منذ بداية العام 2022 يُنفّذ الجيش الإسرائيلي سلسلة عمليات تركّزت في مدن نابلس وجنين وطوباس شمالي الضفة الغربية، قَتل خلالها عدداً من الفلسطينيين واعتقل آخرين.

وتعرّض الجيش الإسرائيلي في تلك العمليات لإطلاق نار من مقاومين، كما واجه مئات الفلسطينيين الغاضبين الذين رشقوا آلياته بالحجارة والعبوات الحارقة.

والأربعاء، حاصر الجيش منزلاً في بلدة دير الحطب شرق نابلس، واعتقل الشاب سليمان عمران بعد اشتباك مسلّح استمر نحو 3 ساعات، أسفر عن استشهاد فلسطيني وإصابة آخرين.

عمليات مركزة للتخلّص من المقاومة

وفي هذا الإطار، يقول خبراء سياسيون فلسطينيون، إن "إسرائيل تسعى للتخلص من مسلّحين فلسطينيين عبر تنفيذ عمليات عسكرية مركزة وسريعة".

ويرى الخبراء، أن "إسرائيل غير معنية بتنفيذ عملية اقتحام طويلة للاعتقال وتصفية مسلحين فلسطينيين".

الخبير في الشأن الإسرائيلي خلدون البرغوثي، يرى أن "الخطاب الإسرائيلي مع إعطاء حقّ كامل للجيش للقيام بما يريد في الأراضي الفلسطينية من اقتحام وقتل". لكنه يقول إن "الجيش الإسرائيلي ينتهج سياسية تنفيذ عمليات مركزة وسريعة، يقتحم المدن الفلسطينية ويُنفّذ عملية سريعة يعتقل أو يقتل فلسطينيين وينسحب".

ويضيف البرغوثي أن "إسرائيل لا تفكر بالذهاب إلى اجتياح للمناطق الفلسطينية، وهذا ليس على جدولها".

ويرجع ذلك إلى "اعتبارات سياسية تتمثل بصورة إسرائيل أمام العالم وردود الفعل الدولية، وإلى أن الاجتياح يعني تقويض السلطة الفلسطينية أو التسبب بانهيارها وهو ما لا تريده تل أبيب".

ويقول: "إسرائيل تأمل أن تؤدي عملياتها إلى إحباط المجموعات المسلّحة والقضاء عليها دون تنفيذ عملية واسعة قد يُقتل فيها جنود، الأمر الذي سيؤثر على مكانة الحكومة قبيل الانتخابات".

ويرى البرغوثي أن التصعيد الإسرائيلي على الأرض يأتي في ظلّ واقع سياسي مأزوم في إسرائيل جراء تكرار عقد انتخابات الكنيست (البرلمان).

ويضيف: "في إسرائيل رئيس حكومة ليس من خلفية عسكرية يسعى لإثبات نفسه عبر قرارات سياسية مرتبطة بالأمن، ووزير دفاع من خلفية عسكرية يسعى لتسويق نفسه سياسياً".

ويتابع: "ما نراه مغازلة لليمين الإسرائيلي ومحاولة لكسب أصواتهم".

الحالة الأمنية تتعمّق

بدوره يرى سليمان بشارات، مدير مركز يبوس للدارسات (خاص)، أن "الحالة الميدانية في الضفة الغربية بدأت تتعمق بشكل أو بآخر".

ويستدلّ على ذلك من "مؤشرات عديدة، في مقدمتها تتابعية العمليات التي ينفّذها مقاومون ضد أهداف إسرائيلية سواء من خلال عمليات إطلاق نار، أو رشق سيارات المستوطنين بالحجارة، أو استهداف المواقع والحواجز العسكرية الإسرائيلية المنتشرة بالضفة".

ويضيف: "في المقابل أيضاً إسرائيل تستمر في عمليات الاقتحام والاعتقال والقتل شبه يومياً، إضافة إلى ما يقوم به المستوطنون من تقطيع أوصال الضفة ومنع المواطنين من التنقل عبر الطرق الخارجية وتدمير سياراتهم وتعريض حياتهم للخطر".

ويشير إلى أن ذلك يُنتج تعزيز حالة المواجهة فلسطينياً كردٍ على الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة من جانب، ومن جانب آخر رفض الفلسطينيين لحالة الانغلاق التام التي تمرّ بها الحالة السياسية والميدانية، فلم يعد هناك أفق للمستقبل، وكذلك إسرائيل تعمل على هدم مفهوم السيادة الفلسطينية.

ويرى بشارات أن "ظاهرة المجموعات المسلحة في الضفة يمكن أن تبدأ بالاتساع شيئاً فشيئاً، ونقاط الاشتباك قد تزيد من حيث العدد والجغرافيا، وهذا يمكن أن يزيد عدد الخسائر في صفوف الاحتلال الإسرائيلي".

ويتوقع أنه "إذا توسّعت ظاهرة المجموعات المسلحة، ستشكل نقطة تحوّل تجعل من الحالة تنزلق لمواجهة أكثر شمولية".

ويحذّر بشارات من أنه "إن لم يكن هناك ضبط سريع للحالة الميدانية قد تكون الأمور مرشحة لفترة مواجهة قد تتسع مدّتها الزمنية وأدواتها وفقاً لتطورات الميدان".

ويشير إلى وجود "عوامل من شأنها تغذية حالة المواجهة، أبرزها أوضاع الأسرى في السجون الإسرائيلية". ويلفت إلى أن "هناك عوامل إضافية تُغذّي هذا الجو حالياً، منها استمرار الإضراب واستمرار حالة الفجوة السياسية الفلسطينية الداخلية ما بين القيادة والشارع، وهو ما يعني عدم قدرة السلطة على السيطرة على الحالة الميدانية نتيجة اتساع فجوة الثقة".

بُعدان إسرائيليان: أمني وسياسي

من جانبه، يرى بلال الشوبكي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الخليل (جنوب)، أن "السياسة الإسرائيلية في الضفة الغربية ترتكز على بُعدين: أمني، وسياسي".

وفي البُعد الأمني يقول إن "إسرائيل معنية بتفكيك أي بؤرة لخلايا تنظيمية مقاومة بالضفة، وسلوكها يأتي في ضوء تقديرها للمخاطر المترتبة على انتشار مثل هذه الخلايا بالضفة".

ويستدرك بالقول: "في الوقت نفسه، في ضوء نوعية العمليات التي تقوم بها، هي لا تريد أن تغيّر في المنظومة الأمنية القائمة، تريد أن تُفكّك الخلايا دون أن تخلّ بالوضع القائم، بحيث تبقى السلطة الفلسطينية مستقرة".

ويضيف الشوبكي أن "الدخول بشكلٍ مكثّف على غرار ما حصل في انتفاضة عام 2000، قد يؤدّي إلى انهيار ما أُنجز خلال 15 سنة ماضية، عندما بدأت السلطة الفلسطينية منهجاً أمنياً مختلفاً في الضفة الغربية".

أما في البُعد السياسي، يقول الخبير الفلسطيني، إن "إسرائيل على مقربة من انتخابات برلمانية، وبالتالي يكون الخطاب اليميني المتطرّف في إسرائيل أكثر هواجاً، وتصبح كافة التيارات السياسية بما فيها الوسط واليسار، معنية بمغازلة مجتمع اليمين في إسرائيل، من خلال التشدد مع الفلسطينيين".

ويستبعد الشوبكي تطوّر الحالة إلى مواجهة أوسع بين القوات الإسرائيلية والفلسطينيين.

ويقول: "حتى تتحوّل الحركات الفلسطينية إلى جماهيرية، لا بدّ أن تكون هناك فصائل تتبنّاها، وحتى الآن حركة فتح تحرّكها متواضع جداً في قيادة الجماهير، بينما حركة حماس مفككة تنظيماً بالضفة ولا يمكن أن تحرّك الوضع".

ويتساءل الشوبكي: "هل يمكن أن تستمر المواجهة؟ ليجيب بأن هذا منوط بالسلوك الأمني الإسرائيلي، إذا كان سيستمر بشكلٍ متصاعد أكثر مما نتحدث عنه الآن".

ويختم بالقول: "حتى الآن، الإسرائيليون حذرون من إمكانية تفجّر الأوضاع، بحيث تصبح التحركات جماهيرية في الضفة".

TRT عربي - وكالات