طراز معماري شيطاني يولد ويترعرع في القاهرة الجديدة (2)
طراز معماري شيطاني يولد ويترعرع في القاهرة الجديدة (2)
قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها (894)
فتحت ملف هذه القضية المسكوت عنها الأسبوع الماضي, حيث استعرضت التجاوزات المعمارية في مباني التجمعات العمرانية خارج القاهرة وهو ما يسمي بالقاهرة الجديدة… وللتدليل علي ما أقول كتبت: ولعل السبيل إلي إدراك ذلك هو أن أكلف فريقا من الزملاء في وطني أن يجوبوا تلك الأنحاء ويسجلوا بعدساتهم نماذج علي ما أقول لننشرها ونحللها ونعكس كيف أساءت للطرز المعمارية الراسخة دون أن تقدم طرازا جديدا… وأعترف أنني في هذا الصدد تمهلت وتداركت حتي لا أندفع فيما انتويت لسببين: أولهما أنني بتصوير النماذج المعمارية المستهدفة بالنقد قد أكون متجاوزا أية تشريعات تجرم الاعتداء علي الملكية الخاصة… وثانيهما أن المعايير الأخلاقية تقتضي استئذان ملاك العقارات المستهدفة بالتحليل والنقد وتعريفهم بالمقصود من تصوير عقاراتهم قبل الشروع في نشر صور تلك العقارات.
من أجل ذلك تريثت في إطلاق حملة تصوير العقارات المستهدفة في حملة تسليط الضوء علي الطراز المعماري الشيطاني الذي يولد ويترعرع في القاهرة الجديدة… وحتي أهتدي إلي المخرج القانوني والأخلاقي للصور المستهدفة سوف أتعرض بالشرح والتصوير الكلامي لنماذج التجاوزات التي ذكرتها لعلها تساعد في إبراز القضية المطروحة وترسم معالم التصدي لها والحد من انفلاتها.
** بداية أرجو إدراك أن النماذج المستهدفة والصارخة وراء فتح هذا الملف لا تنتمي بالضرورة إلي التجمعات العمرانية الكائنة داخل مساحات متكاملة ومحاطة بأسوار لأنها تخضع لطابع معماري موحد ـ بالرغم من عدم تبرئتها من أية تجاوزات ـ داخل أسوار عالية, فلا يتأتي رصد كامل التصرفات المعمارية التي تخضعها للتقييم والنقد… وبناء عليه ينحصر رصد التجاوزات في هذا الملف في إطار التصرفات والاجتهادات المعمارية في مجال الملكيات الخاصة المقامة علي قطع الأراضي غير المنتمية إلي تجمعات عمرانية.
** بصدد ما أفتحه من ملف التجاوزات يجب أولا أن أسجل كل التقدير والاحترام للاجتهادات المعمارية المنتشرة في المباني العامة والإدارية والتجارية التي تقدم المعالجات المعمارية المعتمدة علي الواجهات الزجاجية بشتي تشكيلاتها سواء كانت مستقلة بواجهاتها الزجاجية أو كانت ضمن تشكيلات تجمع بين خطوط العمارة الحديثة والعمارة الزجاجية ـ وهو الطراز الذي انبثق عن القرية الذكية غرب القاهرة والتي كانت إرهاصا لأمثلة كثيرة مرحب بها في المباني الإدارية والتجارية في القاهرة الجديدة.
** دخولا لأمثلة من التجاوزات المعمارية المرصودة في المباني الخاصة تجدر الإشارة إلي أن هناك قدرا مرعبا من الجهل بأصول الطرز المعمارية التي تستخدم لمجرد تطعيم الواجهات, الأمر الذي ينتج عنه خلط مخل بتلك الطرز واستخدام عشوائي لمكوناتها تحت مسمي تجميل الواجهات بينما ترتكب في هذا الصدد جرائم معمارية تعتدي علي القواعد الراسخة التي أتت بتلك المكونات.
** كيف يمكن إجازة تكوين معماري عادي لمبني سكني مكون من دور أرضي وثلاثة أدوار, بحيث تعلوه قبة ضخمة لا تتناسب مع حجمه ودوره الانتفاعي؟.. إلا لأنها تستخدم كعنصر زخرفي لا مبرر له سواء بالنسبة لوظيفة المبني أو حجمه.
** استخدام شكل الأعمدة ـ سواء الإغريقية أو الرومانية ـ استفحل في المعالجات المعمارية دون أي إدراك لدورها كعناصر حاملة للمنشأ, فتحول إلي لصقها بالواجهات في صورة هزلية بعيدة كل البعد عن حقيقتها… فبدلا من الراسخ في الطرز المعمارية من كون عنصر العمود هو الناقل للأحمال من أعلي المبني إلي الأساسات في باطن الأرض نجد أن شكل العمود يلتصق بالواجهات كعنصر زخرفي يرتكز علي قاعدة معلقة في الهواء في أي دور من الأدوار وهناك ينتهي دوره دون أي تفسير لكيفية انتقال الأحمال… والتفسير هنا واضح وهو أن الزيف المعماري يكتفي بنقل الأحمال خلال الأعمدة الخرسانية المدفونة داخل حوائط المبني ويستحل اللجوء إلي الأعمدة الشكلية لزخرفة واجهات المبني دون أي منطق هندسي.
** عرفت الهندسة الإنشائية مع تطور علم الإنشاء إتاحة ارتكاز العمود الحامل لأحمال الأدوار العلوية علي كابولي خرساني يتولي نقل الأحمال إلي أعمدة داخلية تتولي بدورها نقل الأحمال إلي القواعد والأساسات… لكن لم يكن ذلك التطور مصاحبا لأي طراز من العمارة القديمة الإغريقية أو الرومانية أو غيرها حتي يستحل المهندسون إقحامه في تصرفاتهم المعمارية ليقدم شكلا غير مقنن أو مألوف للغلاف المعماري.
** متي كان العمود كامل الاستدارة عنصرا معماريا ملتصقا بحوائط المبني؟… عرفنا في جميع الطرز العمارية أن هناك العمود الحر كامل الاستدارة البعيد عن المبني, وهناك نصف العمود أو حتي ثلاثة أرباع العمود الملتصقين بحوائط المبني.. لكن كيف يتم التبرير البصري ـ ناهيك عن الفصل في التشطيبات أو إمكانية الصيانة والتنظيف لجسم العمود كامل الاستدارة الملتصق بواجهة المبني؟..!!
*** هذه مجرد نماذج أولية للملف الذي نفتحه والذي يدين كلا من المهندسين المعماريين ـ ولا أقول المقاولين الذين يغتصبون التنفيذ المعماري ـ بالإضافة إلي الأجهزة الهندسية المسئولة عن إجازة التصميمات المعمارية لمباني القاهرة الجديدة… ولعل هناك حلقات أخري للاستفاضة في شرح هذا الواقع المؤسف حتي يتأتي لنا تقديم الصور الدالة علي ذلك بعد استيفاء المعايير القانونية والأخلاقية.