بكري الجاك
فكرة المسؤولية الاجتماعية للشركات الكبري أو ما يعرف بال Corporate Social Responsibility وجدت توسعا و قبولا في اعقاب حقبة الثمانيات، او ما عرف بالتاتشرزم و الريغانزم نسبة لرئيسة وزراء بريطانيا و الرئيس الامريكي رونالد ريغان، و تعبّر هذه الحقبة عن قمة تبلور افكار النيوليبراليين و تطبيقها في الواقع، والتي بدأت في الخمسينيات من القرن العشرين بكتابات فريدمان و هايك، بخلطة بين المدرسة الاقتصادية النيوكلاسيكية، التي تدعو الي ترك الاقتصاد لقانون السوق (العرض و الطلب الذين يعملان من خلال فكرة المنفعة التي ينظمها السعر) دون تدخل كبير للدولة، و ال Monetarism أي النقدانية او مدرسة النقود، كمدرسة قائمة علي مبدأ أن يقتصر دور تدخل الدولة في الحفاظ علي نموء الكتلة النقدية بما يعادل معدلات نموء السلع و الخدمات.
المزاوجة بين المدرستين انتجت الوجه المتوحش للسياسات النيوليربالية في الغرب حيث قامت بعض الدول بخصخصة العديد من الشركات المملوكة للدولة كالخطوط الجوية البريطانية و مثيلاتها في عدة دول، و كان مقابل ذلك هو برامج التكيف الهيكلي Structural Adjustment Programs في الاقتصاديات النامية، و قد كتب عن هذا البرنامج من نقد ما يكفي لسد ثقب الاوزون. بشكل عام كانت حقبة الثمانينات بمثابة اعطاء الاذن الاجتماعي و الثقافي للشركات الخاصة و الأفراد باللهث وراء الثراء الفاحش و التفاخر بذلك فيما عرف بموضة Greed is Good اي “الطمع شيء جيد” و خفض ضرائب الأرباح على الشركات أدي الي تراكم رؤوس اموال خيالية مع تراجع دور الدولة في تقديم السلع و الخدمات و تقليص برامج الضمان الاجتماعي كنتيجة طبيعية لتراجع الايردات الضريبية.
هذا ما جعل مصطلح المسؤولية الاجتماعية يدخل الي الحياة العامة و من ثم يجد اهتماما في الدوائر الاكاديمية، وهو وسيلة للشركات لتجميل وجهها و اظهارها بمظهر الكائن الذي يكترث بالمجتمع بالبيئة خصوصا في المناطق التي تعمل فيها. الآن لا تخلو شركة خاصة أو بنك كبير من برامج متكاملة للمسؤولية الاجتماعية. المحير في أمرنا نحن في بلاد الدوسان أن كيف لشركة مملوكة للدولة بالأساس مثل شركة الموارد المعدنية أن تدّعي أنها تقوم بمسؤولية اجتماعية؟ هذه شركة عامة و ملك للشعب السوداني من الفها الي يائها بعيدا عن كل التحايل. هذا أمر محير مثله مثل كل شيء في أمر الدولة السودانية أو ما تبقي منها.
