في 17 سبتمبر/أيلول، اقتحمت سالي حافظ، البالغة من العمر 28 عاماً، أحد البنوك بمسدس لعبة ابن أخيها وطالبت بمدخراتها من موظفي الفرع.

فيما بدا أنه "سرقة بنك" حقيقية، سارع المصرفيون المتمركزون إلى الاستسلام، وأفرجوا عن 13 ألف دولار من حساب توفير سالي. فقدت سالي الوصول إلى مدخراتها لأن الحكومة اللبنانية وضعت حداً للسحب لكل حساب مصرفي كإجراء لإصلاح اقتصادها المتعثّر. لم تتمكن سالي من سحب سوى 200 دولار شهرياً، وهو ما لم يكن كافياً لعلاج أختها من السرطان.

كانت عملية السطو الوهمية مؤشراً قوياً آخر على اليأس العام في لبنان الناجم عن سنوات من الاضطراب الاقتصادي، مما أدى إلى سلسلة من عمليات السطو على البنوك قام بها المودِعون سعياً للإفراج عن أموالهم الخاصة.

أدى الانهيار الاقتصادي الذي كانت نتيجة سوء الإدارة منذ 2019 إلى دفع أكثر من 80 في المئة من اللبنانيين إلى مستويات تحت خط الفقر، مما تسبب في سلسلة من ردات الفعل اليائسة. تعاني البلاد نقصاً في الأدوية والغذاء وانقطاع التيار الكهربائي لفترة طويلة، بالإضافة إلى عدد من العواقب الأخرى لسوء الإدارة الحكومية الخطير. في حين شبّه البعض الوضع بـ"سلسلة بونزي"، ووصفه آخرون بأنه "دولة فاشلة"، فإنّ واقع الحال هو أنه أدى بشكل أساسي إلى تحطيم حياة السكان وسبل عيشهم.

لتسليط الضوء على الوضع المتأزّم، بعد زيارة صندوق النقد الدولي للبنان المنتهية في 21 سبتمبر، قال رئيس البعثة إرنستو ريغو: "لقد تقلّص الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 40 في المئة منذ عام 2018، ولا يزال التضخم في أرقام ثلاثية، واحتياطيات العملات الأجنبية آخذة في التراجع، وسعر الصرف الموازي وصل إلى 38 ألف ليرة لبنانية لكل دولار أمريكي. وسط انهيار الإيرادات والإنفاق المتأزم بشكل كبير، فشلت مؤسسات القطاع العام، وانقطعت الخدمات الأساسية للسكان بشكل كبير وبلغت البطالة والفقر معدلات عالية غير مسبوقة ".

ويضيف أنه في حين أن الحكومة تُحرز بعض التقدّم في الإصلاحات الاقتصادية المقترحة في وقت سابق من هذا العام، إلا أنها متأخرة للغاية.

أحد الأسباب الرئيسية لتأثير ذلك على السكان ككل هو أن البنوك التجارية في جميع أنحاء البلاد جمّدت مدخرات أصحاب الحسابات وقيّدت الوصول إلى الأموال الحالية بشكل كبير. في حين حاول الناس عدة مرات الاحتجاج على أوجه القصور الحكومية والدعوة إلى الإصلاح، واجهتها الحكومة عادة باستخدام العنف.

استجابة لهذا الكابوس الذي دام ثلاث سنوات، يلجأ الناس اليوم إلى تكتيكات لم يسبق لها مثيل لتلبية الاحتياجات الأساسية.

السطو على البنوك

تتزايد حالات السطو البنوك المشابهة للطريقة التي قامت بها سالي حافظ في العاصمة. حيث اقتحم رجلٌ البنك المركزي مطالباً بالوصول إلى أمواله لدفع تكاليف العلاج لابنه المريض. بعد حادثة سالي، وقعت خمس محاولات سطو أخرى في جميع أنحاء البلاد. في حين أجريت بعض الاعتقالات، وأُسقطت غالبية التّهم. أُطلق سراح العديد بعد أن طالب المتظاهرون بالإفراج عنهم. ولأن عدداً من هذه الأحداث بُثّت مباشرة، فقد دعمها اللبنانيون بسرعة لأنه لم يكن هناك سبيل آخر.

رداً على ذلك، شهدت البنوك إغلاقاً لمدة أسبوع تقريباً وهددت بالإغلاق إلى أجل غير مسمى وذلك رداً على "المخاطر" التي يتعرّض لها الموظفون نتيجة لهذه المحاولات "الشعبوية". وأصدرت منذ ذلك الحين بياناً قالت فيه إنها ستُعيد فتح أبوابها بعد "النظر في الظروف الأمنية الصعبة الحالية وضرورة الحفاظ على سلامة العملاء والموظفين على حدٍ سواء في غياب الحماية الكافية من الدولة".

شواطئ طرابلس

لدى البعض في البلاد خيارات أقل، مما تسبب في زيادة محاولات الهجرة غير المستقرة هذا العام. أكدت تقارير مفزعة للقارب الذي انقلب في عرض البحر قبالة سواحل طرابلس اللبنانية أن عدد الضحايا قد بلغ 94 شخصاً. وكان القارب ينقل ما يصل إلى 150 فرداً وعائلات لبنانية وفلسطينية بينهم مُسنّون وأطفال. لا يزال من غير الواضح كيف غرق القارب، في حين تمكّنت عمليات المنظمات غير الحكومية اللبنانية من إنقاذ بعض الركاب.

ويُوضح تقرير أن "عدد الأشخاص الذين غادروا لبنان أو حاولوا مغادرته عن طريق البحر تضاعف تقريبًا بين عامي 2020 و2021، حسب ما ذكرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في وقت سابق من هذا الشهر. ارتفع الرقم مرة أخرى لأكثر من 70 في المئة في عام 2022. "

يأتي هذا في أعقاب حادث مدمّر مماثل في أبريل/نيسان الماضي نتج عنه سبع حالات وفاة مؤكدة وقائمة طويلة من الأشخاص الذين لا يزالون في عداد المفقودين.

وبينما عمّ الحزن السكان على هذه الخسائر الفادحة في الأرواح، فإن خطاب الحكومة اللبنانية بشأن هذه القضية حتى الآن، تمركز حول "لوم الضحية".

هناك إجماع واضح، محلياً ودولياً، على أن الوضع في لبنان يزداد صعوبة. ومع ذلك، على المستوى المحلي، لم يكن هناك أيّ قدر ولو ضئيل من الجهد الحكومي لاستعادة الكرامة والحقوق المدنية والاقتصادية للمواطنين أو المقيمين.

على الصعيد الدولي، تُحجِم صناديق المعونة العالمية عن العمل مع دولة لا تُظهر أي جهد في استئصال الفساد. في حين أن الأمور قد تظلّ متوقفة عند هذا المستوى، فإن الواقع المعيشي للبنانيين يزداد سوءاً. مع استمرار الفشل، من الواضح أن فئات معينة من السكان ستتحول إلى أساليب خطرة لضمان أمنها كبشر في وقت قريب. ستستمر الردود الشعبية الخطيرة على هذا الوضع المتأزم بالظهور، وبخلاف الاستمرار في الضغط على الحكومة والهيئات الدولية على حد سواء، فمن الأهمية بمكان التعاطي مع هذه الاستجابات وتقديم الدعم.

جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عن TRT عربي.



TRT عربي