتها تويتر عليه سابقاً وتتعلق بقضية الحسابات الوهمية. أثارت هذه الدراما عدداً من التساؤلات لدى الجمهور جمهور تويتر البالغ عدده 237.8 مليون مستخدم نشط يومياً.

من أين بدأت القصة؟

بدأت الدراما عندما أعلن ماسك عن نيته الاستحواذ على 9.2% من أسهم شركة تويتر في أبريل/نيسان 2022. وافقت شركة تويتر على العرض وسمحت على الفور لماسك بأن يتقلد مقعداً لديها في مجلس إدارة الشركة، وهو عرض قبله ماسك على الفور في البداية قبل أن يغير رأيه بعد ذلك بأسبوع فقط.

تغير موقف ماسك هنا كان نابعاً من اعتقاده أن حصوله على مقعد في مجلس الإدارة سيحرمه فرصة الاستحواذ على حصة أكبر من 14.9%. هذا فضلاً عما ألمح إليه بأن هذه الخطوة ستحرمه أيضاً حقه في التغريد حول السلبيات التي يجدها بالشركة، خصوصاً ما يتعلق بسياسات حرية الرأي. وبناء عليه كان الحل الأمثل الذي توصل إليه ماسك الاستحواذ على تويتر بالكامل عبر صفقة قدرت بنحو 44 مليار دولار.

تسارعت الأحداث بعد هذه اللحظة. إثر تقديمه لهذا العرض السخي أقدم ماسك على اتهام الشركة بالاحتيال من خلال التلاعب بعدد الحسابات الوهمية على المنصة إذ صرح ماسك بأن عددها أكثر من 5% حسبما كشفت عنه الشركة، ما اعتبره سبباً كافياً للتراجع. لم يرُق هذا لشركة تويتر بطبيعة الحال، فقد كان هذا اتهاماً صريحاً يمس نزاهتها ويمكن أن يعرضها للإفلاس، ولذلك لم يكن مستغرباً أن تصعِّد موقفها عبر تقديم دعوى قضائية على ماسك تطالبه بضرورة إتمام الصفقة.

إثر ذلك عُين 17 تشرين ثاني/أكتوبر موعداً لبدء جلسات القضية. غير أن ماسك وبطريقته البهلوانية أعلن الثلاثاء الماضي نيته إتمام الصفقة لشراء تويتر مقابل 54.20 دولار للسهم مطالباً القاضي المشرف على الدعوى بإغلاق القضية. وهنا وعبر هذه الخطوة الاستباقية سيحاول ماسك إتمام الصفقة قبل موعد بدء المحاكمة، عدا ذلك فإن الإجراءات القانونية ستستمر إلى أن تجري تسوية القضية بين المتعاقدين.

إذن، لماذا عدل ماسك عن رأيه في إلغاء الصفقة؟

في الحقيقية لا يمكن النفاذ إلى عقل ماسك لمعرفة السبب الحقيقي، وهو أمر يصعب التوصل إليه بطبيعة الحال، ولكن توجد مؤشرات ربما جعلته يقدم على تغيير رأيه.

بادئ ذي بدء كشفت رسائل محرجة سربت قبل المحاكمة عن كيفية انهيار الصفقة وكيفية تحول ماسك من كونه متشككاً بشأن الاستثمار في تويتر إلى القول بأن الطريقة الوحيدة لإصلاحها هي عبر الاستيلاء عليها. من المحتمل أن ماسك عرف بأن الأمور قد تصبح فوضوية إذا بدأت المحاكمة وخرجت الأمور عن السيطرة. فيرى خبراء في القانون أن ماسك يواجه وضعا حرجاً يمكن أن يؤدي إلى سلسلة محاكمات قد تخرج عن السيطرة وتكلفه أكثر من الصفقة ذاتها. هذا فضلاً أن جوهر القضية يعتمد على تصريحات ماسك ضد تويتر وهي الشركة ذاتها التي سينتهي به المطاف بالاستحواذ عليها، وهو ما سيضعه بموقف محرج مع مستخدمي المنصة وشركائه بمجلس الإدارة على حد سواء.

من جانب آخر أصدر ماسك بياناً عاماً وحيداً بشأن هذه القضية عبر تغريدة قال فيها إن الاستحواذ على تويتر سيكون الخطوة الأولى "لإنشاء تطبيق متعدد الأغراض يدعى X" يحاكي به التطبيق الصيني WeChat، وهو تطبيق شائع في الصين حيث بدأ كتطبيق محادثات عادي ليتحول لاحقاً إلى تطبيق يشمل خدمات كالألعاب والتسوق والتواصل الاجتماعي. يأتي تأكيد ماسك هذا لتصريحات سابقة عبر فيها لموظفي تويتر في يونيو/تموز عن نيته تحويل تويتر على شاكلة WeChat، والذي "سيحقق نجاحاً كبيراً"، وفق تعبيره. إذن يبدو الاستحواذ على تويتر خطوة في مشروع أكبر يحضِّر له الرجل الأغنى في العالم.

ومن الجدير بالذكر أن لدى ماسك خبرة طويلة فيما يتعلق بخدمات الدفع عبر الإنترنت، فقد كان ضمن الفريق الذي أنشأ البنك الإلكتروني X.com الذي تحول لاحقاً إلى PayPal الشهير.

ويرى خبراء أن تأكيد ماسك عرضه عبر تقديم ملف الاستحواذ على تويتر إلى الاعتماد من قبل لجنة الأوراق المالية والبورصة يدل على جديته بإتمام الصفقة، فهو بعيدٌ كل البعد عن المخاطرة بالتحايل على الأوراق المالية. من جانبها لم يصدر عن شركة تويتر أي تصريحات من شأنها أن تخل بالصفقة. فمنذ البداية كان موقف الشركة ثابتاً على إتمام الصفقة عند حاجز 54.20 للسهم.

في حال تمت الصفقة سيكون إيلون ماسك هو مالك شركة تويتر. وهنا لن يكون ماسك مسؤولاً أو مضطراً إلى الرد على المساهمين العامين كما كانت تفعل الشركة سابقاً. ورغم وجود عدد من المساهمين الكبار مثل بينانس (وهو مؤسس أوراكل)، ولاري إليسون والأمير السعودي الوليد بن طلال الذين سيرغبون بطريقة أو بأخرى في الحصول على نفوذ بالشركة، فإن العلاقة مع ماسك تبدو وفق خبراء لن تكون محل صراع، بسبب وعود الرجل لهم حول العوائد التي سيحصلون عليها. فبعد إعلان ماسك الأخير ارتفعت أسهم الشركة بنسبة 12.7% لتصل إلى 47.93 دولار.

أما عن الإدارة التنفيذية فقد أشارت تقارير في وقت سابق من هذا العام إلى أن ماسك سيدير الشركة مؤقتاً ليحل محل الرئيس التنفيذي الحالي باراج أغراوال. لم تصدر تصريحات تؤكد هذا التوجه بعد. ولكن من المستبعد أن يسمح ماسك لأغراوال بالاستمرار في منصبه وذلك لمواقف كليهما من الآخر التي اتسمت بالتوتر علناً بالأشهر القليلة الماضية، وقد أظهر ماسك مقدار إحباطه الكبير من الإدارة التنفيذية الحالية.

لا يبدو أن ماسك من صنف رجال الأعمال الذي يرضى بالخسارة. غالباً سيتمم الصفقة سواء قريباً أي قبل 17 أكتوبر/تشرين الأول أو قبل إبريل/نيسان 2023، وهو تاريخ نهاية صفقة التمويل التي حصل ماسك عليه للاستحواذ على تويتر. عدم إتمام الصفقة سيكون مكلفاً لماسك مالياً، إذ سيكلفه ما يقرب من مليار دولار بدل تعويضات. هذا على أقل تقدير. أما شركة تويتر فستجني ملياراً إضافياً إلا أن سمعتها ستصاب بالضرر، وهذا ربما يجرها إلى خسارات بسوق الأسهم. أخيراً لا يوجد شيء مؤكد إلا رغبة الطرفين في عدم الوصول إلى أروقة المحكمة.



TRT عربي