السعادة التي فقدتها
السعادة التي فقدتها
(1): طوابع لابنه
حكي لي صديق من أساتذة الجامعة, قال: عندما كنت في أمريكا لإعداد رسالة الدكتوراه , كنت في حاجة إلي عدد كبير من البيانات والمعلومات. وعرفت أن مدير شركة صناعية كبري هو الوحيد الذي يمكن أن أحصل منه علي أكبر قدر من المعلومات المطلوبة, فذهبت لمقابلته. ما إن جلست أمامه, حتي دخت سكرتيرت وقالت له إنها لم تجد طوابع بريد أخري. التفت المدير نحوي وقال: إنني أهتم بجمع الطوابع لابني الذي يبلغ من العمر اثني عشر عاما ثم شرحت للمدير هدفي من الزيارة, وبدأت أذكر أسئلتي, لكن إجابات المدير كانت عامة غير محددة, ولم أستطع الخروج بما كنت أريده من معلومات. وأصابني القلقق وأنا لا أعرف ماذا أفعل.
م تذكرت فجأة طوابع البريد التي يجمعها ابن المدير, وتذكرت أن البنك الذي أعمل فيه فترة من النهار تأتيه خطابات من كل بلاد الدنيا. ذهبت لمقابلة ذلك المدير في اليوم التالي, قائلا إن معي طوابع لابنه, وسرعان ما استقبلني الرجل في حماس وقد ظهر عليه السرور الشديد. وبدأ يتأمل الطوابع التي أتيت بها إليه وهو يقول: كم ستكون عادة ابني بهذه الطوابع النادرة.. إنها كنز.
وانقضت نصف ساعة ونحن نتحدث عن ابنه وعن الطوابع, ثم قضيا ساعة بعد ذلك نتحدث في الموضوع الذي ذهبت حقيقة من أجله, فذكر لي كل ما يعرف, وطلب من معاونيه أن يخبروني بكل ما لديهم, بل سأل بعض أصدقائه بالتليفون ليقدموا لي معلومات إضافية. هكذا حصلت علي أكثر مما كنت توقع من بيانات. وختم صديقي حكايته قائلا إذا أردت أن يهتم بك الناس, فلابد أن تهتم أولا بأمورهم.
(2) السعادة التي فقدتها
حكت لي صديقة تشغل منصبا مهما قالت: تعرف أنني فقدت زوجي بعد سنوات قليلة من زواج سعيد, فأحسست بالوحدة والتعاسة, وفقدت اهتمامي بكل شيء.
وفي أحد أيام الأعياد, دعاني بعض الأصدقاء لأقضي اليوم معهم, لكنني تصوت أنني سأضايقهم بما أعاني من هموم, فرفضت الدعوة. مع ذلك خرجت أسير وحدي في الشوارع إلي غير هدف. ووجدت نفسي عند موقف سيارات عامة, فركبت أول أتوبيس صادفني, ونزلت في المحطة النهائية, فوجدت نفسي في مكان لا أعرفه.
شاهدت حديقة عامة صغيرة, دخلت إليها, وجلست علي أحد المقاعد. وبسبب شدة الإرهاق استغرقت في النوم. وعندما استيقظت, وجدت أمامي طفلا وططفلة يسأل أحدهما الآخر: هل هذه السيدة مريضة؟ وأحس الطفلان بالخوف عندما استيقظ, لكنني لاطفتهما, ولاحظت أنهما يلبسان ثيابا قدية بالية, فسألتهما عن والديهما, فقالا : ليس لنا والدان.
عندئذ خجلت من إحساسي بالشقاء رغم كل من أجدهم حولي من أصدقاء وأسباب للراحة, وأمسكت بأيديهما, واشتريت لهما بعض الحلوي والهدايا. وكم كانت دهشتي عندما وجدت إحساسي بالوحدة والشقاء قد تبخر. لقد أعطاني هذان اليتيمان السعادة التي فقدتها منذ أشهر, وأخذت أشكر الله علي طفولتي السعيدة في ظل والدين أحاطاني بالحب والحنان. لقد أعطاني هذان اليتيمان في ذلك اليوم أكثر مما قدمت إليهما. وعلمتني هذه التجربة أن السعادة أخذ وعطاء, فإذا حاولنا أن نعطي السعادة للآخرين, فزنا بها نحن أنفسنا.
(3): الفتي غير المرغوب فيه!
كنت أركب إحدي المعديات التي تعبر نهرا في إحدي الدول الإفريقية, ورغم ازدحام المركب بالركاب, فقد كان هناك غلام صغير يجلس متربعا في قاع المركب, والناس يتعثرون فوقه ثم يعتذرون في كل مرة. وطلبت لي ربان المركب أن يبعد الغلام إلي مكان آخر لكي لا يؤذيه الركاب بأقدامهم, فقال الرجل في أدب: حسنا يا سيدي, لكنني يجب أن أحذرك أن الغلام إذا نهض من مكانه, فسوف يغرق المركب, لأنه يجلس فوق ثقب في القاع ويسده بجسمه!!
يعقوب الشاروني
Email: [email protected]